الأسد أبلغني أن الخرائط تثبت أن مزارع شبعا سورية... وتفهم إيران و"حزب الله" للسلام

فريد هوف الوسيط الأميركي بين الأسد ونتنياهو يكشف تفاصيل مسودة آخر اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل في 2010

إدواردو رامون/المجلة
إدواردو رامون/المجلة

الأسد أبلغني أن الخرائط تثبت أن مزارع شبعا سورية... وتفهم إيران و"حزب الله" للسلام

في يوم السبت 27 يوليو/تموز 2024، وفي حدود الساعة 18:20، انطلق صاروخ إيراني الصنع برأس حربي يزن 53 كيلوغراما من محيط مزارع شبعا، وهي بلدة لبنانية يبلغ عدد سكانها نحو 25 ألف نسمة. وما إن قطع مسافة عشرة كيلومترات فقط، حتى سقط في ملعب كرة قدم في بلدة مجدل شمس بمنطقة الجولان، قبل أن يتمكن الكثير من الشباب الواقفين على حافة الملعب من الاستجابة لصافرات الإنذار التي تحذر من وقوع هجوم، فلقي اثنا عشر شخصا، بينهم أطفال، مصرعهم، ولم يكن بينهم على ما يبدو مواطنون إسرائيليون.

وسارع "حزب الله" بسرعة إلى نفي أي تورط له في الحادث الدموي، على الرغم من ادعائه أنه كان يقصف مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا في الوقت نفسه تقريبا الذي ضربت فيه مجدل شمس القريبة. ولا يملك أي طرف آخر صاروخا إيراني الصنع من هذا الطراز. ولعل التفسير الأكثر ترجيحا هو أن أحد هذه الصواريخ أخطأ هدفه المقصود ببساطة، دون أن يعترف "حزب الله" بالخطأ، ودون أن يقدم– بالطبع- أي اعتذار.

بعد ما يقرب من ربع قرن من دخول عبارة مزارع شبعا إلى قاموس الصراع العربي- الإسرائيلي، لا تزال هذه المراعي التي تعصف بها الرياح (بمساحة 25 كيلومترا مربعا تقريبا) على سفوح جبل الشيخ نقطة استقطاب للعنف لتبرير استمرار وجود ميليشيا لبنانية مسلحة تسليحا ثقيلا وتمثل مصالح إيران أكثر من مصالح لبنان. وعندما سعيت شخصيا بين عامي 2009 و2011 للتوسط في السلام بين سوريا وإسرائيل، كان هذا الموضوع أساسيا خلال محادثة حاسمة أجريتها مع الرئيس السوري بشار الأسد. وإلى يومنا هذا، ما زلت أكاد لا أصدق ما قاله الأسد لي. واليوم حين أفكر فيما قاله، يبدو لي مقتل 12 شخصا في مجدل شمس أمرا مشينا أكثر.

غيتي
المشيعون الدروز في جنازة 12 طفلًا ومراهقًا قُتلوا في قصف صاروخي لملعب لكرة القدم في مجدل شمس، مرتفعات الجولان

منذ اللحظة التي شنت فيها إسرائيل عمليات عسكرية في قطاع غزة في أعقاب هجمات "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان "حزب الله" يتبادل إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية بانتظام، بما يتفق ورغبات إيران. وبحسب ما ورد، وعدت إيران "حماس" بأنها ستدعم توجيه ضربة كبرى على إسرائيل بحماس واستدامة. وجاء هذا الدعم بداية على شكل مضايقات مسلحة من جانب "حزب الله" موجهة إلى شمال إسرائيل والجولان المحتلة، وخاصة منطقة مزارع شبعا، ذلك أن إيران و"حزب الله" كليهما لا يريدان حربا شاملة مع إسرائيل. صحيح أن صواريخ "حزب الله" وقذائفه قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل وأن مقاتلي "حزب الله" سيبلون بلاء حسنا في القتال، إلا أن حربا شاملة ستدمر، على الأرجح، أو تضعف بشكل خطير قوة الردع الإيراني على خط المواجهة في لبنان ضد أي هجوم إسرائيلي كبير على إيران. والواقع أن الدفاع عن إيران (الوعد بشن هجوم انتقامي ضخم على إسرائيل من لبنان إذا شنت إسرائيل عملية هجومية كبيرة ضد إيران) هو المهمة العسكرية الرئيسة لـ"حزب الله".

