قرية الفاو الأثرية من السعودية إلى العالمhttps://www.majalla.com/node/321768/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AB%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
في خطوة بارزة نحو مشاركة المملكة العربية السعودية في التراث العالمي بأهم مخزونها الأثري، أعلنت منظمة يونسكو" إدراج "المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية" ضمن قائمة التراث العالمي. وأُعْلِن هذا الإنجاز خلال الدورة السادسة والأربعين للجنة التراث العالمي في مدينة نيودلهي، خلال الفترة من 22 إلى 31 يوليو/ تموز 2024 ليؤكد هذا التوثيق العمق الحضاري والتراثي الذي تكتنزه المملكة من خبايا تاريخية ومعالم ثرية.
ووفقا لموقع "يونسكو": "تعدّ قرية الفاو في المملكة العربية السعودية من بين المواقع الأثرية ذات الأهمية العالمية، حيث تمتد على مساحة تبلغ 50 كم² وتحيط بها منطقة عازلة تبلغ 275 كم²".
مع ما اكتشف حتى الآن ضمن خبايا تاريخ الجزيرة العربية وكنوزها يبقى اكتشاف حضارة الفاو المليئة بالتراث الثقافي والمشاهد الباقية التي ساهمت في ربط الجزيرة العربية بعدة حضارات تأكيدا لقيمة هذا الموقع الذي انتقل إلى تراث عالمي، مقدما بذلك صورة طبيعية حية لإنسان تلك المرحلة مقرونا بأدلة مادية قادرة بمكوناتها العمرانية على تسجيل حياة كاملة توثق أساليب العيش في الصحراء والبيئات الصعبة ليغدو بذلك ثامن موقع سعودي تسجله قائمة التراث العالمي "يونسكو" بعد موقع الحجر الأثري، وحي الطريف بالدرعية التاريخية، وجدة التاريخية، وموقع الفنون الصخرية في حائل، وواحة الأحساء ومنطقة حمى الثقافية، ومحمية عروق بني معرم في عسير.
موقع استراتيجي
تقع بقايا قرية الفاو الأثرية على بعد 100 كم إلى الجنوب من محافظة وادي الدواسر، وتبعد 700 كم جنوب غرب العاصمة السعودية الرياض. أما القرية القديمة فقد حدد الباحثون موقعها عند فوهة مجرى قناة مع جبال طويق اسمها الفاو، وبه عرفت واشتهرت، وتطل على الحدود الشمالية الغربية لصحراء الربع الخالي.
يقدم الموقع صورة طبيعية حية لإنسان تلك المرحلة مقرونا بأدلة مادية قادرة بمكوناتها العمرانية على تسجيل حياة كاملة توثق أساليب العيش في الصحراء
ووفقا للمعلومات التي قدمها الباحثون التابعون لجامعة الملك سعود، بدأ اكتشاف موقع الفاو في أوائل أربعينات القرن الماضي واستمرت الحفريات تحت إشراف عدد من العلماء والأكاديميين، مما ساهم في توسيع تاريخ هذه القرية الأثرية المهمة في التاريخ الإنساني.
ويؤكد موقع دارة الملك عبد العزيز أن شهرة قرية الفاو ترجع إلى كونها "تقع على طريق نجران-الجرهاء الرابط بين جنوب شبه الجزيرة العربية وشمالها الشرقي، لذا كانت محطة تجارية لاستراحة القوافل التي تنطلق من مملكة سبأ ومعين وقتبان وحضرموت وحمير متجهة إلى نجران، ومنها إلى الفاو فالأفلاج واليمامة، ثم تتجه شرقا إلى الخليج، أو شمالا إلى وادي الرافدين وبلاد الشام.".
ويؤكد الباحث علي بن سعيد الزهراني في بحثه "المشهد الطبيعي الأثري في قرية الفاو" أن الحفريات في موقع الفاو "أظهرت أنه كان مركزا تجاريا وحضريا مهما في الجزيرة العربية منذ خمسة قرون قبل الميلاد، حيث كانت الفاو عاصمة لمملكة كندة ومركزا للتبادل التجاري بين مختلف الممالك في المنطقة".
