كتاب جديد يحاول تصحيح التصوّرات النمطيّة عن الجرذان

البشر شركاء أساسيون في تكاثرها

Shutterstock
Shutterstock
"HeroRATs" أثناء العمل لإزالة الألغام في سيام ريب، كمبوديا

كتاب جديد يحاول تصحيح التصوّرات النمطيّة عن الجرذان

في جامعة "سوكوين للزراعة" في تنزانيا، الواقعة على بعد نحو مئتي كيلومتر غرب مدينة دار السلام، يوجد نصب تذكاري صغير لماغاوا، الحائز على الميدالية الذهبية PDSA، المعروفة أيضا باسم "صليب جورج للحيوانات"، بسبب "تفانيه في أداء الواجب لإنقاذ الحياة". كان ماغاوا جرذا تستخدمه "جمعية أبوبو الخيرية لإزالة الألغام" في مقرها في تنزانيا، وكان مسؤولا عن شم وكشف أكثر من 100 لغم أرضي في كمبوديا. تعمل فرق الجرذان الأبطال "HeroRATs" التابعة لمنظمة "أبوبو" غير الحكومية حاليا على توسيع نطاق اختصاصها، حيث تكتشف حالات السلفي العينات المرسلة من جميع أنحاء تنزانيا إلى مختبرات "سوكوين". يبدو جليا أن ماغاوا وزملاءه من الجرذان الأفريقية العملاقة قد أربكت نفور البشرية من القوارض. يستخدم الصحافي جو شوت قصة ماغاوا كي يبيّن أن الأشخاص الذين لا يريدون إلا القضاء على الجرذان قد أخطأوا في فهمها. ويأمل من خلال كتابه الجديد، "المتسلل: مآثر الجرذ السيئة السمعة" (الصادر عن دار "بلومزبيري")، في إعادة تعريف العلاقة بين الجرذان والناس عبر القارات والقرون.

يعزف كتاب "المتسلل" Stowaway على وتر السوق المتنامية للكتب التي تستخدم الحيوان كعدسة لاستكشاف "الأنثروبوسين" – وهي الفترة الأحدث من الزمن الجيولوجي، التي وصمها تأثير البشرية على المناخ وعلى النظم البيئية الطبيعية. يمكن لهذه الكتب، مثل كتاب "بيفرلاند" (أرض القندس) Beaverland الذي صدر أخيرا للكاتبة ليلى فيليب، أن يكون لها جوانب مشتركة مع الاتجاه السابق الذي كان سائدا في كتب تاريخ المنتجات(مثل كتاب مارك كورلانسكي "سمك القد: سيرة الأسماك التي غيرت العالم"). فالصيد الذي يمارسه البشر واصطياد الأسماك واستغلال الطبيعة سوف تؤثر على المكان الذي تعيش فيه الحيوانات وعلى أعدادها، لكن هذه الأنشطة البشرية تشكل أيضا ما يعنيه أن تكون إنسانا. يسلط كتابا "سمك القد" و"بيفرلاند" الضوء على فكرة أن الاستغلال الجائر لهذه المجموعات الحيوانية في الإنتاج الصناعي والمنافسة الدولية يعني أن كلا من صيد سمك القد ومحاصرة القندس آخذان في الانخفاض أيضا كصناعات يمكن للأشخاص ذوي المهارات والمعرفة المتخصصة العثور على عمل فيها، مما يؤدي إلى اختفاء أساليب حياة بأكملها أو الحاجة إلى حماية وتدخلات من هيئات حكومية.