وعلى هذا يسعى كل من إيران و"حزب الله" إلى إيجاد توازن دقيق بين بذْل ما يكفي من الجهد العسكري لإظهار التضامن مع "حماس" وتجنب الانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل. والواقع أن قيادة "الحزب" لا تشرح لأنصار "الحزب" ومقاتليه– ناهيك عن اللبنانيين الآخرين– الدور الحيوي الذي يلعبه "الحزب" في الدفاع الاستراتيجي عن إيران. فبالنسبة لأنصاره، يمثل "حزب الله" الحركة التي مكنت طائفة المسلمين الشيعة، التي كثيرا ما جرى تهميشها وتجاهلها واستغلالها سواء في دولة لبنان الحالية أو أيام السيطرة العثمانية.

"الخط الأزرق" والمهمة الحقيقية

بالنسبة للبنانيين عموما، يمثل "حزب الله" نفسه "المقاومة اللبنانية"، التي أجبرت إسرائيل على إخلاء جنوب لبنان في مايو/أيار 2000 بعد نحو ثمانية عشر عاما من القتال ضدها. ولقد أدى قبول الطبقة السياسية اللبنانية المستمر لوضع "حزب الله" كـ"مقاومة لبنانية" بعد الانسحاب الإسرائيلي إلى دعم رفض المنظمة نزع سلاحها وفقا لقرارات الأمم المتحدة. ولقد حصل "حزب الله" على الغطاء السياسي اللبناني الذي مكنه من التركيز على مهمته الرئيسة- وإن لم تكن معلنة- في الدفاع عن إيران.

ولكن ما الذي تقاومه "المقاومة اللبنانية" على وجه التحديد؟ يقدم "حزب الله" وحلفاؤه، من لبنانيين وغيرهم، إجابة كاذبة، ولكنها واضحة: الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. ويزعم البعض أن هذا الاحتلال استمر بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في مايو/أيار 2000 وبعد رسم "الخط الأزرق" الذي أكدت فيه الأمم المتحدة انسحاب إسرائيل. ولقد أدى انسحاب إسرائيل ومصادقة الأمم المتحدة على اكتمال هذا الخط إلى وضع "حزب الله" في معضلة: كيف يبرر بقاءه قوة مسلحة إذا كانت مهمة المقاومة قد أنجزت؟

وقد بادر ضابط في مديرية الاستخبارات في القوات المسلحة اللبنانية لمساعدة "حزب الله" فقدم له المبرر الذي يحتاجه. وكان ذلك الاكتشاف هو الخطوة الأولى التي انتهت إلى الأحداث المروعة في مجدل شمس يوم 27 يوليو 2024.

غيتي
آثار الهجوم الصاروخي على ملعب لكرة القدم في مجدل شمس

عندما سيطرت فرنسا على لبنان وسوريا بين الحربين العالميتين، لم تكن صارمة ولا متسقة في ترسيم الحدود بين الدولتين، وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة. وعلى الحافة الشمالية لمرتفعات الجولان، تركت فرنسا درجة من الغموض فيما يتعلق بالحدود بين سوريا ولبنان. وتفاقم هذا الارتباك بسبب حقيقة أن بعض سكان بلدة شبعا اللبنانية كانوا بلا شك يمتلكون مراعي على المرتفعات الواقعة جنوب البلدة، وهي المناطق التي يشار إليها محليا باسم "مزارع شبعا".

وقد حكمت سوريا المستقلة هذه المنطقة كجزء من مرتفعات الجولان، وهي حقيقة تدعمها الخرائط العسكرية السورية واللبنانية. ولم يبد لبنان المستقل أي اعتراض حقيقي على السيادة السورية على المزارع المعنية، بل طالب فقط بإجراء محادثات ثنائية تهدف إلى توضيح الحدود، وهي المناقشات التي قد تؤدي (من وجهة النظر اللبنانية) إلى دمج المزارع في لبنان.

وقبل حرب يونيو/حزيران 1967، دارت مناقشات عرضية بين لبنان وسوريا بشأن مزارع شبعا، ولكن لم يتم إجراء أي تغييرات، فقد ظلت المزارع ضمن الأراضي السورية. وبدا أن الخرائط على الأوراق النقدية اللبنانية تشير إلى اعتراف بيروت بالسيادة السورية. وعلاوة على ذلك، عندما استولت إسرائيل على مرتفعات الجولان، بما في ذلك مزارع شبعا، من سوريا في يونيو 1967، لم تزعم بيروت أنها استولت على أراضٍ لبنانية. في الواقع، لم يتم تقديم أي ادعاء من هذا القبيل على مدى السنوات الثلاث والثلاثين التالية. ولطالما اعتبرت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أندوف)، التي كانت تقوم بدوريات في مرتفعات الجولان منذ اتفاق فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974، مزارع شبعا جزءا من تفويضها لحفظ السلام بين إسرائيل وسوريا، بما يتفق مع خرائط وقف إطلاق النار لعام 1974.

