الهند وأفغانستان... اهتمام عميق من نيودلهي وسياسة سطحية

القومية الهندوسية تعمل على تضييق الفرص مع كابول

 أ ف ب
أ ف ب
عناصر من طالبان يحتفلون بحلول الذكرى الثالثة لانتصار الحركة في كابول في 14 أغسطس

الهند وأفغانستان... اهتمام عميق من نيودلهي وسياسة سطحية

استولت قوات حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول يوم 15 أغسطس/آب 2021 مع انهيار نظام أفغانستان المدعوم من الولايات المتحدة. كان ذلك إيذانا ببداية حقبة جديدة وانتهاء عقدين من الغزو الأميركي مشبعين بالدماء والفساد والاحتلال.

أما الهند التي تحتفل كل عام بعيد استقلالها يوم 15 أغسطس بعد أن تحررت من الاستعمار البريطاني عام 1947، فقد أمسى هذا التاريخ منذ عام 2021 مشبعا بمرارة فقدانها حليفا قويا في أحد أكثر المواقع استراتيجية في قلب آسيا. وسارعت الهند باستخدام دبلوماسيتها الحاذقة، إلى إقامة علاقة عمل مع السلطات الجديدة في كابول، رغم كراهيتها لطالبان.

ومع أن الهند لا تعترف رسميا بحكومة طالبان، وبـ"إمارة أفغانستان الإسلامية"، فإن نيودلهي والنظام الأفغاني الجديد لا يظهران عداوتهما علنا. وتعاونت حركة طالبان مع الهند في إجلاء نحو 1700 هندي من أفغانستان في ظل الفوضى التي أعقبت الانسحاب الأميركي. ومنذ يونيو/حزيران 2022، يتمركز فريق فني هندي بالسفارة الهندية في كابول ويعمل على دعم المساعدات الإنسانية الهندية والمشاريع الأخرى.

وكانت الهند من بين الدول الأكثر صداقة مع إدارة الرئيس أشرف غني المخلوع، ومن قبلها مع حكومة حامد كرزاي. كما كانت نيودلهي أيضا داعما قويا لميليشيا التحالف الشمالي المحلولة الآن.

ووقعت الهند وأفغانستان "اتفاقية شراكة استراتيجية" عام 2011، وازدهرت العلاقات بينهما تحت الحماية الأميركية. وقد شجع الأميركيون الهند على تسويق قوتها الناعمة في أفغانستان بما في ذلك أفلام بوليوود، في حين كانت الهند تجني ثمار الوجود العسكري الأميركي. ولم تكن الهند سعيدة باحتمال الانسحاب الأميركي، وسعت جاهدة للتوصل إلى ترتيب سياسي بين الأفغان يرعى مصالحها.

ونتيجة لإدراك حكومة غني بأن الهند تنظر إلى أفغانستان كدولة استراتيجية في سياستها الخارجية، وعلى الأخص بوجود باكستان التي تؤدي دورا كبيرا غرب الهند، سعى سياسيو هذه الحكومة إلى الحصول على مساعدة عسكرية هندية كبيرة أثناء المفاوضات على صيغة لتقاسم السلطة في المستقبل. وكان من بين هؤلاء السياسيين حمد الله محب، مستشار الأمن القومي في حكومة غني، وفريد ماموندزاي الذي كان يشغل منصب سفير أفغانستان في نيودلهي. إلا أن ماموندزاي أعلن "إغلاق" السفارة الأفغانية عام 2023، بعد أن اشتكى من رفض السلطات الهندية تمديد التأشيرات للدبلوماسيين ومن "تحول في سلوك الحكومة الهندية". وغادر دبلوماسيو النظام السابق الذين لم يرغبوا في التنسيق مع طالبان بحثا عن عمل في بلدان ثالثة.

