نتعرّف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطلّ كلّ أسبوعين مرآة معبّرة عن جديد حركة النشر في العالم العربي.
الكتاب: سيمياء النص القرآني – قضايا وإشكاليات
الكاتب: د. منذر عياشي
الناشر: دار موزاييك للدراسات والنشر، تركيا
قد تكون كثيرة هي الدراسات السيميائية للقرآن الكريم، ذلك أنه موطن العلامات، إلا أن هذا الكتاب جاء من متخصص، أكاديميا، في هذه الاتجاه الفلسفي والنقدي، وله تجربة طويلة معه تأليفا وترجمة، مما يجعله يمتاز بالدقة المنهجية والحرفة في آن واحد.
يعتبر الدكتور منذر عياشي أن القرآن دائم الحضور بنفسه، وله دلالتان: لسانية، وهي له وبه يُستدَل عليها، والأخرى سيميائية، وهي لغيره وبها يُستدَل عليه. إضافة إلى ذلك فله علامات إيقاعية وتركيبية، وأخرى تضايفيّة، وذلك كله جعله يتميز عن النصوص التي سبقته "فدفع نسقُه أنساقَها وحلّ محلّها، وغدا بذلك منتجا أوليا وبدئيا للثقافة على صعيد اجتماعي وأنثروبولوجي، وللحضارة على صعيد إنساني وكوني".
يعتقد الكاتب أن القراءة السيميائية تختلف عن القراءات الأخرى من مثل: قراءة التذوق، وقراءة المتعة الجمالية والبلاغية، وعن قراءة التمائم كما يسميها. أما القراءة السيميائية فهي انخراط في سيرورة المكتوب ومصائره، فهي تجمع بين منظورين: منظور فردينان دو سوسور واعتباره السيمياء أصل اللسانيات، ومنظور رولان بارت الذي يرى أن اللسانيات هي أصل السيمياء. وهذان منظوران متناقضان، لكنهما يتيحان للباحث نوعا من الدقة المنهجية، تؤهله إلى دراسة القرآن دراسة سيميائية ذات بعد لساني محدّد بشرط النبوّة.
لهذا لا بد من إتمام الانتقال من الكائن الشخصي المحدّد بميول أيديولوجية وانحيازات مذهبية، إلى الكائن اللغوي المتجرّد عن كونه شخصا منحازا ليصير كائنا منخرطا ليس في النص فقط، بل في صيرورته الزمانية والمكانية معا.