الشرع إلى عنان: شبعا لبنانية

عندما تم إنشاء الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل في يونيو 2000، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية انسحبت بالكامل من لبنان وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 425. وقتها، أثارت الحكومة اللبنانية بعض الاعتراضات حول أجزاء من الخط الذي يفصل لبنان عن إسرائيل، مدعية (وعلها كانت على حق) أن الخط الأزرق في بعض المناطق لا يتطابق تماما مع خط الهدنة بين لبنان وإسرائيل لعام 1949. ومع ذلك، كانت هذه التناقضات طفيفة فيما يتعلق بالأراضي المتنازع عليها. ولكن ادعاء "حزب الله"، الذي دعمته الحكومة اللبنانية، بأن جزءا من مرتفعات الجولان السورية المحتلة من قبل إسرائيل هو لبناني هو الذي مهد الطريق لاستمرار الصراع المسلح، على الرغم من انسحاب إسرائيل من لبنان في مايو 2000.

وفي عام 2000، لم تكن إيران هي اللاعب الرئيس وراء الكواليس، بل كانت سوريا، هي من يلعب ذلك الدور. وكانت دمشق تأمل في تسهيل انسحاب إسرائيل من لبنان مقابل اتفاق يعيد مرتفعات الجولان وأجزاء من وادي نهر الأردن إلى السيطرة السورية. ولكن عندما اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك الانسحاب من لبنان من جانب واحد، خلصت سوريا إلى أن وجود "حزب الله" المسلح سيتحول من نقطة قوة إلى نقطة ضعف، تفيد إسرائيل أكثر من سوريا.

وعندما انحازت حكومة لبنان إلى مزاعم "حزب الله" بشأن مزارع شبعا، اختارت دمشق دعمها بشكل غير رسمي. وفي السادس عشر من مايو 2000، اتصل وزير الخارجية السوري فاروق الشرع بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، مؤكدا أن مزارع شبعا لبنانية. وأشار عنان إلى أن لبنان وسوريا لم يقدما أي دليل يثبت نقل الأراضي، وأن لبنان لم يحدد قط مزارع شبعا كمكان ينبغي أن تعمل فيه قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لمدة 22 عاما. وباختصار، كان هذا الادعاء احتيالا سافرا.

أدى قبول الطبقة السياسية اللبنانية المستمر لوضع "حزب الله" كـ"مقاومة لبنانية" بعد الانسحاب الإسرائيلي، إلى دعم رفض المنظمة نزع سلاحها وفقا لقرارات الأمم المتحدة

في عام 2009، أصبحتُ الوسيط الأميركي للسلام بين سوريا وإسرائيل في وزارة الخارجية الأميركية. واكتسبت وساطتي زخما سريعا في خريف عام 2010 عندما قبل الزعيمان- الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- اقتراحي بصياغة معاهدة سلام كأساس للدبلوماسية المكوكية وفي نهاية المطاف كأساس المفاوضات المباشرة الرامية إلى التوصل لاتفاق على وثيقة نهائية موقعة.

 

وساطتي بين الأسد ونتنياهو

وفي غضون أسابيع قليلة، تم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن كل النقاط تقريبا المتعلقة بمدى الانسحاب الإسرائيلي المتوقع من الأراضي المحتلة، والذي كان من المقرر أن يحدث مقابل السلام الكامل وإعادة التوجيه الاستراتيجي لسوريا. ولكن، في موازاة ذلك، كان لا بد من إيجاد حل لبعض التعقيدات الإقليمية المحتملة، وخاصة وضع مزارع شبعا. فهل هي جزء من مرتفعات الجولان المحتلة التي يتعين إعادتها إلى سوريا؟ أم إنها جزء محتل من لبنان، وربما لا يتأثر بالسلام بين سوريا وإسرائيل؟ كنت أعرف بالفعل أن المزارع جزء من الجولان. ولكن في سياق وساطتي، كان موقف سوريا في هذا الشأن بالغ الأهمية.

