جولة الردود المتبادلة بين إيران وإسرائيل مختلفة هذه المرة عن الجولة السابقة في أبريل/نيسان الماضي، وإن كانت الجولتان لا تخلوان من أوجه شبه وتحديدا لجهة رغبة إيران، أكثر من إسرائيل، في التزام سقف محدد من التصعيد لا يؤدي إلى إنجرارها إلى الحرب الشاملة التي لا ترغب فيها وتحاول إبعاد أشباحها عنها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
في الواقع إن ما يجب أخذه في الاعتبار بالدرجة الأولى عند قراءة المشهد الحالي هو الاستنفار الأميركي للدفاع عن إسرائيل والذي عبر عنه بداية وزير الدفاع لويد أوستن ثمّ الرئيس جو بايدن خلال مكالمته الهاتفية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والتي لم تخلُ من "التوتر" وفق التسريبات. وسرعان ما وجد هذا الاستعداد الأميركي للوقوف إلى جانب إسرائيل ترجماته الفعلية، من خلال إرسال واشنطن تعزيزات عسكرية هجومية ودفاعية، ومن دون طلب أميركي، إلى المنطقة بغية بناء منظومة تتصدى لأي هجوم من جانب إيران ووكلائها، وقبل ذلك من أجل ردع إيران عن الذهاب بعيدا في ردها ورسم سقوف له لا تكرس تجاوز الخطوط الأميركية في المنطقة.
عند هذه النقطة تحديدا يكمن وجه الشبه بين جولة الردود الإسرائيلية الإيرانية السابقة والجولة الحالية المرتقبة، إن لناحية تأكيد أميركا التزامها الدفاع عن أمن إسرائيل أو لناحية "انضباط" إيران في ردها على إسرائيل تحت عتبة الحرب الواسعة. ولا ريب أن بين الأمرين تداخل وثيق باعتبار أن "انضباط" إيران مرتبط بالردع الأميركي لها قبل أي شيء آخر. إذ تخشى إيران أن يؤدي أي رد لها تعتبره أميركا تجاوزا لقواعد اللعبة الحالية إلى دخول طهران في مواجهة مباشرة مع واشنطن وهو آخر ما ترغب فيه.
وليس قليل الدلالة في هذا السياق انقسام الآراء داخل إيران بخصوص كيفية التعامل مع الأزمة الحالية، بين الجناح الراديكالي المتمثل أساسا بـ"الحرس الثوري" والذي يقارب الرد من الناحية العسكرية والأمنية أولا وبين الجناج الذي يعبّر عنه الرئيس الجديد بزشكيان وفريقه والذي يعتبر أن المصلحة الإيرانية تقتضي راهنا التطلع إلى أزمات الداخل ومعالجتها على قاعدة أن بناء قوة الخارجية للنظام لا تستوي مع ضعفه الداخلي. لكن بطبيعة الحال فإن اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية في قلب طهران هو ضربة موجعة جدا لإيران لا يمكنها التغاضي عنها. فالنظر إلى ظروف اغتيال هنية يدفع إلى الاستنتاج بأن اغتياله موجّه ضد إيران أكثر منه ضد "حماس" التي ستكون قادرة على استبداله حكما، خصوصا أن هدف إسرائيل الأول هو اغتيال رئيس "حماس" في غزة يحيى السنوار وليس هنية، وهو ما يجعل اغتيال الأخير "صورة نصر" ناقصة باعتبار أن إسرائيل تسعى منذ وقت طويل إلى اغتيال السنوار للحصول على "صورة نصر"، ولاسيما بعد اغتيال قائد "كتائب القسام" محمد الضيف.