إسرائيل تستعد للحرب بعد اغتيال هنية

إسرائيل تستعد للحرب بعد اغتيال هنية

يحمل استعداد إسرائيل لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية خارج حدود الصراع في غزة في طياته مخاطر حقيقية تتعلق بتصعيد كبير في مواجهتها الطويلة الأمد مع إيران.

وفي الأسابيع الأخيرة، لوحظت زيادة ملموسة في استعداد إسرائيل لتوسيع عملياتها العسكرية إلى ما يتجاوز حدود غزة، بينما لم تُظهر حملتها العسكرية لتدمير "حماس" أي مؤشرات على التراجع حيث شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية عمليات عسكرية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، بعد اتهامهم بشن هجوم بطائرة مسيرة استهدف تل أبيب، ما أسفر عن مقتل مدني إسرائيلي. وفي الوقت نفسه، تصاعدت الهجمات الإسرائيلية على مواقع "حزب الله" في لبنان وسوريا، كرد فعل على استمرار الميليشيا المدعومة من إيران في شن هجمات صاروخية وضربات بطائرات مسيرة على شمال إسرائيل.

وزادت التوترات المتفاقمة بين إسرائيل و"حزب الله" بشكل كبير منذ الهجوم الصاروخي الذي وقع في نهاية الأسبوع الماضي وأصاب ملعبا للأطفال في مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، وأسفر عن مقتل 12 طفلا وشابا في بلدة مجدل شمس الدرزية.

وكانت الضربة الصاروخية التي وجهتها إسرائيل هذا الأسبوع إلى مركز تابع لـ"حزب الله" في بيروت، وأسفرت عن مقتل فؤاد شكر، القائد العسكري البارز في التنظيم، ردا على الهجوم الذي وقع في مجدل شمس.

غير أن قرار إسرائيل بتنفيذ عملية اغتيال تستهدف إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لـ"حماس"، أثناء وجوده في طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، يرفع من حدة التوتر المتزايد بين إسرائيل وإيران إلى مستوى غير مسبوق.

وأفادت التقارير بأن إسماعيل هنية كان يقيم في بيت ضيافة مخصص لقدامى المحاربين في شمال طهران عندما قُتل إثر تعرضه لما وصفه المسؤولون الإيرانيون بـ"قذيفة محمولة جوا".

وتعتبر إيران حليفا وثيقا لـ"حماس"، حيث يُقدّر أنها أنفقت حوالي 100 مليون جنيه إسترليني (117 مليون دولار) لدعم المجموعة في بناء شبكة معقدة من الأنفاق تحت الأرض، والتي تسهم بشكل كبير في عملياتها العسكرية. علاوة على ذلك، فإن معظم الأسلحة التي تستخدمها "حماس" في حربها ضد إسرائيل، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة، تورّد إليها من قبل إيران.

ويعتبر مقتل إسماعيل هنية، الذي شوهد وهو يؤدي صلاة الشكر مع مسؤولين آخرين من "حماس" في مقره بدولة قطر عقب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفاءً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعهده بمطاردة وقتل كل المسؤولين عن تنفيذ هذه الفظائع.

قرار إسرائيل بتنفيذ عملية اغتيال تستهدف إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لـ"حماس"، أثناء وجوده في طهران يرفع من حدة التوتر بين إسرائيل وإيران إلى مستوى غير مسبوق

وتشكل قدرة الجيش الإسرائيلي على اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية وتنفيذ الهجوم الذي أسفر عن مقتل إسماعيل هنية إذلالا كبيرا لطهران، التي استثمرت مليارات الدولارات في تحديث دفاعاتها الجوية، بما في ذلك شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز "إس-300". 
وقد أثبت الإسرائيليون بالفعل قدرتهم على اختراق النظام الروسي الصنع عندما شنوا هجوما انتقاميا ضد إيران في أبريل/نيسان، عقب هجوم إيراني على إسرائيل. حيث قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف منشأة للدفاع الجوي بالقرب من أصفهان في وسط إيران، تضم بعضا من أكثر المنشآت النووية الإيرانية حساسية. وأسفر الهجوم أيضا عن تدمير بطارية "إس-300".