تاريخ الفاو
ينسب فضل إعادة اكتشاف الفاو إلى عالم الآثار والمؤرخ السعودي الراحل عبد الرحمن الأنصاري، فهو المسؤول عن أعمال التنقيب عن عوالم هذه القرية المطمورة، التي استمر التنقيب والبحث عنها قرابة أربعين عاما. وقد وثق في كتابه "قرية الفاو: صورة للحضارة العربية قبل الإسلام في المملكة العربية السعودية" الكثير من الصور والمعلومات عنها، والعديد من جوانبها الثقافية كالسوق، والمعابد، والمقابر وغيرها. ونشر مع فريقه نتائج بحثهم وتنقيبهم في سبعة مجلدات حوت كل ما توصلوا إليه من الأعمال الأثرية.
ووفقا للأنصاري فإن منطقة الفاو كانت "تتمتع بعلاقات مميزة مع عددٍ من الممالك الجنوبية منها: سبأ ومعين وقطبان وحضرموت وحمير. وقد ساهمت هذه العلاقات في تطوير الفاو كمركز ديني رئيسي في وسط الجزيرة العربية".
وبحسب سلسلة المجلدات التوثيقية لحضارة الفاو التي أصدرتها الإدارة العامة للبحوث والدراسات الأثرية بقطاع التراث الوطني بالتعاون مع كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، فإن قرية الفاو "تزخر بوجود كم وافر من الآثار والتحف والأبراج والميادين والأسواق التجارية، وعرف أهلها الزراعة حيث عثر في القرية على عدد كبير من آبار المياه الواسعة والضخمة بلغت 17 بئرا، كما أنها تقع على واد يفيض بين مدة وأخرى، ولهذا شقوا القنوات وزرعوا النخيل والكروم والحبوب، كما سقفوا منازلهم بجذوع الأشجار والنخيل، واستوردوا الأخشاب المحلية لصنع أبوابهم ونوافذهم".
وتؤكد المعلومات الواردة في سلسلة المجلدات "أن الحفريات وجدت سوقا تجاريا مركزيا مكونا من ثلاثة طوابق تحيط به سبعة أبراج للتخزين، وأنه بني باستخدام كتل من الحجر الجيري والطوب".
كما أظهرت مراحل التنقيب عددا من زجاجات العطور المكتشفة والمصنوعة بأشكال جميلة مؤكدة بذلك ثراء هذه الحضارة وتطورها.
مقابر قرية الفاو
وفي السلسلة التوثيقية نفسها، وبالتحديد في مجلد المقابر، نقرأ أن مقابر قرية الفاو "تميزت بثلاثة أنواع رئيسية من المقابر التي تقع على الطرف الغربي منها. هي المقابر العائلية الجماعية التي خصصت للأسر والأفراد ذوي المكانة السياسية والاجتماعية البارزة في المدينة وتميزت هذه المقابر بعمق يصل إلى خمسة أمتار كما تحتوي على أبواب في الجهات الأربع تقود إلى أقبية منحوتة بشكل دائري. تليها مقابر النبلاء التي تتألف من غرفتين شرقية وغربية، مفصولتين بمهبط يسهل النزول إلى المقبرة، وتحتوي هذه المقابر كذلك على نقر مراقي لتسهيل التنقل. وثالثها مقابر لعامة الناس وتقع شمال شرقي المدينة ولها مهبط يبلغ عمقه بين متر وخمسة أمتار وينتهي بلحد مقفل أشبه ما يكون بقبور المسلمين اليوم".
أظهرت الحفريات أن الموقع كان مركزا تجاريا وحضريا مهما في الجزيرة العربية منذ خمسة قرون قبل الميلاد
استطاع سكّان كِندة الإسهام في بناء أعظم الحضارات بزمنهم حيث بنوا قصورهم بأجمل الطراز، وأقاموا معابدهم من الحجارة التي نحتوها بإبداع لا يزال شاهدا في الفاو على إتقانهم العجيب حتى اليوم. بل وتميزوا في ملبوساتهم، وصناعة آنيتهم وتنويع زينتهم. ورفع حصونهم الآمنة وأبراجهم العالية واستخدام الأسلحة التقليدية لخوض الحروب. لقد عاشوا حياة مليئة بثقافتهم الخاصة التي احتفظت بها نقوشاتهم وحفرياتهم الدالة على الرفاهية التي نعموا بها.
