"غرين كارد" إقامة ستقدمها الصين إلى العلماء الأجانب

لتبسيط عملية إقامة العلماء الأجانب وعملهم في الصين

شينغوا
شينغوا
نسخة جديدة من بطاقة هوية المقيم الأجنبي الدائم في إدارة الخروج والدخول بمكتب الأمن العام لبلدية تيانجين، شمال الصين.

"غرين كارد" إقامة ستقدمها الصين إلى العلماء الأجانب

في خطوة استراتيجية لتعزيز مجتمعها العلمي وتسريع التقدم التكنولوجي، أعلنت الصين خططا لتقديم تصريح إقامة متخصص للعلماء الأجانب. وتهدف هذه السياسة الجديدة، التي يشار إليها عادة باسم "البطاقة الخضراء"، إلى جذب المواهب من أعلى المستويات من جميع أنحاء العالم، مما يؤكد التزام الصين أن تصبح رائدة في مجال الابتكار العلمي.

وتأتي هذه الخطوة لجذب أفضل الكفاءات العالمية كجزء من استراتيجيا شاملة تهدف إلى تعزيز قدرات الصين التكنولوجية والابتكارية، مما يمكنها من تحقيق التفوق العالمي.

تم تصميم برنامج "غرين كارد" لتبسيط عملية إقامة العلماء الأجانب وعملهم في الصين. ومن خلال توفير طريق أكثر سهولة للإقامة، تأمل الصين في جذب الخبراء الذين يمكنهم المساهمة في تحقيق الأهداف العلمية والتكنولوجية الطموحة للبلاد. تعد هذه الخطوة جزءا من جهد أوسع لترسيخ التعاون الدولي وتعزيز القدرات البحثية في البلاد، ويأتي بالتزامن مع تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ في يوليو/تموز الماضي، حيث أشار إلى أن الابتكار العلمي في البلاد لا يزال دون المستوى المطلوب لتحقيق التنمية العالية الجودة.

ضمن هذا السياق، حددت الصين عام 2029 موعدا نهائيا لإنشاء "قوة عاملة ذات جودة" في مجالات العلوم والتكنولوجيا. وقد أكدت اللجنة المركزية لـ "الحزب الشيوعي الصيني" الحاكم، "أهمية التعليم والعلوم والتكنولوجيا والموهبة كأركان أساسية لاستراتيجيا التحديث الصينية".

علاوة على ذلك، أقر الحزب في بيان الاجتماع العام الثالث لهذا العام دعوة لتعزيز القدرات الابتكارية الوطنية وتشجيع الجامعات الأجنبية ذات المستوى العالي في العلوم والهندسة على التعاون في إدارة المدارس في الصين. شدد البيان أيضاً على ضرورة توفير آليات أكثر انفتاحا وفعالية لتوظيف ورعاية المواهب، مع التركيز على تحسين المعاملة للعلماء الشباب لتمكينهم من التركيز على البحث.

التمويل المبدئي الذي تقدمه الجامعات الصينية الموجهة نحو البحث تنافسي للغاية. وكذلك الرواتب والمزايا مثل بدل السكن وبدل التعليم المقدم الى الخبراء الأجانب

الفيزيائي الروسي الفرنسي أليكسي كافوكين

كما تعهد البيان بزيادة التمويل للبحث الأساسي وتحسين تخصيص الأموال لمشاريع البحث، بما في ذلك منح العلماء مزيدا من سلطة اتخاذ القرار والسيطرة الكبرى على التمويل.

وفي تصريحات خاصة لـ"المجلة"، عبر الفيزيائي الروسي الفرنسي أليكسي كافوكين، الأستاذ الدكتور بكلية العلوم في جامعة ويستليك الصينية عن سروره في "رؤية الأبواب تُفتح على مصراعيها للعلماء الأجانب الراغبين في العمل في الصين. هذه الخطوة ستساعد بالتأكيد في جذب المزيد من الخبراء ذوي المستوى العالي والعلماء الشباب المتحمسين إلى الجامعات الصينية".

وتحدث كافوكين عن الفرص الفريدة التي تقدمها الصين والتي قد تجذب أفضل المواهب العلمية، معتبرا الصين واحدة من أكثر الدول جاذبية للباحثين الراغبين في تأسيس مجموعة بحثية خاصة بهم، وبناء مختبر، وبدء مشروع كبير، وقال إن "التمويل المبدئي الذي تقدمه الجامعات الصينية الموجهة نحو البحث تنافسي للغاية. وكذلك الرواتب والمزايا مثل بدل السكن وبدل التعليم المقدم الى الخبراء الأجانب".

