ازداد احتمال حدوث تصعيد كبير في المواجهة الطويلة الأمد بين إيران وإسرائيل زيادة حادة في أعقاب صدور تقارير تفيد بأن روسيا وافقت على تزويد طهران بدفاعات جوية متطورة.
وأثيرت مخاوف في طهران بشأن فعالية الدفاعات الجوية الإيرانية بعد أن نجحت طائرات حربية إسرائيلية في اختراق الدفاعات تلك، روسية الصنع في أبريل/نيسان لشن ضربة دقيقة استهدفت منشآت عسكرية إيرانية بالقرب من مدينة أصفهان.
ولطالما اعتُبرت المدينة الإيرانية الواقعة في وسط البلاد مهد البرنامج النووي الإيراني، وجاءت الضربة الجوية الإسرائيلية- التي نُفذت ردا على هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل إيران ضد إسرائيل في الشهر نفسه- كرسالة واضحة إلى طهران تشير إلى ضعف منشآتها النووية.
ومع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران عقب اغتيال زعيم حركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والذي يُعتقد على نطاق واسع أنه نُفذ بواسطة وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، يسعى النظام الإيراني بجدية إلى تعزيز قدراته الدفاعية لمواجهة احتمالية شن المزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية.
نتيجة لذلك، اتجهت إيران نحو روسيا التي وصفها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، "بالشريك الاستراتيجي" لطلب إمدادات جديدة من معدات الدفاع الجوي. وبحسب ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" بدأت روسيا بالفعل في تسليم أنظمة دفاع جوي ورادارات متقدمة إلى طهران، تحسبا لاحتمال تجدد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل.
جاء ذلك في أعقاب زيارة قام بها سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي السابق والحليف المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، إلى طهران في وقت سابق من هذا الأسبوع. وخلال الزيارة، أجرى شويغو محادثات مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وعدد من كبار المسؤولين الأمنيين الإيرانيين. من بين هؤلاء المسؤولين الأميرال علي أكبر أحمديان، القائد البارز في "الحرس الثوري" الإيراني والذي يشغل منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ومحمد باقري، قائد القوات المسلحة الإيرانية، الذي يتولى قيادة التخطيط للضربات المحتملة ضد إسرائيل.
وقال مسعود بزشكيان لسيرغي شويغو، الذي يشغل حاليا منصب أمين مجلس الأمن الروسي: "إن روسيا كانت دائما من بين الدول التي وقفت إلى جانب الأمة الإيرانية خلال الأوقات الصعبة".
وتعزز التحالف بين إيران وروسيا بشكل كبير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، حيث قامت إيران بتزويد موسكو بطائرات مسيرة وصواريخ بالستية لدعم هجومها العسكري على كييف.
وأثار تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل عقب اغتيال إسماعيل هنية مخاوف بين القادة الغربيين من أن إيران قد تخطط لشن هجمات انتقامية ضد الدولة اليهودية. وهذه المخاوف تشمل احتمال تصعيد "حزب الله" لعملياته وقصفه لإسرائيل من قواعده في لبنان.
اتجهت إيران نحو روسيا لطلب إمدادات جديدة من معدات الدفاع الجوي
ويُقال إن مسؤولي الاستخبارات الأميركية أطلعوا وزير الخارجية أنتوني بلينكن على اعتقادهم بأن إسرائيل ستواجه موجتين من الهجمات: الأولى من إيران والثانية من "حزب الله". ودفع هذا الاعتقاد كثيرا من الحكومات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى حث مواطنيها على مغادرة المنطقة.
وبعد دعمها لروسيا في حربها بأوكرانيا، تسعى إيران الآن للحصول على دعم مماثل من موسكو. وإلى جانب مطالبتها بتعزيز الدفاعات الجوية الإيرانية، استغل الإيرانيون اجتماعاتهم مع سيرغي شويغو للمطالبة بتسليم طائرات مقاتلة روسية الصنع من طراز "سوخوي-35".