ولقد طرحت هذا السؤال على الرئيس بشار الأسد في الثامن والعشرين من فبراير/شباط 2011 خلال لقاء ثنائي استمر لمدة خمسين دقيقة في قصر تشرين بسفوح جبل قاسيون في دمشق. وكان ثمة غرضان من هذا الاجتماع: الأول هو إبلاغ الأسد بالمدى الذي يتعين على سوريا أن تصل إليه في تعديل علاقاتها مع إيران و"حزب الله" و"حماس" حتى تتمكن إسرائيل من بدء واستكمال انسحابها الكامل من الأراضي السورية المحتلة، والثاني هو تلقي رد الأسد على هذه المتطلبات. وقد قُدِّمت إلى الرئيس وثيقة مفصلة مع حواشٍ توضيحية، تحدد بلغة واضحة التعديلات التي يتعين على سوريا إجراؤها قبل أن يتسنى لأي انسحاب إسرائيلي أن يبدأ. ثم راجعنا الوثيقة سطرا بسطر.

عندما تم إنشاء الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل في يونيو 2000، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية انسحبت بالكامل من لبنان وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 425

ولم تبدُ على الأسد أي ردة فعل انفعالية عندما عُرِض عليه طلب إنهاء علاقات سوريا العسكرية مع إيران و"حزب الله" في مقابل استعادة الأراضي المحتلة، بل أقر بأن توقيع معاهدة مع إسرائيل تضمن مصلحة عليا لسوريا متمثلة في استعادة كل الأراضي المحتلة، لن يكون ثمة معنى في أن يقوم بأي شيء يهدد الدولة اليهودية. ولقد أعرب الأسد عن ثقته في أن إيران سوف تستوعب المصالح السورية وأن "حزب الله" سوف يركز على التحول إلى حزب سياسي حقيقي في لبنان.

وكما ذكرت في كتابي "الوصول إلى المرتفعات" (معهد السلام الأميركي-2022)، فقد طرحت سؤالا على الرئيس بشأن رؤيته لفك ارتباط "حزب الله" بمحور المقاومة. وعلى وجه التحديد، سألت عما إذا كان هذا الحال يستلزم نقل سوريا مزارع شبعا إلى لبنان بمجرد إخلاء إسرائيل لقطاع مرتفعات الجولان.

غلاف كتاب "الوصول إلى المرتفعات" (معهد السلام الأميركي-2022)

والجدير بالذكر أن الوثيقة المقدمة إلى الأسد أشارت إلى لبنان عدة مرات في حواشيها، وهو ما وجده الأسد غير مقبول إلى حد ما. ونظرا لاعتراف سوريا الشفوي بمطالبة لبنان بالمنطقة في عام 2000، فقد كنت أشعر بالقلق إزاء التعقيدات المحتملة التي قد يفرضها هذا الشريط الضيق من الأرض على الانسحاب الإسرائيلي. ومع ذلك، كان رد الأسد لا لبس فيه. فقد رفض على الفور المطالبة بمزارع شبعا، قائلا إن الخرائط تشير بوضوح إلى أن منطقة مزارع شبعا تابعة لسوريا. وفي حين ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية إجراء تعديلات مستقبلية مع لبنان، أكد أن الأرض المعنية سورية بلا شك.

لم تبدُ على الأسد أي ردة فعل انفعالية عندما عُرِض عليه طلب إنهاء علاقات سوريا العسكرية مع إيران و"حزب الله" في مقابل استعادة الأراضي المحتلة

وافقتُ تماما على تقييم الأسد، ولكنني ما زلت مندهشا كيف أقر رئيس سوريا بأن ادعاء لبنان بالسيادة على مزارع شبعا– وهو المبرر الأساسي لوضع "حزب الله" كـ"مقاومة لبنانية"– لا أساس له من الصحة. ومع أن لبنان حر في اتخاذ أي موقف يشاء فيما يتصل بالغموض الإقليمي الموروث من فرنسا، فإن بيان الأسد كان متوافقا مع الحقيقة: فقد كانت المنطقة خاضعة لحكم سوريا المستقلة واحتلتها إسرائيل، جنبا إلى جنب مع بقية مرتفعات الجولان، منذ عام 1967. ولم يحدث أي نقل للأراضي من سوريا إلى لبنان، وعلى الرغم من التكتيكات الهاتفية غير الرسمية التي انتهجتها سوريا في عام 2000 للحفاظ على "المقاومة اللبنانية"، فإن الأرض المعنية ظلت أرضا سورية تحتلها إسرائيل.

