لغز "اختفاء" محمد الضيف

إسرائيل تؤكد مقتله و"حماس" تلتزم الصمت

أ.ف.ب
أ.ف.ب
محمد الضيف يتوسط صورتين للسنوار وهنية

لغز "اختفاء" محمد الضيف

على الرغم من الغموض الكبير حول شخصيته وحياته، فقد حاولت إسرائيل مرارا وتكرارا نشر المعلومات المتوفرة حول شخصية القائد العام لـ"كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، محمد الضيف، أو صوره حتى أعلنت عن التأكد من مقتله في الأول من أغسطس/آب، بعد استهدافه قبل أكثر من أسبوعين بمنطقة المواصي في خان يونس جنوب قطاع غزة.

وكان محمد الضيف واحدا من أبرز العقول المدبرة لهجوم "كتائب القسام" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل بحسب ما وجهت له الاتهامات الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى للهجوم الذي أدى لاندلاع حرب إسرائيلية مُدمرة وغير مسبوقة على قطاع غزة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي الخميس عن تأكده من مقتل القائد العام لـ"كتائب القسام" في غارة إسرائيلية- غير مسبوقة- استهدفته والقيادي في "الكتائب" رافع سلامة، يوم 13 يوليو/تموز الماضي، بمنطقة المواصي، حيث كان يوجد في غرفة محصنة وسط خيام النازحين، وقُتل على أثر الغارة حينها قرابة 90 فلسطينيا وأصيب أكثر من 300 آخرين كانت أجسادهم ملقاة في الشوارع وبين الخيام المحيطة، كما أفادت "رويترز".

وتزامن الإعلان عن مقتل محمد الضيف، بعد يوم واحد من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية ومرافقه في العاصمة الإيرانية طهران، دون إعلان إسرائيل أو أي جهة ثانية عن اغتياله، فيما قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر وزراءه في الحكومة الإسرائيلية، بعدم التعليق على عملية الاغتيال.

ولم تتمكن إسرائيل من نشر أي صورة لجثمان محمد الضيف الذي تدعي اغتياله عقب غارة إسرائيلية تسببت في إحداث حفرة عميقة تحت الأرض، حيث عملت طواقم الدفاع المدني بغزة على انتشال الجثامين من داخل الحفرة التي دُفن داخلها الكثير من الجثامين نتيجة شدّة القصف، واستمر عمل الطواقم لأكثر من 14 ساعة متواصلة في المكان، بينما مَنع أفراد الأمن- بلباس مدني- التصوير والوجود خلال عمل الدفاع المدني على استخراج الجثامين منها.

وأعلنت "كتائب القسام" في حينها عن اغتيال سلامة، فيما أكد عضو المكتب السياسي ونائب رئيس حركة "حماس" في غزة الدكتور خليل الحية، أن الضيف بخير ولم تنل منه إسرائيل التي ادعت استهدافه وفق معلومات استخباراتية لجهازي الجيش والشاباك بحسب البيان الذي صدر عن الجيش الإسرائيلي، وذلك قبل أن ينشر الجيش الإسرائيلي مؤخرا، فيديو لعملية القصف والاستهداف الكبير للمنطقة قبل أكثر من أسبوعين.

وفي أول تعليق من حركة "حماس" على الإعلان الإسرائيلي، قال عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق إن تأكيد أو نفي مقتل أي من قيادات "كتائب القسام"، الجناح العسكري للحركة "هو شأن قيادة كتائب القسام وقيادة الحركة"، مضيفا: "ما لم تعلن القسام أو حماس، فلا يمكن تأكيد أي خبر من الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام أو من أي أطرف أخرى"، ويقصد الجيش الإسرائيلي وقيادته.

بحسب الاتهامات الإسرائيلية، خطط الضيف واثنان آخران من قادة "حماس" لهجوم السابع من أكتوبر الذي تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة

وقالت وكالة "رويترز" إنه في حال أكدت "حماس" مقتل محمد الضيف- بعد أن ظل مطلوبا من إسرائيل لعقود من الزمن- سيمثل هذا ضربة هائلة للحركة بعد مرور نحو 10 أشهر على هجوم أكتوبر/تشرين الأول، الذي أشعل فتيل الحرب الإسرائيلية المدمرة في قطاع غزة، حيث قتلت إسرائيل أكثر من 39 ألف غزي بينما لا يزال مصير 10 آلاف آخرين مجهولا، وتعرض 91 ألفا آخرون لإصابات وجروح نتيجة القصف وعمليات القتل والتدمير سواء من البر أو البحر أو الجو.

