هل ستلبي موسكو احتياجات طهران العسكرية المتزايدة؟https://www.majalla.com/node/321834/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%87%D9%84-%D8%B3%D8%AA%D9%84%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%B7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D8%A9%D8%9F
أثارت زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى طهران بداية الأسبوع الماضي زوبعة من التكهنات والتوقعات حول تغيرات في السياسات الروسية في الشرق الأوسط. وتزامنت الزيارة مع تصعيد غير مسبوق بعد تلويح إيران بالردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، ورصد هبوط طائرات شحن عسكرية روسية في إيران، قيل إنها محملة بأجهزة رادارات وأدوات للتشويش الإلكتروني.
وأوحت تصريحات المسؤولين الإيرانيين وتقارير الصحافة الغربية والإيرانية بأن روسيا قررت الانحياز إلى إيران والقطع مع سياساتها السابقة في الشرق الأوسط المبنية على أساس المحافظة على توازنات دقيقة، واستمرار سياسة الحوار والأبواب المفتوحة مع جميع الأطراف لجني مكاسب أكبر من وجودها في سوريا، ومنع الانجرار إلى حرب إقليمية كبرى. وفي المقابل، امتنعت روسيا عن التعليق على التقارير الغربية والإيرانية بشأن تزويد إيران بأنظمة دفاع جوي متطورة أو طائرات حديثة، وواصلت تحذيرها من "استفزازات" يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق. وأكدت في الوقت ذاته على متانة علاقاتها مع إيران وتطورها في جميع المجالات.
وبدت موسكو حريصة على عدم ربط توقيت الزيارة بالتوترات بين إيران وإسرائيل. وتزامنا مع انطلاق الزيارة، ذكر مجلس الأمن الروسي، في بيان على موقعه الإلكتروني، الاثنين الماضي، أنها جاءت تلبية لدعوة تلقاها شويغو لزيارة العاصمة الإيرانية أواخر مايو/أيار الماضي، من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان. وأشار البيان إلى أن الطرفين يعتزمان مناقشة مجموعة واسعة من قضايا التعاون الثنائي: من المجال الأمني إلى المشاريع التجارية والاقتصادية، إضافة إلى مختلف جوانب الأمن العالمي والإقليمي.
بدت موسكو حريصة على عدم ربط توقيت الزيارة بالتوترات بين إيران وإسرائيل. وتزامنا مع انطلاق الزيارة، ذكر مجلس الأمن الروسي في بيان على موقعه الإلكتروني أنها جاءت تلبية لدعوة تلقاها شويغو لزيارة طهران أواخر مايو الماضي
وفي ختام الزيارة التي التقى فيها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والعميد محمد باقري، قائد القوات المسلحة الإيرانية، وعلي أكبر أحمديان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، اكتفى شويغو بالإشارة إلى أنه ناقش مع المسؤولين الإيرانيين "موضوعات تتعلق بالتعاون الثنائي والمشروع الأهم في رأيي، مشروع ممر النقل شمال– جنوب"، مؤكدا أن الطرفين حققا تقدما كبيرا ويتعاونان في كافة المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والنقل.
حاجات إيران
من الطبيعي أن يثير توقيت زيارة شويغو وهو وزير الدفاع السابق والمعروف بقربه من بوتين موضوع التعاون العسكري بين روسيا وإيران الذي شهد تطورا نوعيا في السنتين الأخيرتين على خلفية تزويد إيران الجيش الروسي بطائرات دون طيار وقذائف صاروخية وقنابل انزلاقية وصواريخ. ولا تخفي إيران منذ سنوات طويلة رغبتها في الحصول على تقنيات عسكرية متطورة من روسيا وفي مقدمتها أنظمة الدفاع الجوي المتطورة مثل "إس-300" و"إس-400" لصدّ أي هجمات صاروخية معادية، إضافة إلى أجهزة الحرب الإلكترونية للتشويش على الطائرات. كما سعت إيران إلى الحصول على طائرات متطورة من نوع "سو-35" ومروحيات "مي-28" ومزيد من طائرات "ياك-130" التدريبية.