فرضيّة صادمة

لكن كتاب "المسافر خلسة" مختلف، على الرغم من احتفاظه ببعض جوانب هذا النوع من الكتب، ومن بينها تلك النغمة الحزينة في بعض الأحيان وعين الصحافي الاستقصائي المتوقدة بحثا عن مفارقة آسرة. يبدأ المؤلف بتقديم فرضية استفزازية صادمة، ألا وهي أن كل شخص لديه حكاية جرذ. على عكس الحيوانات الأكثر غرابة التي شكّلها ولا يزال التاريخ البشري، يشير الكتاب إلى أن الجرذان موجودة في كل مكان (على الرغم من أنها ليست منتشرة بالقدر الذي نميل إلى التفكير فيه، كما يوضح الكتاب). يبدو أن جرذ النروج، أو الجرذ البني، ينوجد في أي مكان يميل البشر إلى الانوجاد فيه. وهذه ركيزة رئيسة في قصة الكتاب. في الواقع، يرى المؤلف أن البشر والجرذان متشابهون للغاية، وأننا ربما نكون "متكافلين" – حيث نجد الكثير من المؤشرات المنتشرة في جميع صفحات الكتاب على أن سلوك الجرذان الأسوأ هو مجرد مرآة للسلوك البشري الأسوأ. ولأننا نرى فيها انعكاسا لأنفسنا، فذلك ربما هو السبب الذي يجعلنا نجدها مقيتة للغاية. لكن الكاتب يرى أننا يجب أن نعيد توجيه نفورنا من الجرذان إلى الأنشطة البشرية التي تجعلها قادرة ومتمكنة.

يأمل الكتاب في إعادة تعريف العلاقة بين الجرذان والناس عبر القارات والقرون

لنأخذ على سبيل المثل الطاعون الأسود، المسؤول عن وفاة ما يقدر بنحو 25 مليون شخص في القرن الرابع عشر. هذا الحدث، الذي يظهر بشكل متكرر في الكتاب، يلقى اللوم فيه تاريخيا على الجرذان المسافرة على متن السفن من الصين والتي تسللت بعد ذلك من ميناء إلى آخر عبر البحر الأبيض المتوسط ​​لتصل إلى جميع أنحاء أوروبا. نحن نعلم اليوم أن من جلب الطاعون لم يكن الجرذان، بل البراغيث التي كانت تحملها. ومع ذلك، فالتكنولوجيا البشرية والتجارة البشرية هي التي جعلت نقل الجرذان والبراغيث أمرا ممكنا. ويلمح الكاتب إلى أن الجرذان تتحمل المسؤولية عن العولمة البشرية والتحضر. كما يشير إلى دراسة أجريت عام 2018، "زعم الباحثون فيها أن السرعة التي ينتشر بها المرض تعني أن البراغيث والقمل التي يحملها الإنسان كانت على الأرجح مسؤولة عن التسبب في ملايين الوفيات".

كما هو الحال مع صيادي سمك القد والقنادس، يسلط الكتاب أيضا الضوء على فن اصطياد الجرذان المندثر. تتبع بعض فصول الكتاب صائدي الجرذان وهم يشرحون علاقاتهم بالحيوانات التي يسعون إلى إبادتها. صائدو الجرذان، والمتحمسون للجرذان ونزواتهم، والعلماء، والمؤلفون المهووسون الذين يكتبون عن الجرذان: تلك المجموعات من الناس هي المستعمرات المتنوعة والغريبة التي يعالجها الكتاب بقدر ما يعالج مستعمرات الجرذان نفسها.

شراكة

لكن الجرذان ليست تلك القنادس اللطيفة والغريبة والمحاصرة حدّ الانقراض. كما أنها ليست سمك القد الذي كان موجودا بكثرة في السابق، وهو حاليا مهدد بالانقراض. الجرذان تتبع سكن الإنسان. يقول الكاتب إن أحد أسباب انتشارها في المدن والمزارع هو أن البشر قضوا في تلك المناطق على أعدائها الطبيعية من الحيوانات المفترسة أو طردوها بعيدا.

توفر الإنسانية حماية غير عادية للجرذان من خلال تحولها إلى المفترس الرئيس نفسه، الأمر الذي يعني أن البشر وحدهم مسؤولون عن انتشار الجرذان والسيطرة عليها. يقول الكاتب إن "الذكاء والقدرة على التكيف والرغبة في العمل لصالحنا" تجعل الجرذ شريكا عظيما، كما يُظهر مثال ماغاوا. ويضيف أن "العقبة الرئيسة" أمام تطوير هذه الشراكة هي "التحيز البشري".