وبعد فشل محاولة إيران في شن أول هجوم مباشر لها ضد إسرائيل في أبريل/نيسان، فإن قدرة الإسرائيليين على تنفيذ ضربات عسكرية في قلب العاصمة الإيرانية مباشرة بعد تنصيب رئيسها الجديد تشكل إحراجا عميقا للنظام الإيراني، الذي سيكون حريصا على إثبات قدرته على الرد بفعالية.

وسارعت القيادة الإيرانية إلى إدانة اغتيال هنية والتهديد بالانتقام لموته. حيث تعهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بإنزال "عقاب شديد" في أعقاب وفاة هنية. وقال خامنئي: "بهذا العمل، مهد النظام الصهيوني الإجرامي والإرهابي الطريق لعقابه الشديد". وأضاف: "نرى أن من واجبنا الانتقام لاستشهاده الذي حدث داخل أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

كما حذر الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، إسرائيل من أنها "ستندم على هذا الفعل الجبان"، متعهدا بتعزيز العلاقات بين إيران وفلسطين. وقال بزشكيان: "بالأمس، رفعت يده المنتصرة، واليوم، يجب أن أحمل جثته على كتفي".

وكما هي العادة في إسرائيل في مثل هذه الظروف، رفضت السلطات الإسرائيلية التعليق على الاغتيال، وأكدت فقط أن الجيش الإسرائيلي يجري "تقييما للوضع". ورغم إقرار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بخطورة الوضع، فقد أصر على أن إسرائيل لا تسعى إلى إشعال حرب أوسع نطاقا، مضيفا: "لكننا نستعد لكل الاحتمالات".

إلا أن اغتيال هنية يمثل تحديا كبيرا لإيران التي تدرس كيفية الرد على هذا الهجوم. إذ سعى النظام الإيراني منذ فترة طويلة إلى تقديم نفسه كأحد الداعمين الرئيسين للقضية الفلسطينية في المنطقة، كما يحاول الظهور كإحدى القوى العسكرية البارزة فيها. 

إن السهولة التي تمكنت بها إسرائيل من الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية، بالإضافة إلى قدرتها على شن هجمات ضد الجمهورية الإسلامية، تمثل ضربة قوية لآيات الله. هذه الأحداث تضعهم تحت ضغط هائل لإثبات قدرتهم على مواجهة إسرائيل، سواء من حيث الموارد أو العزيمة.

مع شن الجيش الأميركي أول غارة جوية له ضد الميليشيات المدعومة من إيران، وهي الأولى منذ عدة أشهر، يصبح احتمال تطور الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل إلى حرب شاملة أمرا لا يمكن استبعاده

لا شك أن "حزب الله" وإيران يجدان نفسيهما الآن في موقف بالغ الصعوبة، حيث أكدت اغتيالات فؤاد شكر وإسماعيل هنية مجددا ضعفهما أمام التفوق العسكري لإسرائيل. 

أما العامل المهم الآخر الذي سيحتاجان إلى مراعاته أثناء تقييم ردودهما على هذه الاغتيالات فهو أن تجاوزهما للحد في الرد قد يستفز الجيش الأميركي للتدخل لدعم إسرائيل.

وكانت الولايات المتحدة قد ساعدت، إلى جانب حلفاء آخرين مثل المملكة المتحدة، في الدفاع عن إسرائيل عندما تعرضت لهجوم من قبل إيران في أبريل/نيسان الماضي. حيث ساهمت هذه الدول بشكل كبير في تدمير وابل الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية قبل أن تصل إلى إسرائيل.

ومع شن الجيش الأميركي أول غارة جوية له هذا الأسبوع ضد الميليشيات المدعومة من إيران، وهي الأولى منذ عدة أشهر، يصبح احتمال تطور الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل إلى حرب شاملة أمرا لا يمكن استبعاده.

font change