وقال إن البرنامج الشهير "1000 مواهب" جلب بالفعل إلى الصين آلاف الباحثين البارعين، فقد "خلق هذا البرنامج بيئة محفزة هي في أمس الحاجة إليها للعمل البحثي الإبداعي. الصين تتطور بسرعة لتصبح قوة علمية عظمى".

 

لماذا الصين؟

تتميز الصين بعدة عوامل تجعلها بيئة مثالية للعمل والإبداع، إذ تخصص ميزانيات ضخمة للبحث والتطوير. في عام 2023، أنفقت الصين ما يزيد على 3.3 تريليون يوان (نحو 458.4 مليار دولار) على البحث والتطوير، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 8.1% عن عام 2022. هذا الاستثمار الضخم يشمل دعم البحث الأساسي وتطوير التقنيات المتقدمة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، والطاقة المتجددة. في عام 2024، خُصصت 370.8 مليار يوان (نحو 51.5 مليار دولار) تحديداً لميزانية العلوم والتكنولوجيا، بزيادة قدرها 10% على العام السابق.

تحظى الأبحاث العلمية بدعم حكومي كبير. تتبنى الصين استراتيجيات لتحفيز الابتكار العلمي والتكنولوجي من خلال سياسات تحفز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والصناعية، وتوفير التمويل اللازم لمشاريع البحوث الكبرى. يتضمن هذا الدعم أيضاً تعزيز دور الشباب في التطوير التكنولوجي، حيث يعتبر الشباب قوة رئيسة في تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا المتقدمة.

تستثمر الصين بكثافة في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مع تركيز خاص على تطبيقات التعلم العميق وتحليل البيانات الكبيرة

توفر السوق الصينية الضخمة فرصاً واسعة لتطبيق الأبحاث العلمية وتحويلها إلى منتجات وخدمات. يبلغ عدد سكان الصين أكثر من 1.4 مليار نسمة، مما يجعلها من أكبر الأسواق في العالم. هذه السوق الضخمة توفر فرصاً للشركات والمبتكرين لاختبار منتجاتهم وتطويرها على نطاق واسع، مما يعزز فرص النجاح التجاري.

تشجع الصين التعاون الدولي في مجال البحث العلمي، مما يتيح للعلماء الفرصة للعمل مع زملائهم من مختلف الجنسيات. وتسعى الى تعزيز مكانتها العالمية من خلال الشراكات الدولية وتبادل المعرفة والخبرات. تهدف برامج مثل الإقامة الدائمة الميسرة للعلماء الأجانب، إلى جذب أفضل الكفاءات العالمية وتشجيعهم على المساهمة في البحث والتطوير في الصين.

 

التفوق الصيني

ويلعب العلماء والباحثون دوراً حاسما في نهضة الصين الحديثة، حيث تعتبر الحكومة الصينية أن الاستثمار في العلم والتكنولوجيا هو السبيل لتحقيق التنمية المستدامة والتفوق على الساحة الدولية. تسعى الصين لجذب أفضل العقول العلمية من جميع أنحاء العالم للمساهمة في مشروعات البحث والتطوير، التي تعتبر محورية في خططها لتحقيق الابتكار والاكتفاء الذاتي التكنولوجي.

شينغوا
ضابطة شرطة تسلم نسخة جديدة من بطاقة هوية الإقامة الدائمة الأجنبيةالى مقدمة الطلب في قسم إدارة الخروج والدخول الى مكتب الأمن العام لبلدية تيانجين شمال الصين.

تستثمر الصين بكثافة في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مع تركيز خاص على تطبيقات التعلم العميق وتحليل البيانات الكبيرة. على سبيل المثل، نموذج" بانجو" للذكاء الاصطناعي الذي طورته "هواوي"، يُستخدم لتحسين دقة التنبؤات الجوية، متفوقا على النماذج التقليدية في السرعة والدقة. يشمل هذا الاستثمار تطوير الروبوتات الذكية، السيارات الذاتية القيادة، والتطبيقات الطبية القائمة على الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، تستثمر الصين في بناء بنية تحتية قوية لدعم الذكاء الاصطناعي، مثل مراكز البيانات الضخمة وشبكات الجيل الخامس التي تتيح نقل البيانات بسرعة فائقة.