وأفلت محمد الضيف خلال السنوات الماضية من سبع محاولات إسرائيلية لاغتياله، كان آخرها في عام 2021. وعلى مدى شهور منذ هجوم أكتوبر، يُعتقد أن الضيف كان يوجه العمليات العسكرية لـ"حماس" من الأنفاق (عملت "الكتائب" على حفرها خلال أكثر من عقد ونصف) ومن الشوارع الخلفية في غزة، إلى جانب آخرين من كبار قادة الحركة و"القسام".

وقالت "رويترز" إن قائد "القسام" ترقى في صفوف "حماس" على مدى أكثر من 30 عاما، إذ طور شبكة الأنفاق وأكسب الحركة خبرة في صنع المتفجرات، كما تصدر قائمة المطلوبين لدى إسرائيل لعقود، بسبب اتهامه بأنه وراء مقتل عشرات الإسرائيليين في تفجيرات انتحارية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية وما بعدها.

وقالت مصادر في "حماس" لرويترز إنه فقد إحدى عينيه وأصيب بجروح خطيرة في إحدى ساقيه في واحدة من محاولات الاغتيال الإسرائيلية، واكتسب نظرا لنجاته من محاولات الاغتيال مكانة البطل الشعبي الفلسطيني وحتى في الأوساط العربية الشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في التوسعات الاستيطانية وعمليات التنكيل والاقتحام اليومية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

وبحسب المصادر والاتهامات الإسرائيلية، خطط محمد الضيف واثنان آخران من قادة "حماس" في غزة لهجوم السابع من أكتوبر الذي تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، في أعنف هجوم منذ النكبة الفلسطينية وقيام إسرائيل قبل 75 عاما.

وعقب الهجوم، توعدت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقضاء على الرجال الثلاثة، وهم: رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لـ"كتائب القسام" محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى الذي أعلنت إسرائيل عن مقتله في مارس/آذار الماضي في قصف إسرائيلي استهدف بنية تحتية شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، فيما لم تؤكد أو تنفي أي من حركة "حماس" أو جناحها العسكري نبأ اغتيال عيسى.

وأطلق الضيف اسم "طوفان الأقصى" على الهجوم في تسجيل صوتي تم بثه، بينما كانت "حماس" تطلق آلاف الصواريخ من قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر، وأشار إلى أن الهجوم يأتي ردا على الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة والمتصاعدة للمسجد الأقصى في القدس. وأشارت "رويترز" إلى أنه وفقا لمصدر مقرب من "حماس"، فقد بدأ الضيف التخطيط للعملية بعد مداهمة للمسجد الأقصى في مايو/أيار 2021 فجرت الغضب في العالم العربي والإسلامي.

أعلنت إسرائيل منذ بداية حربها على قطاع غزة، أنها تهدف إلى القضاء على حركة "حماس" وقادتها

وقال المصدر إن الهجوم "سببه اللقطات التي أظهرت اقتحام المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وضرب المصلين والاعتداء عليهم، وسحب الشيوخ والشبان إلى خارج المسجد... لقد أشعل هذا الاقتحام الغضب". وتزامن ذلك مع اتهامات إسرائيلية للفلسطينيين بمحاولة التحريض على العنف في القدس، وهو ما نفاه الفلسطينيون. وتسبب اقتحام المسجد الأقصى في اشتعال حرب بين إسرائيل و"حماس" استمرت 11 يوما متواصلا في قطاع غزة.

ولا تتوافر سوى ثلاث صور للضيف، واحدة وهو في العشرينات، والثانية وهو ملثم، والثالثة معتمة لا تظهر فيها ملامحه، وهي التي تم استخدامها عند بث التسجيل الصوتي في السابع من أكتوبر. ونادرا ما كان الضيف (58 عاما) يتحدث، كما أنه لا يظهر قط في العلن، لذا حينما أعلنت "فضائية الأقصى" التابعة لـ"حماس" أنه سيلقي كلمة يوم السابع من أكتوبر أدرك الفلسطينيون أن الأمر جلل. وقال الضيف في التسجيل الصوتي الذي تعمد تغيير نبرة صوته تقنيا كما في كل تسجيلاته السابقة "يا أحرار العالم، اليوم ينفجر غضب الأقصى وغضب شعبنا وأمتنا وأحرار العالم... مجاهدينا الأبرار هذا يومكم لتُفهموا العدو المجرم أنه قد انتهى زمنه".

