ينتظر سكان الشرق الأوسط الكيفية التي سيأتي بها الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية في طهران. اللبنانيون من جهتهم في حالة انتظار مزدوج، فإضافة إلى الرد الإيراني هناك رد متوقع من "حزب الله" على مقتل مسؤوله العسكري فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية بضربة إسرائيلية.
بيد أن هذين الانتظارين ليسا إلا العنوانين الراهنين لحالة انتظار تشمل كل أوجه الحياة في المشرق العربي على الأقل. اللبنانيون، على سبيل المثال، ينتظرون منذ 2022 انتخاب رئيس لجمهوريتهم كمدخل لحل جملة طويلة من الأزمات التي وصلت ذروتها في الانهيار الاقتصادي والشلل السياسي في 2019، مع إفلاس القطاع المصرفي وتدهور مستوى المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة وتوقف مؤسسات الدولة عن أداء وظائفها الأبسط، وسط استقطاب طائفي وصعود النزعات الجهوية والمناطقية واضمحلال المركز، سياسيا وأمنيا.
أما السوريون، فيبدو أنهم في حالة انتظار مشابهة للخروج من الوضع الذي وصلوا إليه في ختام حرب أهلية مدمرة استدعت تدخل قوى إقليمية ودولية وقيام ما يشبه الدويلات المستقلة في شمال غرب وشرق سوريا بالتزامن مع انسداد لأفق الحل السياسي وامتناع الحكم عن القيام بأي خطوة في اتجاه التسوية مع خصومه. كل ذلك في ظل معاناة إنسانية تشمل أكثرية ساحقة من السوريين مقابل قلة قليلة من الأفراد الذين عرفوا كيف يتحولون إلى أثرياء حرب.
حالات "الستاتوكو" والصراعات المستدامة منخفضة الحدة التي يقال إن منطقتنا قد دخلتها وستبقى فيها لمدة طويلة، تنطوي في واقع الأمر على نوع من الحركية (الديناميكية) الداخلية التي تعتمل في قلب المجتمعات
الانتظار الفلسطيني لم يبدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول مع هجوم "طوفان الأقصى" الذي لم يُظهّر فقط البطش الإسرائيلي والرفض العميق في الدولة والمجتمع الإسرائيليين لإنهاء احتلال الضفة الغربية والقبول بحل عادل للصراع مع الفلسطينيين، بل سلط الضوء أيضا على قصور القوى الفلسطينية مجتمعة ومنفردة عن الإتيان بأي تصور لمستقبل الشعب الفلسطيني قابل للتحول إلى مشروع وطني تتشكل حوله الإرادة الوطنية الفلسطينية. الإفراط في العنف الإسرائيلي يتأسس في جزء منه، وإلى جانب الأسباب الهيكلية الخاصة بالتغيرات التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي، على اعتقاد إسرائيلي راسخ بأن الفلسطينيين لا يمكنهم أن يشكلوا ضغطا حقيقيا على إسرائيل وأن اللجوء إلى العنف من جانب الفلسطينيين سيصب في نهاية المطاف في القضاء على القضية الفلسطينية وتهميشها.
وبغض النظر عن صحة أو خطأ الاعتقاد المذكور، فإن الفلسطينيين العاديين يبدون متروكين لمصيرهم فيما لا يشكل من يسمون أنفسهم "محور المقاومة" وزنا حقيقيا ومكافئا للثقل الإسرائيلي وتحالفاته الدولية في الغرب والدعم الهائل الذي يحظى به. وليس أمام الفلسطينيين سوى الانتظار مع المنتظرين.
بيد أن كل قارئ للتاريخ يدرك أن الطبيعة لا تحتمل الانتظار والجمود. وأن حالات "الستاتوكو" والصراعات المستدامة منخفضة الحدة التي يقال إن منطقتنا قد دخلتها وستبقى فيها لمدة طويلة، تنطوي في واقع الأمر على نوع من الحركية (الديناميكية) الداخلية التي تعتمل في قلب المجتمعات وتساهم في تغيير مواقف الدول والحكومات والفاعلين غير الدولتيين، تغييرا بطيئا وصعبا لكن لا فرار منه في اتجاه الاستجابة للواقع وضروراته.
لا شيء يضمن أن التغيير هذا سيصب في مصلحة طرف بعينه، وليس ما يشي بأن المستقبل سيكون ورديا بعد هذه المآسي التي لا تكاد تنتهي إلا لتتجدد، في أماكن وبلدان لم تكن على البال، كانفجار الحرب في السودان أو غيره.
والحال أن تدهور المجتمعات العربية في المشرق خصوصا ووصول دولها إلى ما يعرف بوضع "الدولة الفاشلة" وإخفاقها في إنتاج توافقات سياسية عامة تأخذ في الاعتبار سمات التنوع والاختلاف والتعدد التي تميز المنطقة هذه، والتمسك برؤى أيديولوجية جامدة تفتح في كل مرحلة بوابة الحروب الأهلية، من جهة، والصراعات غير المتكافئة ومسدودة الأفق من جهة ثانية، يحكم على شعوبنا ومنطقتنا بالبقاء في حالة انتظار ظاهري، فيما تغلي وتتفاعل عوامل الانفجار تحت السطح.
التفاعلات هذه لا تجد حتى الآن الروافع السياسية التي تعبر عنها وتنقلها من المعاناة واللامبالاة والصمت إلى الحضور السياسي المؤثر والحامل لمعنى ما بشأن المستقبل.