تعتبر الصين أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم، وتستثمر بشكل كبير في تكنولوجيا الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق التنمية المستدامة

وأحرزت الصين تقدماً كبيراً في استكشاف الفضاء، بما في ذلك إطلاق الأقمار الصناعية، وبناء محطة فضائية خاصة بها، وإرسال مركبات استكشافية إلى القمر والمريخ. تضع الصين في مقدمة هذا المجال إنجازات مثل إطلاق القمر الصناعي "ميكوس" الذي مكّن من توزيع مفاتيح الكم عبر مسافات طويلة؛ كما تسعى إلى بناء قاعدة على القمر وتطوير تكنولوجيا التعدين الفضائي لاستغلال الموارد الفضائية، وتخطط لإرسال بعثات مأهولة إلى المريخ في المستقبل القريب، مما يعزز مكانتها كقوة فضائية رائدة.

 

تكنولوجيا حيوية وطاقات متجددة

تشمل الأبحاث الصينية في هذا المجال تطوير الأدوية، والهندسة الوراثية، وتقنيات العلاج بالخلايا الجذعية وتقنيات تحرير الجينات التي تسمح بتعديل الحمض النووي لعلاج الأمراض الوراثية وتحسين خصائص المحاصيل. كما تعد الصين رائدة في مجال التكنولوجيا الحيوية الزراعية، حيث تسعى الى تحسين الأمن الغذائي من خلال تقنيات الزراعة الذكية. بالإضافة إلى ذلك، تستثمر الصين في أبحاث اللقاحات والعلاجات المناعية، مما يجعلها لاعباً مهماً في مواجهة الأوبئة العالمية.

تعتبر الصين أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم، وتستثمر بشكل كبير في تكنولوجيا الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق التنمية المستدامة. كما تعمل على تطوير تقنيات بطاريات متقدمة لتخزين الطاقة المتجددة وضمان استقرار الشبكات الكهربائية. وتسعى إلى تحقيق حياد الكربون في حلول عام 2060، مما يتطلب تطوير بنية تحتية للطاقة النظيفة وزيادة كفاءة استهلاك الطاقة في مختلف القطاعات الصناعية.

كما تعمل الصين على تطوير حواسيب كمومية فائقة القدرة، من شأنها أن تحدث ثورة في مجالات مثل التشفير، وتحليل البيانات، والمحاكاة العلمية. أحد الإنجازات البارزة هو الكومبيوتر الكمومي "جوزونج"، الذي أظهر تفوقاً كمياً على الحواسيب التقليدية؛ وبهذا تسعى لاستخدام الحوسبة الكمومية في تطوير تكنولوجيا الاتصالات الآمنة وأنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وتهدف الصين إلى أن تكون الرائدة في تطوير تقنيات الكم في حلول منتصف القرن، مما يعزز تفوقها التكنولوجي والعلمي على المستوى العالمي.

 

تستثمر الصين في تطوير المدن الذكية والبنية التحتية الرقمية. من خلال استخدام تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، تعمل الصين على تحسين كفاءة النقل، إدارة الطاقة، وجودة الحياة في المدن الكبيرة. مشاريع مثل مدينة شنتشن الذكية، تعتبر نموذجاً للمدن المستقبلية التي تجمع بين التكنولوجيا والاستدامة البيئية.

كما تلعب دوراً ريادياً في تطوير شبكات الاتصالات المتقدمة، بما في ذلك الجيل الخامس والبحث في الجيل السادس، إذ تسعى الى تعزيز قدرتها التنافسية العالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال الابتكار وتطوير منتجات جديدة تلبي احتياجات الأسواق العالمية.

وتعتبر الصين من الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية، حيث تستثمر في تطوير تقنيات الدفع الإلكتروني، البلوكشين، والخدمات المالية الرقمية؛ فمنصات مثل "إيرباي" و"ويشات باي"، أحدثت ثورة في مجال الدفع الإلكتروني والخدمات المالية، مما جعل الصين من أكبر الأسواق المالية الرقمية في العالم.

 

برنامج الإقامة الدائمة

من المتوقع أن يتضمن البرنامج الجديد للإقامة الدائمة في الصين عدة إجراءات وتسهيلات تهدف إلى جذب العلماء الأجانب. ورغم أن البرنامج لم يتم إطلاقه بشكل رسمي حتى الآن، فقد قدم الإعلام الصيني بعض التفاصيل المتوقعة حول الشروط والمتطلبات والإجراءات والتسهيلات التي سيشملها البرنامج.