ولكن مدى استعداد موسكو لتزويد إيران بمثل هذه الأسلحة المتطورة يبقى موضع شك، خاصة وأن ذلك قد يهدد العلاقة الشخصية القوية بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وانعكست مخاوف موسكو بشأن تصاعد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل في الرسالة التي بعث بها سيرغي شويغو إلى المرشد الإيراني علي خامنئي. وبينما وصف شويغو اغتيال إسماعيل هنية بأنه "خطير للغاية"، فإنه دعا طهران إلى ضبط النفس وتجنب استهداف المدنيين الإسرائيليين.
وكانت طهران قد أصدرت بيانا أكدت فيه أنها تمتلك "الحق القانوني" في "معاقبة" إسرائيل على اغتيال إسماعيل هنية، وكذلك على اغتيال قائد كبير في "حزب الله" في بيروت، مع إصرارها على أنها لا تسعى إلى تصعيد التوترات الإقليمية.
ولا شك أن بوتين يدرك أن تعزيز تحالف موسكو مع إيران قد يضر بعلاقاته مع إسرائيل. فمنذ أن تولى منصب الرئاسة في روسيا قبل أكثر من عقدين، اتبع بوتين سياسة مؤيدة لإسرائيل إلى حد كبير. حيث أصبح أول زعيم روسي يزور الدولة اليهودية في عام 2005، وأيد لاحقا بناء متحف يهودي ضخم ومركز للتسامح بقيمة 60 مليون دولار، والذي تبرع له براتبه الشهري.
العامل الرئيس الذي يدفع بوتين لاتخاذ موقف مؤيد لإسرائيل هو وجود ما يُقدَّر بنحو 1.2 مليون مهاجر روسي وسوفياتي سابق يعيشون في إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، يحمل كثير من الأوليغارشيين الروس، الذين يُعتبرون من الداعمين الرئيسين لبوتين، الجنسية الإسرائيلية. وأدى ذلك إلى احتضان إسرائيل لأكبر تجمع لليهود في العالم من الاتحاد السوفياتي السابق، حيث يتحدث ما بين 15 و17 في المئة من سكان إسرائيل اللغة الروسية.
ويدرك نتنياهو أيضا الأهمية السياسية الكبيرة لجالية المهاجرين الروس في إسرائيل، والتي كانت حاسمة في بقائه في السلطة. حيث يعتمد ائتلافه اليميني بشكل كبير على الكتلة السياسية القومية العلمانية التي تشكلها هذه الجالية من المهاجرين اليهود وأحفادهم.
يدرك نتنياهو الأهمية السياسية الكبيرة لجالية المهاجرين الروس في إسرائيل، والتي كانت حاسمة في بقائه في السلطة
وهذا يفسر أيضا سبب حرص إسرائيل على الحفاظ على موقف محايد في الصراع بين روسيا وأوكرانيا. حيث امتنع نتنياهو عن إدانة غزو بوتين لأوكرانيا ورفض الانضمام إلى العقوبات الأميركية والأوروبية ضد موسكو. واقتصرت مساهمة إسرائيل الوحيدة في هذا الصراع على تقديم المساعدات الإنسانية.
عامل مهم آخر في قرار إسرائيل باتباع مسار محايد في الصراع الأوكراني هو العلاقة الحيوية التي تربط القوات الإسرائيلية بنظيراتها الروسية في سوريا. إذ تسيطر روسيا على المجال الجوي السوري وتسمح للطائرات المقاتلة الإسرائيلية بشن ضربات ضد وكلاء إيران هناك.
إذن، بينما يرغب بوتين في إعطاء الانطباع علنا بأنه سيرد الجميل لإيران على دعمها في أوكرانيا من خلال تزويدها بإمدادات جديدة من الأسلحة، فإنه من المرجح أن تكون هناك حدود للدعم الذي قد تكون روسيا مستعدة لتقديمه حتى يتمكن بوتين من الحفاظ على علاقاته الشخصية مع نتنياهو.