لم يسبق أن أخذت أي جولة مفاوضات بين "حماس" وإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة أبعادا إقليمية واضحة مثل الجولة المقررة الخميس 15 أغسطس/آب. هذا فارق أساسي ونوعي بين الجولة الحالية وسابقاتها يعكس عمليا تطورات الحرب نفسها لناحية ارتفاع وتيرة التصعيد في "جبهات الإسناد" وأهمها على الإطلاق تلك التي تدور على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وأيضا لناحية دخول إيران للمرة الثانية على خط الحرب المباشر بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران منذ نحو أسبوعين وتوعدها بالانتقام لمقتله. ولا ريب أن اغتيال القيادي الرفيع في "حزب الله" فؤاد شكر في بيروت وهنية في طهران بفارق نحو سبع ساعات مثّل التطور الأبرز في الحرب أخيرا، خصوصا أنه أدخل المنطقة في دائرة انتظار رد إيران و"حزب الله" على إسرائيل وبالتالي رد الأخيرة على ردهما وكل ذلك يزيد من خطر التصعيد الإقليمي والوقوع في ما يسمى الحرب الشاملة رغم أن ما تعيشه المنطقة فعليا هو نوع من هذه الحرب الشاملة مع احتدام أكثر من جبهة فيها.
إذن جولة المفاوضات المقررة الخميس تحصل في ظلّ كل هذه التطورات وكل هذه الغيوم الملبدة فوق سماء المنطقة وربما للمرة الأولى منذ حرب عام 1973، أو منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وبالتالي يصعب مقاربة هذه الجولة على أنها جولة عادية وبجدول أعمال عادي متصل بإبرام صفقة تبادل أسرى بين "حماس" وإسرائيل وبقية مندرجات "مقترح" بايدن ومراحله. فهذه المرة تتبدى هذه المفاوضات إقليمية أكثر منها فلسطينية- إسرائيلية على ما ينعقد من روابط بين بعدي المفاوضات هذين، البعد "المحلي" والآخر الإقليمي. بيد أنه يجب النظر أيضا إلى هذه الجولة على أنها إقليمية في المقام الأول، أو أن التأثير الإقليمي والدولي فيها أعلى من ذي قبل، وهذا قد يزيد من احتمالات نجاحها وقد يقلصها أيضا، بالنظر إلى تعدد اللاعبين ودخولهم المباشر هذه المرة على خط المفاوضات وفي مقدمتهم إيران، التي تتعامل مع هذه المفاوضات على أنها فرصة لها للجلوس على الطاولة بطريقة غير مباشرة، ملوحة بسيف الرد على إسرائيل ومحولة الوعيد بالرد إلى ورقة ضغط على المفاوضين وبالتحديد الأميركيين والإسرائيليين وهذا ما أرادته طهران دائما وما تريده الآن، أي أن تكون جزءا من المفاوضات وأن تؤثر فيها قبل سائر دول المنطقة.