خلال النصف الأول من شهر يوليو/تموز الماضي، استهدف الجيش الإسرائيلي خلال ساعات الليل، واحدة من المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، دون سابق إنذار، حيث تستخدم المدرسة لإيواء النازحين قسرا من منازلهم ومناطق سكنهم إما بسبب تدميرها وإما بسبب إجبارهم على النزوح من مُدنهم ومخيماتهم ومنعهم من العودة لها. كما يعاني أكثر من 700 ألف غزي نازح من شمال القطاع ومنعهم من العودة.
فهد عبد الرحمن 47 عاما، نازح من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات، اضطر إلى النزوح خلال الحرب الإسرائيلية التي انطلقت شرارتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكثر من أربع مرات حيث استقر وعائلته مؤخرا في واحدة من المدارس التي تستخدم كمركز إيواء للنازحين، يقول: "أجبرنا الجيش الإسرائيلي على النزوح، رحنا لبيت أقاربنا وقصفوا بيت بجواره، انتقلنا لبيت تاني تعرضت المنطقة للقصف، رحلنا ونزحنا على رفح أمرونا بالإخلاء قبل العملية العسكرية، أخدت ولادي وزوجتي وقعدنا في مدرسة بالنصيرات".
كان يعتقد أن المدرسة التي تتبع "الأونروا" وهي مؤسسة دولية من المفترض أنها محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، ستكون أكثر أمانا له ولعائلته، لكن في تلك الليلة وبينما هم نيام، بعضهم داخل فصل دراسي وآخرون افترشوا في ساحات المدرسة هربا من حر الصيف وانقطاع الكهرباء، قصف الجيش الإسرائيلي أحد مباني المدرسة دون سابق إنذار "لا أحد حذرنا ولا طالبنا بالإخلاء، فجأة لقينا حالنا وسط دمار وغبار وشظايا، الناس كانت بدمائها والجثث منتشرة داخل المبنى وساحة المدرسة".
الجميع بدأ الصراخ، الناجون ينادون على أبنائهم وسط الغبار والنيران المشتعلة بسبب القصف، توافدت الإسعافات والدفاع المدني وبدأوا في نقل الإصابات والجثامين إلى المستشفيات التي تعاني من شُح وعدم توفر المستلزمات الطبية الكافية لاستمرار عملها بحسب ما تقول وزارة الصحة بغزة في بياناتها المتكررة والتي تطالب المؤسسات الدولية بتوفير المعدات والمستلزمات الطبية باستمرار منذ بداية الحرب.
نادى عبد الرحمن أبناءه وبناته، بعضهم وجده واحتضنه فيما لم يجد اثنين من أطفاله "لا هم أحياء ولا أموات، طيب وينهم؟"، هرع إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح على أمل أن يجدهم بين المصابين، وصل بصعوبة وبدأت رحلة البحث داخل قسم الاستقبال والطوارئ، فلم يجد لهما أثرا. أخبره أحدهم أنّ بعض جثامين الأطفال موجودة في الثلاجات "حكولي روح شوفهم بالثلاجات، أنا خفت بدي أشوفهم وأطمن لكن خايف أكون فقدتهم" بحسب ما قال لـ"لمجلة".