ورغم امتلاكها صواريخ متطورة، ومسيّرات من دون طيار (درونز)، فإن معظم طائرات إيران العسكرية قديمة، وتعود إلى فترة ما قبل الثورة في 1979. وبات أسطول إيران من الطائرات الحربية أشبه بمتحف كبير للطرازات العسكرية القديمة التي خرج بعضها من الخدمة في الغرب قبل عقود. وحسب تقرير القوات الجوية العالمية لعام 2024 الصادر عن "فلايت غلوبال"، تمتلك إيران عشرات من الطائرات السوفياتية القديمة من ضمنها: 9 طائرات عاملة من نوع "سو-22" التي دخلت الخدمة في 1966، ولديها 18 طائرة عاملة من نوع "ميغ-29" السوفياتية التي دخلت الخدمة في 1981، وكذلك 23 طائرة من نوع "سو-24" المنتجة في 1974 كما يوجد لديها 17 طائرة عاملة من نوع " إف-7" وهي النموذج الصيني من طائرات "ميغ-21" السوفياتية المنتجة في 1966. كما تملك إيران عشرات المروحيات القديمة من طرازات سوفياتية وغربية تعود إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي. ويضم أسطول إيران عشرات الطائرات الغربية القديمة، من ضمنها : 12 طائرة "ميراج إف-1" التي أنتجت في 1966 وخرجت من الخدمة في 1992، و35 مقاتلة من نوع " إف-5" الأميركية المنتجة في 1959 والتي خرجت من الخدمة في الولايات المتحدة في 1987، وكذلك 41 طائرة من نوع "إف-14" الأميركية (1969-1991)، و63 طائرة من نوع "فانتوم" أو "إف-4-دي" المنتجة أميركيا في 1958.
وكشفت الضربات الإسرائيلية على إيران ضعفا كبيرا أيضا في أنظمة الدفاع الجوي، وتستخدم إيران عددا من أنظمة الدفاع الجوي قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، بما في ذلك الأنظمة القديمة من الولايات المتحدة وروسيا والصين. وقالت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية في تقرير صدر عام 2019: "تشغل إيران مجموعة متنوعة من أنظمة صواريخ أرض- جو والرادارات التي تهدف إلى الدفاع عن المواقع الحيوية من الهجوم الذي تشنه قوة جوية متفوقة تقنيا". وتملك إيران 42 نظاما دفاعيا بعيد المدى من طراز "إس-200" (10)، و"إس-300" (32) السوفياتية، إضافة إلى منظومات "بافار 373" المصنعة محليا. وفي الشهر الماضي عرضت إيران وسوقت في معرض "ديمدكس 2024" للدفاع في قطر، عددا من أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك العرض الأول على الإطلاق لنظام الدفاع الجوي بعيد المدى "إي دي 200" المطور محليا.
كشفت الضربات الإسرائيلية على إيران ضعفا كبيرا أيضا في أنظمة الدفاع الجوي
ولا يوجد تقدير دقيق لإجمالي عدد منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، لكن الواضح أن إيران بحاجة ماسة إلى مزيد منها نظرا لكبر مساحتها وتوزع الأهداف العسكرية والنووية والحيوية في عدة مناطق، وعدم امتلاكها طائرات قادرة على اعتراض أي هجمات إسرائيلية أو أميركية بالطائرات المتقدمة من نوع "إف-15"، و"إف-35"، و"إف-22".
بين الرغبات الإيرانية والتقديرات الروسية
دفع الضعف الإيراني في وسائط الدفاع الجوي والطائرات وعدم قدرتها التقنية على إنتاج هذه الأسلحة إلى تكرار الطلبات الإيرانية للحصول على طائرات "سو-35" الروسية التي تأخر تسليمها منذ 2021، إضافة إلى أنظمة دفاع جوي أخرى مثل "بانتسير-إس-1"، و"تور-إم-2"، و"بوك-إم-2"، و"بوك-إم-3"، وبالطبع منظومة "إس-400" المتقدمة لحماية المواقع الإيرانية من أي ضربات إسرائيلية، وكذلك أجهزة الحرب الإلكترونية.
ومنذ بداية الشهر توالت تقارير إعلامية لشركات مختصة بمراقبة حركة الطيران في العالم عن هبوط أربع رحلات لطائرة من طراز " إيل-76" المتخصصة في الشحن العسكري في طهران قادمة من روسيا، وذكرت تقارير غربية عدة أن روسيا بدأت تسليم أجهزة رادار ومعدات دفاع جوي لم تحددها، لكن بعضها رجج نقل أنظمة التشويش الإلكتروني من نوع "مورمانسك بي إن".
ومنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، قدمت طهران آلاف الطائرات دون طيار من نوع "شاهد" إلى موسكو، ومؤكد أنها تسعى للحصول على معدات عسكرية متقدمة في المقابل. وتتبادل روسيا وإيران المعلومات الاستخباراتية، ولا تدين روسيا هجمات وكلاء إيران على القواعد الأميركية في سوريا والعراق كجزء من تحقيق هدف مشترك لطرد الولايات المتحدة من المنطقة.
ورغم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين فإن التعاون العسكري قبل الحرب على أوكرانيا لم يكن على أفضل حال، فقد أخرت روسيا تسليم صواريخ "إس-300" لسنوات. وفي البداية أبرم البلدان صفقة بقيمة 800 مليون دولار في عام 2007، لكن موسكو علقت تسليمها بعد ثلاث سنوات بسبب اعتراضات قوية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل. وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي في عام 2015، رفعت روسيا تجميد الاتفاق ويعتقد أنها سلمت إيران أربع منظومات "إس-300".
ورغم استفادة روسيا من الأوضاع الناشئة بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن تطور الأوضاع إلى مواجهة شاملة بين إيران من جهة وإسرائيل وحلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة من جهة أخرى لا يصب في مصلحة روسيا، والأرجح أنها تسعى لأهدافها الخاصة بتجنب هذه الحرب، وربما تسعى إلى إقناع إيران باللجوء إلى رد محدود على إسرائيل، أو حتى بذل جهود لنزع فتيل الأزمة.
ولا تتوافق المساعي الإيرانية للحصول على أنظمة الدفاع الجوي الحديثة والطائرات الحربية المتطورة مع مصالح روسيا استراتيجيا وعسكريا واقتصاديا. ويمكن أن يسهم تزويد إيران بالأسلحة الحديثة إلى كسر التوازنات القائمة حاليا، وفي فقدان روسيا أهم ميزة اكتسبتها في السنوات الأخيرة وهي المحافظة على علاقات جيدة مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط. وحافظت روسيا على علاقات متوازنة بين إسرائيل وإيران رغم التضارب الكبير في مصالح الطرفين والضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا. وفي حال وقوع حرب شاملة فإن روسيا ستكون مضطرة للانحياز إلى طرف على حساب آخر، وهو ما تريد تجنبه.
وتضرّ الحرب الشاملة بين إيران وإسرائيل بمصالح روسيا عسكريا لعدة أسباب، أولها الحدّ من قدرة إيران على تزويد روسيا بأنواع من القذائف والصواريخ. ورغم أن روسيا بدأت إنتاج طائرات دون طيار بمساعدة إيران في مقاطعة ألابوغا في تتارستان، فإنها ما زالت بحاجة إلى كميات كبيرة من هذه الطائرات من إيران إضافة إلى مواصلة الجهود لتطوير وتحسين هذه الأسلحة التي تلعب دورا كبيرا في الحرب الروسية على أوكرانيا. كما تخشى روسيا من الإضرار بسمعة أنظمة الدفاع الجوي الروسية في حال تمكنت إسرائيل والولايات المتحدة من ضرب بطاريات "إس-300" المنتشرة في إيران والكشف عن نقاط ضعف إضافية في هذه المنظومات، وربما يكون هذا سببا في عدم تسليم أنظمة "إس-400" حتى الآن. ومعلوم أن تقارير تحدثت في أبريل/نيسان الماضي عن أن إسرائيل ردت على هجمات الطائرات الإيرانية دون طيار بتدمير رادار "إس-300" في منطقة أصفهان الوسطى قرب منشأة نطنز النووية.
