مع كلّ حدث ثقافي مهم، يكون هناك الكثير من النقاش الذي قد يصل أحيانا إلى حدّ الضجيج. ويعتبر إعلان إنشاء جائزة جديدة للرواية في السعودية ظاهرة صحّية، بما أن مؤسسة الجائزة أو الهيئة المانحة لها تعمل ضمن الحياة الثقافية العربية العامة. ولهذا، فإن أي ملاحظات سيكون من شأنها المساهمة في إثراء هذه الجائزة التي ذُكر أنها تهدف إلى الاحتفاء بالروايات القابلة للتحويل إلى أفلام سينمائية.
فنشوء مثل هذه الجائزة والتوجه نحو صناعة السينما، خطوة مهمة في بلد عانى لعقود مما يسمى سنوات الصحوة، التي حاول فيها "الصحويون" المتشدّدون تحريم كلّ ما له علاقة بالفن أو بالترفيه. خاصة إذا كان من بين أعضاء لجنة هذه الجائزة اسماء عانت كثيرا من التطرف، مثل عبده خال وعبدالله بن بخيت وبدرية البشر، إلى جانب سعد البازعي وحسن النعمي وخيري بشارة وسعود السنعوسي. وهذا الأخير عانى أيضا من تشدّد الرقابة في بلده الكويت.
الملاحظات التي قيلت وتُقال عن مفهوم الترفيه وحدوده تبدو لي مهمّة. لكنْ في المقابل، من المهم أن نفهم الترفيه باعتباره حاجة أساسية في أي مستوى، بعدما كان يقتصر على ما هو مسموح به كالغناء والرقص التقليديين. وأظن أنه في الإمكان توسيع مفهوم الترفيه هذا، فتتحوّل عبره روايات مميزة إلى أفلام تتناول مفكّرين وإصلاحيين مسلمين وعربا مثل ابن عربي وابن رشد وابن سيناء والفارابي وطه حسين وقاسم أمين وهدى شعراوي وجبران خليل جبران وعبدالله القصيمي وغيرهم. وهناك كتابات لافتة في هذا المجال، وليس بالضرورة أن تكون الروايات صدرت حديثا أو أن يتقدّم أصحابها لنيل هذه الجائزة أو جائزة أخرى. فكلّ رواية قابلة للتكييف السينمائي، ليس في قصتها أو في تفاصيلها بالضرورة، بل أحيانا في فكرتها. وهناك روايات تحوّلت إلى أفلام سينمائية على الرغم من وجهتها الفنية المغايرة، مثل روايات الفرنسي ألان روب غرييه.
من المهم أن نفهم الترفيه باعتباره حاجة أساسية في أي مستوى، بعدما كان يقتصر على ما هو مسموح به
بقدر ما يساهم هذا المنحى بالترفيه في معناه الواسع، فإنه يغني التفكير العقلاني في نقد ما خلّفته موجات التطرف والتشدد. ويبدو لي في هذا المنحى أن من المهم دعم المنتج الأدبي والسينمائي من خلال دعم دور النشر والمؤلفين ومؤسسات الإنتاج. إذ أن الغالبية لا تتقبل بسهولة الإنتاج الرسمي في هذا المجال، ويمكن دراسة تجربة مصر والعراق والجزائر وغيرها في مجال الإنتاج السينمائي الرسمي، مع استثناءات قليلة في حال السينما السورية، أو المسرح القومي المصري. وهناك دعم نشر الكتب، من خلال دور نشر متخصصة، كما عملت السعودية في دعم مشروع 100 كتاب عن مبادرة "أدب"، أو ما عملته سابقا مصر والكويت فنشرتا الكتب بأسعار مخفضة.
مع هذا، سيبقى بعض الإنتاج الأدبي المهم خارج هذه الجوائز لأن أصحابها قد لا يروق لهم التقدم إليها خشية الرفض أو لأيّ سبب آخر. لذا، من المهم الالتفات إليهم ودعمهم من خلال مِنح التفرّغ أو التكريم عن مجمل أعمالهم وتشجيعهم لمواصلة منجزهم الإبداعي. وإذا كان هؤلاء قلّة بالطبع في معظم بلدان العالم، إلا أنهم كثيرون في البلدان العربية حيث ما زالت الجوائز قليلة، مقارنة مع جوائز بلدان أخرى. إذ صارت الجوائز ملازمة لأي كاتب في معظم بلدان العالم، ومن الصعب أن نجد كاتبا لا يشير في سيرته إلى أنّه حاز جائزة أو وساما. فحصوله على جائزة يعني نجاحه وتفوقه عند معظم المؤسسات الثقافية وجمهور القراء، وبالتالي يحظى بمختلف مظاهر الاحتفاء من ندوات ومهرجانات ولقاءات صحافية ودعايات للكتب على لوحات الشوارع وغيرها. ولا يستطيع معظم الكتّاب أن يرفضوا هذه البهرجة الإعلامية، فمن غير اللائق أن يتجاهل كاتب طلب الناشر ترشيح كتابه للجوائز، لأن هذا سيساهم في عدم الترويج للكتاب وربما خسارة الناشر المؤكدة، خاصة إذا رفض الكاتب أي أساليب أخرى للدعاية.
حصول الكاتب على جائزة يعني نجاحه وتفوقه عند معظم المؤسسات الثقافية وجمهور القراء
صحيح أن البعض بقي على هامش كلّ هذا، واستطاعت كتبه أن تصل الى القراء في حياته أو بعد مماته. لكن هناك، أيضا، من ضاع في زحمة هذا الضجيج بسبب عدم انصياعه لقوانين تسليع الأدب، أو لأساليب الدعاية له. وإذا كان هؤلاء لا يعلنون رفضهم لهذه الجوائز لكي لا يصبح هذا الإعلان نوعا من الدعاية، فإن البعض قد عُرف بهذا الرفض لأنه جاء في مرحلة صار فيها هؤلاء الكتاب مقروئين، مثل باسترناك وسارتر اللذين رفضا جائزة نوبل وإن كان الأول رفضها بضغط من السلطة السوفياتية. وقد قبل الياباني كنزابورو أوي جائزة نوبل للأدب وقبلها جوائز عديدة لكنه رفض وسام الإمبراطور الياباني لأنه يكرّس تقاليد قديمة لا يتفق معها. وفي العالم العربي، رفض الإسباني خوان غويتسولو جائزة من ليبيا القذافي كما رفض صنع الله إبراهيم جائزة من بلاده أيام الرئيس مبارك.