وتواصل السفارة الأفغانية والقنصليتان في مدينتي مومباي وحيدر آباد تقديم الخدمات القنصلية لآلاف الأفغان المقيمين في الهند بالتنسيق مع السلطات المركزية في كابول. ويتناقض هذا التنسيق على نحو حاد مع إعلان السلطات الأفغانية في 30 يوليو/تموز 2024 عن أنها لم تعد تقبل صلاحية الخدمات القنصلية التي تقدمها البعثات الأفغانية في دول كالنمسا وفرنسا وإيطاليا واليونان والنرويج وبولندا والسويد وأستراليا وكندا.

وفي يوليو 2021، ناشد ماموندزاي في مقابلة تلفزيونية الحكومة الهندية بقوة كي تقدم المساعدة العسكرية ضد طالبان، بينما شكرها على توفير التدريب للمجندين العسكريين وتوفير المنح الدراسية والمعدات العسكرية، بما فيها 11 طائرة هليكوبتر في الماضي. وكانت الهند قد أهدت أربع طائرات هليكوبتر هجومية من طراز "إم آي 25" إلى قوات الدفاع والأمن الوطني الأفغانية عام 2015.

أمسى 15 أغسطس منذ عام 2021 مشبعا بمرارة فقدان نيودلهي حليفا قويا في أحد أكثر المواقع استراتيجية في قلب آسيا

ومع أن وسائل الإعلام طرحت فكرة إرسال قوات برية هندية، فإن ذلك الاقتراح لم يكن مقنعا. وقد سعى مسؤولو حكومة غني صراحةً إلى الحصول على أسلحة هندية وطلبوا من الهند أن تدرب قوات الأمن الوطني الأفغانية، التي بلغ قوامها 307 آلاف جندي في أبريل/نيسان 2021.

أ ب
مقاتلون من حركة طالبان في القصر الجمهوري في كابول بعد فرار الرئيس أشرف غني في 15 أغسطس 2021

أما الأميركيون، الذين أنفقوا 2.3 تريليون دولار أميركي على الحرب وجهود "إعادة البناء" بين عامي 2001 و2021، فقد عدوا قوات الدفاع الوطني الأفغانية قوة ضاربة ضد طالبان.
ولكن هل يمكن لأي دولة أن تحل محل الولايات المتحدة في مثل هذا المشروع العسكري؟ بالتأكيد ليست الهند. فقد بلغت حصيلة القتلى خلال العقدين 2443 عسكريا أميركيا و1144 جنديا عسكريا من قوات التحالف و3917 متعاقدا أميركيا. بينما تجاوزت الخسائر في الأرواح بين الأفغان 200 ألف شخص، بما في ذلك 70 ألفا من أفراد الجيش والشرطة الأفغانية و46319 مدنيا أفغانيا وأكثر من 53 ألفا من مقاتلي المعارضة.
وفي 29 فبراير/شباط 2020 وقعت واشنطن وطالبان اتفاقا يقضي بمغادرة غالبية القوات الأميركية أفغانستان بحلول مايو/أيار 2021. وعندما اقتحمت طالبان كابول، كان ذلك صدمة للهند ونكسة لا يمكن إنكارها. إلا أنها سرعان ما قبلت أن طالبان حققت نصرا حاسما.