تضرّ الحرب الشاملة بين إيران وإسرائيل بمصالح روسيا عسكريا لعدة أسباب، أولها الحدّ من قدرة إيران على تزويد روسيا بأنواع من القذائف والصواريخ
وفي الوقت ذاته، تعاني روسيا عجزا كبيرا في أنظمة الدفاع الجوي، مادفعها إلى نقل أنظمة "إس-300" من جزيرتي إيتوروب وكوناشير في الكوريل المتنازع عليهما مع اليايان حسب وكالة الأنباء اليابانية في 31 أغسطس/آب 2023. كما أن صناعة الدفاع الروسية غير قادرة أيضا على تلبية متطلبات التسليم بسبب إعادة توجيه المنتجات لتلبية احتياجات جيشها الذي يحارب في أوكرانيا. وأجلت روسيا استكمال العقد الهندي لتوريد أنظمة الدفاع الجوي "إس-400" من عام 2023 إلى عام 2026، كما كشفت صحيفة "إيكونوميك تايمز" في 23 مارس/آذار من العام الحالي.
ومعلوم أن القوات المسلحة الأوكرانية أعلنت أكثر من مرة تدمير منظومات دفاع جوية روسية من طرازي "إس-300" و"إس-400" في شبه جزيرة القرم بصواريخ من "أتاكمز" و"ستورم شادو" ما يحتم على روسيا إنتاج ونشر مزيد من أنظمة الدفاع الجوي على الحدود وفي الجبهات مع أوكرانيا لضمان تفوقها العسكري، وبخاصة بعد بدء تزويد أوكرانيا بطائرات "إف-16" وزيادة الهجمات الأوكرانية العابرة للحدود بالمسيرات والصواريخ.
ورغم تصريحات بعض وسائل الإعلام والمسؤولين الإيرانيين ببدء روسيا تسليم أجهزة رادار وأنظمة دفاع جوي متطورة، فإن هذه المعدات قد تصعب مهمة شنّ إسرائيل أو الولايات المتحدة عملا عسكريا ضد إيران في المستقبل، ولكن من الواضح أن روسيا ليس لديها القدرة على تزويد إيران بالعدد والأنواع اللازمة لإفشال أي هجوم محتمل، إضافة إلى صعوبة استكمال عمليات التسليم والتدريب المحتملة للأفراد الإيرانيين في الوقت المناسب للتعامل مع الأزمة الحالية، في حال وجود نية روسية.
وفيما يخص تسليم طائرات "سو-35"، من المؤكد أن العدد الذي لا يتجاوز 20 طائرة حسب معظم التقديرات لن يكون كافيا لتحسين قدرات الطيران الإيراني لمواجهة إسرائيل المزودة بـ50 طائرة من نوع "إف-35"، ناهيك عن "إف-16"، والطائرات الأميركية التي نقلت إلى المنطقة.
وكان لافتا تجنب روسيا التعليق على تقارير إعلامية عن طلب إيران تزويدها بتقنيات دفاعية متطورة لتعزيز قدراتها في المواجهة المحتملة مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولم تؤكد أو تنفِ تقارير عن إرسال دفعات من بعض الأنظمة الدفاعية والرادارات.
وفي يوم الثلاثاء الماضي حذرت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من "حرب كبيرة" في حال تواصل التصعيد بين إيران وإسرائيل، ومع إشارتها إلى أن التدهور الحاد للوضع في الشرق الأوسط بدأ بعد مقتل هنية والقائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر، أكدت أن روسيا "حذرت مرارا وتكرارا من أن مثل هذه الخطوات الاستفزازية تنقل الشرق الأوسط إلى نقطة خطيرة جديدة ومحفوفة بمزيد من التدهور في الوضع العسكري السياسي حتى نشوب حرب كبرى".
وشددت زاخاروفا على أن روسيا "مستعدة للتفاعل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين للحد من التوترات واستقرار الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط".
ورغم سيل التحليلات والتوقعات بأن روسيا انحازت لإيران، تكشف تصريحات شويغو وزاخاروفا، وقياس المكاسب والخسائر من تزويد إيران بأنظمة الدفاع الجوي والطائرات أن روسيا تسعى إلى عدم الانزلاق إلى حرب واسعة، وأنها ربما عملت على إقناع طهران بعدم الرد بقوة على اغتيال هنية، وعدم تحويل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة مع إسرائيل، مع تزويدها ببعض الرادارات ومعدات التشويش الإلكتروني لأغراض دفاعية تمنع انهيار الصناعات الدفاعية الإيرانية المهمة جدا لتزويد روسيا بأسلحة في معركة تؤكد أنها وجودية مع الغرب في أوكرانيا.