أ.ب
فلسطينيون يتم إخلاؤهم من موقع تعرض للقصف الإسرائيلي على خان يونس، جنوب قطاع غزة، السبت 13 يوليو 2024، والذي أودى بحياة أكثر من 70 شخصا وتقول إسرائيل إن الضيف قُتل في الهجوم

وقال المصدر المقرب من "حماس" لرويترز إن قرار الإعداد للهجوم تم اتخاذه بشكل مشترك بين الضيف القائد العام لـ"كتائب القسام"، والسنوار قائد "حماس" في غزة، ولكن كان من الواضح أن الضيف هو مهندس الهجوم. وأضاف: "هناك عقلان، ولكن المدبر واحد"، موضحا أن المعلومات حول العملية لم تكن معروفة سوى لعدد قليل ومحدود من قادة "حماس".

وقال مصدر أمني إسرائيلي لرويترز إن محمد الضيف شارك بشكل مباشر في التخطيط للجوانب العملياتية للهجوم. وتضمنت الخطة التي وضعها الضيف جهدا طويلا في الخداع. وجرى إيهام إسرائيل بأن "حماس" لا تأبه بإشعال صراع- ظهر ذلك بعدم مشاركتها في صد الهجوم الإسرائيلي على اغتيال قادة بارزين في حركة الجهاد الإسلامي بغزة خلال السنوات الثلاث الأخيرة- بل تركز على التنمية الاقتصادية في غزة التي تسيطر عليها.

لكن بينما بدأت إسرائيل في تقديم حوافز اقتصادية للعمال من غزة كان مقاتلو الحركة يتلقون التدريبات على مرأى من الجيش الإسرائيلي في كثير من الأحيان، حسبما قال المصدر المقرب من "حماس" لـ"رويترز".

وأعلنت إسرائيل منذ بداية حربها على قطاع غزة، أنها تهدف إلى القضاء على حركة "حماس" وقادتها، ومارست القتل المتعمد للأطفال والنساء والشيوخ ودمرت البنية التحتية والمساكن والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، فلم يسلم البشر والحجر والحيوانات من عمليات القصف والتوغل البري خلال عشرة أشهر متتالية.

رفضت كل من إسرائيل و"حماس" اتهامات المحكمة الجنائية الدولية، واعترضتا على إصدار مذكرات الاعتقال، وكأنه يسوي بين الطرفين رغم أنهما يواجهان اتهامات مختلفة

وطلب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في شهر مايو/أيار إصدار مذكرات اعتقال بحق الضيف والسنوار وقيادي ثالث في "حماس" على أثر هجوم السابع من أكتوبر، كما طلب إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي بسبب الرد الإسرائيلي. ورفضت كل من إسرائيل و"حماس" اتهامات المحكمة، واعترضتا على إعلان طلب إصدار مذكرات الاعتقال في اليوم ذاته وكأنه يسوي بين الطرفين رغم أنهما يواجهان اتهامات مختلفة.

وولد الضيف باسم محمد المصري عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين الذي أنشئ بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، واشتهر باسم محمد الضيف بعد انضمامه إلى "حماس" خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي تفجرت عام 1987. واعتقلت إسرائيل الضيف عام 1989 وقضى نحو 16 شهرا في السجن.

وحصل على شهادة في العلوم من الجامعة الإسلامية بغزة، حيث درس علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء. وأبدى انجذابه للفنون أيضا، إذ ترأس لجنة الترفيه بالجامعة وأدى أدوارا في أعمال كوميدية على خشبة المسرح. فيما قُتلت زوجته وطفله الذي كان في الشهر السابع من عمره فقط، وابنته في الثالثة من عمرها، في غارة جوية إسرائيلية عام 2014، استهدفتهم في منزل بمخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة.

font change

مقالات ذات صلة