جهود المملكة في الحفاظ على التراث
كما أسلفنا، انطلقت الجهود نحو موقع الفاو منذ أربعينات القرن الماضي وذلك بعدما زاره فريق من موظفي "أرامكو" السعودية في رحلة التنقيب عن النفط والذين بدورهم قدموا عنه تقريرا مهما لتتوالى بعده زيارات لعلماء آثار من خارج المملكة قدموا حينها نتائج ما توصلوا إليه لتزداد بعدها فرق التنقيب، ليظل أبرزها فريق جامعة الملك سعود الذي رأسه أستاذ الآثار بالجامعة الدكتور عبد الرحمن الأنصاري منذ 1970 – 2003.
وقامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في بداية اكتشاف الموقع بتسجيله في قائمة التراث العالمي. إضافة إلى أنها وقعت في عام 2013 مذكرة تعاون مع جامعة الملك سعود لتوسعة الموقع، لتصل مساحته إلى نحو 16 كم، والعمل على تطويره وتأهيله بالكامل ليغدو مزارا تاريخيا ومعلما سياحيا.
وفي 27 يوليو/ تموز 2022 أعلنت هيئة التراث السعودية نجاح فريق علمي سعودي وخبراء دوليين في التوصل إلى اكتشاف جديد يتمثل في الوصول إلى معبد بني من الحجارة عثر في داخله على دلالات لوجود موضع خاص بتقديم القرابين، إضافة إلى نقوش مملوءة بتعاليم تعبدية منظمة لسكان قرية الفاو الأثرية.
ومن أبرز جهود هيئة التراث أيضا عرضها لعدد من الآثار التي عُثر عليها بمواقع متفرقة من الفاو في معرض "روائع الآثار السعودية عبر العصور" في الولايات المتحدة الأميركية.
شخصيات الفاو البارزة
وهب ذو سماوي: عُرفت هذه الشخصية من خلال نقش بخط المسند الجنوبي عُثر عليه أثناء الحفريات. ووفق النقش المحفوظ حاليا في متحف كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود بالرياض، فإن اسمه "وهب ذو سماوي ذبيان بن أبيثع" وهو ملك عربي (من أصل نجراني) كان يحكم تحالفا قبليا ضم ثلاث قبائل هي: ذاكر، وأمير، ومهأمر، في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد في نجران والفاو".
يضم الموقع معبدا بني من الحجارة عثر في داخله على دلالات لوجود موضع خاص بتقديم القرابين
ربيعة آل ثور: هو ربيعة بن معاوية آل ثور، ملك "كِندة وقحطان" في فترة حكم الملك السبئي شاعر أوتر في القرن الثالث الميلادي. وقد ورد ذكر هذه الشخصية بشكل موسع في كتاب "تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة" للمؤرخ المصري الدكتور عبد العزيز صالح حيث قال "إن الرحالة بليني قد ذكر في أوائل القرن الأول الميلادي منطقة آل ثور هذه مع ملاحظة أن المؤرخين المسلمين قد ردوا نسب ملوك كندة إلى ثور فعلا واعتبروه رجلا، وقد يكون معبودا قديما عبدوه".
امرؤ القيس: امرؤ القيس بن حُجر بن الحارث، ولد في نجد في قبيلة كندة، ونشأ مترفا. كان أبوه حجر ملكا على بني أسد وغطفان، وأمه هي فاطمة بنت ربيعة التغلبية، أخت الملك كليب، شقيق عدي الملقب باسم الزير أبو ليلى المهلهل. وقد توسع الأديب والناقد الفلسطيني عز الدين المناصرة في كتابه "امرؤ القيس الكندي: شاعر العربية الأول" في سيرة امرئ القيس وحياته ونسبه وشعره.