قد يبدو هذا بسيطا ومباشرا بما فيه الكفاية. فالإنسانية لديها بالتأكيد سجل مؤلم طويل في السماح للتحيز بعرقلة التقدم ــ وخصوصا ضد البشر الآخرين. ولدى المؤلف عدد وافر من الأدلة الجاهزة على أن الجرذان لم تكن الحيوان المرعب الباعث للكوابيس الذي واجهه ونستون في رواية جورج أورويل "1984"، كما لم تكن هي من تسبب بالرعب لإنديانا جونز في سراديب الموتى، أسفل مدينة البندقية، مثلما لم تكن هي تلك الحيوانات التي تنفق بشكل مشؤوم في شوارع وهران في رواية "الطاعون" لألبر كامو.

التحيّز البشري

وعلى الرغم من هذه الجهود التي تسعى إلى التكفير عن سوء سمعة الجرذان، فإن المجتمع المحيط بـ "سوكوين" في موروغورو الواقعة في تنزانيا، يقدم ما يكفي من الأدلة لفهم "التحيز البشري" الذي تواجهه الجرذان. ففي حين أنها ربما لم تتسبب بالطاعون الأسود، إلا أنها "مسؤولة عن التسبب في أكثر من 400 مليون إصابة لدى البشر في كل عام تنتشر من خلال العض والبراغيث التي تنقلها والبول وكذلك من خلال أنفاسها". ويشرح الكتاب أن المشكلة "تزداد سوءا" مع نمو المدن. أوضح رجل تنزاني للمؤلف أن زوجته شُخصت إصابتها بالحمى التيفية بسبب الجرذان التي تحفر في المنازل وتعض الأطفال وتسرق طعامهم. أحد العلماء، الذي يصف نفسه بأنه "محب للجرذان"، وعلى الرغم من هذا الوصف، يزعم أننا إذا "أنفقنا على مكافحة القوارض المبالغ نفسها التي أنفقت في مكافحة الملاريا، فإن ذلك سيكون له تأثير أكبر بمئة مرة على حياة الناس".

أحد أسباب انتشار الجرذان في المدن والمزارع هو أن البشر قضوا في تلك المناطق على أعدائها الطبيعية

في إدمونتون، عاصمة ألبرتا، يجد المؤلف التشبيه الأكثر ملاءمة له بالنسبة للإنسان الجرذ. أعلنت ألبرتا الحرب على الجرذان مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. تزايد عدد الجرذان في تلك المقاطعة الزراعية مع وصول السكك الحديد. ظهرت مستعمرات القوارض في عشرينات القرن الماضي عبر سهول ساسكاتشوان المجاورة، التي تعد سلة الخبز في كندا، وبدأت في الانتشار والتقدم نحو ألبرتا بمعدل قُدِّر بـ "25 كيلومترا كل عام"، ومع نمو الزراعة التجارية في ألبرتا، قرر المسؤولون معالجة المشكلة على حدود المقاطعة قبل فوات الأوان. استخدمت التطورات الجديدة في الحرب الكيميائية على الجرذان، بما فيها "الوارفارين" و"الإستركنين" والسموم المضادة للتخثر. انتشرت هذه السموم بين عموم كائنات الحياة البرية، الأمر الذي تسبب في أضرار جانبية طالت ما هو أبعد بكثير من الجرذان البنية المستهدفة. كما تحولت البروباغندا في وسائل الإعلام في زمن الحرب إلى هذا العدو الجديد: "الجرذان قادمة!" "فلنبقها في الخارج!" "الجرذ الوحيد الجيد هو الجرذ الميت". لكن الجرذان ليست الضحية الوحيدة للثقافة الأحادية في المنطقة، كما أنها ليست الضحية الوحيدة للسم. في الأنفاق الواقعة أسفل إدمينتون، وعلى الرغم من أن المدينة خالية من الجرذان، يتعرض السكان للدمار بسبب "الفنتانيل" (المادة المخدرة القوية والقاتلة) الذي ينتقل إلى كندا عبر خطوط التجارة العالمية.

font change

مقالات ذات صلة