الدخول إلى الضاحية الجنوبية لبيروت هذه الأيام، مغامرة محفوفة بالتوتر. ينبهني صديقي الذي تبرع بمرافقتي، لمعاينة الأجواء العامة وأحوال الناس، بعد الاغتيال الذي استهدف المسؤول العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر في حارة حريك.
الأحاديث عن احتمالات نشوب حرب مدمرة في المنطقة، بين إسرائيل ورعاتها من جهة، وإيران وأذرعها العسكرية من الجهة الأخرى، عقب الاغتيال الأول في عاصمة "حزب الله"، والاغتيال الثاني الذي استهدف رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في العاصمة الإيرانية طهران إسماعيل هنية، تتفوق على هموم الناس ومشاغلهم، والضاحية كلها تردد السؤال ذاته: أي ساعة تبدأ الحرب؟
منطقة حارة حريك التي تعتبر في قلب الضاحية الجنوبية لم تكن كعادتها مزدحمة بالناس والسيارات، المبنى المستهدف معزول عن محيطه بطوق من الحراسة الحزبية، وقد تحول بسرعة إلى معلم سياحي أو "جهادي" بلغة أهل "المقاومة"، لكثرة الزوار والقاصدين والمارة الذين يتوقفون عنده بداعي إظهار الدعم والولاء أو الفضول أحيانا.
قائمة الصحافيين الذين يحق لهم التصوير أو نقل الوقائع، مختصرة جدا، "العيون" تنتشر في كل مكان لمراقبة أي غريب يتسلل، اقتفاء لمعلومة صحافية أو حديث مع الناس، والتوتر يتسيد المكان، ويظهر على الوجوه وحركة الأجساد وردود الفعل، حتى لو كان السؤال من أين الطريق؟
لذلك، لا يمكن إجراء مقابلة مع أحد، ولا التوسع في التحري أو المعاينة، ولولا وجود أشخاص موضع ثقة، يمكن الوصول إليهم، والحديث معهم، لكانت المهمة مستحيلة بالكامل.
لا يخفى على أحد أن الضاحية تعيش أيامها الحالية بانتظار الحرب، وهذا أصعب من الحرب نفسها، يقول أحد السكان (دائما دون ذكر الأسماء) إن "من تبقى من الناس في الضاحية يعيشون حربا نفسية مدمرة، فانتظار نشوب الحرب، يقيد الحياة والحركة ويقضي على الأعصاب".
منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول، ينتظر سكان الضاحية حربا تهب عليهم من جهة ما، لكن احتمالاتها ارتفعت كثيرا بعد عملية الاغتيال الأخيرة، وصارت جدية بعدما كانت مجرد توقعات على هامش الحرب على الحدود الجنوبية، ورغم أنهم على ثقة بأن "حزب الله" يملك قوة ردع تجعل إسرائيل تحسب حسابها ألف مرة، قبل أن تتهور باستفزازه، لكنهم في الوقت نفسه، يعترفون بأن إسرائيل تتغلب على كل دول "المحور" بقوتها الجوية، والحرب على الضاحية ستبدأ من السماء، فضلا عن أنها مكتظة بالسكان، وهذا معناه أن ضربة قاسية ما، ستوقع عددا كبيرا من الأرواح، وستكون خسائرها باهظة جدا.