الشراكة الهندية-الأفغانية

تميزت العلاقة الوثيقة السابقة بين الهند وأفغانستان بعدد من المعالم البارزة. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2015 افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال زيارته إلى كابول، مبنى البرلمان الأفغاني الذي شيدته الهند بتكلفة 90 مليون دولار أميركي.
وفي يونيو/حزيران 2016 وصل مودي مرة أخرى إلى أفغانستان ليفتتح مع غني "سد الصداقة الأفغانية الهندية".
واتسمت العلاقة بين الجانبين بتقارب أيديولوجي واستراتيجي، حيث كان لموقف النظام الأفغاني السابق الذي يحارب "التطرف والإرهاب العالمي" صدى طيبا في الهند.
وبلغ حجم التجارة السنوية بين الهند وأفغانستان أكثر من مليار دولار اميركي.
وفي أبريل/نيسان 2015 زار غني الهند لأول مرة كرئيس عندما أعلنت نيودلهي عن خطة دعم "للفترة من 2015 إلى 2024 وما بعدها". كما زارها لاحقا في سبتمبر/أيلول 2016 وأكتوبر/تشرين الأول 2017 وسبتمبر 2018.
شاركت الهند في المحادثات متعددة الأطراف حول أفغانستان لسنوات، واستضافت المؤتمر الوزاري السادس رفيع المستوى لـ"عملية قلب آسيا-إسطنبول" في مدينة أمريتسار في 4 ديسمبر/كانون الأول 2016. وافتتح المؤتمر كل من غني ومودي.
وبعد أن أعيد انتخاب غني عام 2019 في انتخابات متنازع عليها، أبلغه مودي في رسالة التهنئة أن "الهند هي وطنك الثاني". وفي النهاية ذهب الزعيم الأفغاني بعد مغادرته كابول عام 2021 إلى "موطنه الثالث" في مكان آخر.
لقد تراجع دور الهند في حين اضطلعت روسيا والصين بدور أكبر في أفغانستان ما بعد عام 2021.
وكانت باكستان والصين الغائبتان البارزتان حين استضافت نيودلهي الحوار الأمني الإقليمي الثالث حول أفغانستان في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وشارك في هذا الاجتماع كبار المستشارين الأمنيين من الهند وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، إلا أن مستشار الأمن القومي الباكستاني رفض الدعوة علنا بينما تذرعت الصين بـ"صعوبات في جدول المواعيد".
وتريد روسيا والصين والدول التي تتشارك الحدود مع أفغانستان، أن تنعم أفغانستان بالسلام والاستقرار. فقد سئمت المنطقة من الحروب والصراعات المفروضة عليها. كما رفعت كازاخستان مؤخرا حركة طالبان من قائمة الجماعات المحظورة، ما زاد الآمال في علاقات أوثق مع أفغانستان وتكامل إقليمي أكبر.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريحات له في مايو/أيار من هذا العام: "النقطة الأساسية هي أنهم القوة الحقيقية. ونحن مثل حلفائنا في آسيا الوسطى نهتم بأفغانستان. وهذه العملية تعكس قبولنا للواقع".
ولا يغيب هذا الواقع عن الهند أيضا. فعلى الرغم من تشابكها مع النظام المخلوع، أظهرت الهند عدة إشارات يبدو أن حركة طالبان تقدرها. والموقف الذي تلتزم به الهند منذ فترة طويلة يتمثل في أنه "ما من بلد له حق الاعتراض (الفيتو)" على ما يحدث في أفغانستان.

تراجع دور الهند في حين اضطلعت روسيا والصين بدور أكبر في أفغانستان ما بعد عام 2021

ولا شك أن العداء بين الهند وباكستان يلقي بظلاله على المنطقة برمتها. كما أن القومية الهندوسية والسياسة الداخلية في الهند تعمل أيضا على تضييق فرصها مع أفغانستان. أما سياستها التي تركز على مشاريع التنمية والتبادل التجاري وإصدار عدد محدود من التأشيرات للمواطنين الأفغان، فقد لا تحقق لها النتائج المرجوة في منطقة تتسم بسياسات إقليمية عالية المخاطر. ومع أن الهند قد تكون مستعدة لممارسة سياسة الانتظار والمراقبة الطويلة مع أفغانستان، ستتأثر تحركاتها على المدى القريب بالطريقة التي ستتعامل بها روسيا والصين وباكستان وإيران ودول منظمة التعاون الإسلامي مع كابول.
وتعد الهند أفغانستان "جسرا بريا طبيعيا" سيربطها بآسيا الوسطى. ووجود الهند في ميناء تشابهار الاستراتيجي الإيراني يجعلها أقرب إلى هذا الجسر عبر خط سكك حديدية يربط ميناء تشابهار بمدينة زاهدان القريبة من الحدود الإيرانية الباكستانية الأفغانية. ذلك أن الهند تركز على تجاوز باكستان في تواصلها مع آسيا الوسطى، وأفغانستان هي المفتاح.

font change

مقالات ذات صلة