يتوقع أن يتمكن العلماء الأجانب من الحصول على بطاقة إقامة دائمة ذكية مزودة شريحة تحتوي على معلومات الهوية، مما يسهل الإجراءات الحكومية والمعاملات اليومية مثل شراء التذاكر والإقامة في الفنادق

في ما يتعلق بالشروط والمتطلبات، من المرجح أن تختلف باختلاف المجال العلمي والتخصص، لكنها عموما ستشمل عدد الأوراق البحثية المنشورة في دوريات علمية مرموقة، وعدد الاستشهادات بالأبحاث من قبل باحثين آخرين، والحصول على براءات اختراع، والمساهمة في المشاريع البحثية الوطنية ذات الأولوية.

أما الإجراءات والتسهيلات، فيتوقع أن يتمكن العلماء الأجانب من الحصول على بطاقة إقامة دائمة ذكية مزودة شريحة تحتوي على معلومات الهوية، مما يسهل الإجراءات الحكومية والمعاملات اليومية مثل شراء التذاكر والإقامة في الفنادق. وستكون هذه البطاقة قابلة للتجديد دون الحاجة إلى تقديم مستندات إضافية إذا بقيت حالة حاملها دون تغيير.

من حيث الحقوق والمزايا، سيتمتع حاملو البطاقة بحقوق مماثلة للمواطنين الصينيين في مجالات الاستثمار وشراء المساكن والتعليم. وسيكون بإمكانهم العمل في الصين دون الحاجة إلى تصاريح عمل إضافية، والمشاركة في برامج التأمين الاجتماعي، وتحويل الأموال المكتسبة في الصين إلى الخارج بسهولة.

في ما يخص الاستثمار والتأسيس، تتيح البطاقة لحامليها تأسيس شركات أجنبية باستثمارات مباشرة في الصين، مع إجراءات مبسطة للحصول على الموافقات الحكومية، ويمكن استخدام الممتلكات الفكرية كأصول استثمارية. وتشمل الحوافز المقدمة تسهيلات في الإجراءات الضريبية والإدارية لدعم رواد الأعمال والمستثمرين الأجانب.

بالنسبة الى تسهيلات العائلات، يمكن لأزواج حاملي البطاقة وأقاربهم التقديم للحصول على تصاريح إقامة مماثلة، مما يعزز  استقرار العائلات الأجنبية المقيمة في الصين، ويتيح لها الاستفادة من حقوق المواطنين الصينيين في مجالات التعليم والرعاية الصحية والسكن.

شينغوا
ضابط شرطة يشرح للضيوف عن الإصدار الجديد من بطاقة هوية المقيم الدائم الأجنبي في قسم إدارة الخروج والدخول الى مكتب الأمن العام لبلدية تيانجين شمال الصين.

ورغم الفوائد المتوقعة، يواجه البرنامج تحديات كبيرة، منها المنافسة العالمية مع دول أخرى تسعى الى جذب أفضل الكفاءات، والبيروقراطية التي قد تعيق بعض العلماء الراغبين في الحصول على الإقامة الدائمة. كما يشكل حاجز اللغة والثقافة تحديا للبعض، بالإضافة إلى التكيف الثقافي والاجتماعي الذي يحتاجه العلماء الأجانب للتأقلم مع البيئة الصينية وضمان حقوقهم القانونية وتوفير بيئة عمل مواتية لتحقيق طموحاتهم المهنية والعلمية.

من المهم أن نلاحظ أن كل هذه التفاصيل لا تزال في طور التفكير ولم يتم تحديد الإجراءات النهائية التي سيتم اعلانها رسميا حتى الآن.

تعد المبادرة المرتقبة للصين بمنح الإقامة الدائمة للعلماء الأجانب خطوة استراتيجية حاسمة نحو بناء مستقبل أكثر إشراقاً للصين، حيث تُعد هذه المبادرة بمثابة فرصة ذهبية للعلماء الأجانب الطموحين الذين يتطلعون إلى المساهمة في تعزيز العلم والمعرفة. فإذا نجحت الصين في استقطاب العقول والكفاءات العلمية من شتى بقاع الأرض، فإنها ستتمكن من تحقيق تطورات نوعية في مجالات التكنولوجيا والابتكار وهو ما سيعزز بشكل كبير مكانتها كقوة اقتصادية وعلمية رائدة على الساحة العالمية، ويسرع وصولها إلى مرحلة الريادة العالمية والقيادة في مختلف المجالات.

font change

مقالات ذات صلة