AFP
بيل كلينتون، مع مادلين أولبرايت ومستشار الأمن القومي ساندي بيرغر في اجتماع مع إيهود باراك وفاروق الشرع في واشنطن في 7 كانون الثاني 2000

بعد ثلاثة عشر عاما من تلك المحادثة، فقد اثنا عشر شابا عربيا، من المفترض أنهم جميعا من مواطني سوريا، حياتهم بسبب مطالبة إقليمية احتيالية تم اختلاقها في عام 2000، وهو ادعاء رفضه الأسد نفسه أمامي. ففي عام 2000، سعت سوريا إلى الحفاظ على قدرة "حزب الله" على مضايقة إسرائيل عسكريا، وبالتالي أيدت لفظيا خرافة مزارع شبعا. ولكن وفقا للأسد، كانت تلك الأرض سورية. وفي حين ينتظر العالم وقف إطلاق النار في غزة للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية وإنهاء الجولة الحالية من الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل، تهدف الدبلوماسية الأميركية (من بين أمور أخرى) إلى التفاوض على تعديلات الخط الأزرق، على أمل أن تكون هذه الجولة هي الأخيرة.

ويبدو أن التعديلات المقترحة تركز على قسم الخط الأزرق الذي يفصل لبنان عن إسرائيل، تهدف إلى مواءمة هذا الخط بشكل أوثق مع خط الهدنة لعام 1949. وينبغي أن يكون إنجاز هذه التعديلات بسيطا نسبيا. ولكن بالإضافة إلى ذلك هناك قضية أخرى تتعلق بقرية الغجر، حيث يقسم الخط الأزرق قرية تحتلها إسرائيل وتوسعت شمالا داخل لبنان بمرور الوقت. ووفقا للتقارير، يرغب سكان قرية الغجر في البقاء تحت الحكم الإسرائيلي. ومع ذلك، يمكن لهذه المشكلة أن تجد حلا من خلال نوع من الحكم الذاتي المحلي، إلى جانب وجود قوات الأمن اللبنانية وأفراد عسكريين من الأمم المتحدة في الجزء الشمالي من البلدة، مما يمكن البلدة من البقاء غير مقسمة.

مزارع شبعا جزء من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ولا يحق لأي ميليشيا لبنانية إطلاق الصواريخ وقتل الناس، عمدا أو عن طريق الخطأ، في الجولان

لا ريب في أن معالجة الانحرافات في "الخط الأزرق" من خلال الجهود الدبلوماسية خطوة إيجابية. ولكن مزارع شبعا تشكل المفتاح لتحقيق السلام الرسمي والواقعي بين إسرائيل ولبنان. إن ادعاء "حزب الله" بحقه في "المقاومة اللبنانية" ينبع من الجدل الدائر حول مزارع شبعا، وليس من التناقضات الطفيفة في "الخط الأزرق". وحتى لو حلت هذه القضايا الأصغر على نحو يرضي لبنان، فإن "حزب الله" سوف يستمر في استخدام المقاومة المسلحة للهيمنة على لبنان لصالح إيران ما لم تتم معالجة قضية مزارع شبعا.

 

مفتاح الحل بين إسرائيل ولبنان

ومن الممكن أن تعرض الحكومة الإسرائيلية إخلاء مزارع شبعا في مقابل نزع سلاح "حزب الله" بشكل مؤكد والتطبيع الكامل مع لبنان. وإذا حدث هذا، فهل يمكن أن يقبل "حزب الله" بذلك، فيعلن النصر ويقبل بنزع سلاحه والتحول إلى كيان سياسي لبناني حقيقي؟ أم إنه سوف يتطلب أولا انفراجا بين إيران وإسرائيل؟ والاعتقاد هنا أن "حزب الله" سوف يظل في خدمة إيران إن لم تعد لطهران حاجة إليه.

أخيرا، إن أُسَر الشباب الاثني عشر الذين فقدوا أرواحهم لا تجد أي عزاء في تبرير القصف بأن القتلة أخفقوا في إصابة هدفهم الذي من المفترض أن يضرب القوات العسكرية الإسرائيلية في "لبنان المحتل". والحق أن المرء لا يحتاج إلى تأييد احتلال إسرائيل للجولان أو أفعالها في الضفة الغربية وغزة لكي يدرك أن الادعاء الزائف بالسيادة الذي يبرر "المقاومة اللبنانية" كانت له عواقب وخيمة على عدد كبير من الناس على جانبي "الخط الأزرق".

إن مزارع شبعا جزء من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ولا يحق لـ "حزب الله" أو أي ميليشيا لبنانية إطلاق الصواريخ وقتل الناس، عمدا أو عن طريق الخطأ، في الجولان. ولو أن في لبنان دولة لبنانية فاعلة، لما سمحت بمثل هذه الأفعال. ولكن للأسف، لا وجود لدولة كهذه في الوقت الحاضر.

font change

مقالات ذات صلة