أورزولا هونيك لـ"المجلة": المعاناة الداخلية هي الأشدّ فداحة

مجموعتها "الليالي البيضاء" وصلت إلى قائمة "بوكر" الطويلة

International Booker Prize 2024
International Booker Prize 2024
أورزولا هونيك

أورزولا هونيك لـ"المجلة": المعاناة الداخلية هي الأشدّ فداحة

أورزولا هونيك، شاعرة بولندية معروفة صدر لها أخيرا ديوان شعري بعنوان "روح شريرة" هو الرابع في مسيرتها ويتناول ثيمة الحداد والفقد، وبالعكس منها الحضور المستمر. كما صدرت لها متتالية قصصية بعنوان "الليالي البيضاء" وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر الدولية لعام 2024. تنشر نصوصها في العديد من المجلات والصحف الأدبية.

ولدت هونيك بقرية راكلافيتسي عام 1987، وفازت بالعديد من الجوائز، بما في ذلك الجائزة الكبرى لمسابقة راينر ماريا ريلكه للشعر، وجائزة مدينة كراكوف لليونسكو للآداب، وجائزة آدم فلوديك، وجائزة ستانيسواف بارانتشاك كجزء من جائزة بوزنان الأدبية.حول الكتابة والإبداع. كان لـ"المجلة" هذا الحوار معها.

  • ترتبط جميع قصص "الليالي البيضاء" بموضوعين أساسيين هما الوحدة والقدر... حدثينا عن ذلك.

بالفعل تدور جميع قصص المجموعة حول الوحدة وحتمية القدر، من خلال أشخاص يعيشون في قرية صغيرة ومعزولة في جنوب بولندا. تنتهي حياة معظم شخصياتي بصورة مأسوية: إما أن يموتوا، أو ينتحروا، أو يختفوا في ظروف غامضة. مع ذلك، فإن "الليالي البيضاء" هو أيضا كتاب عن الحاجة الماسة إلى التقارب والحب والتفاهم. أبطال القصص اشخاص غير متعلمين بشكل جيد، وغالبا ما يعيشون في فقر ويصارعون من أجل البقاء. يمكن أن تكون هذه الشخصيات قاسية ووحشية، لكنها في الوقت نفسه تتحرّك ضمن طبقات من المشاعر. أردت أن أوضح أن الناس - بغض النظر عن المكان الذي أتوا منه، وعن رأس مالهم الثقافي أو الاقتصادي - لديهم جميعا الحاجة نفسها إلى أن يكونوا مرئيين ومسموعين. في "الليالي البيضاء"، أعطي صوتا لأولئك الذين نادرا ما يُسمع صوتهم.

العديد من شخصياتي لديها أزمات داخلية قد لا يلاحظها أحد للوهلة الأولى

  • في قصة "إذن بالهبوط"، يتأمل أندره المرضى العقليين والمعوقين، ويوازي بين معاناتهم غير المرئية وفقدان أحد الأطراف. كيف يمكن لهذا التوازي أن يعمق فهمنا لتجاربهم؟

يروي أندريه قصة صديق له أطلق عليه لقب "الطيار". إنه لقب فظّ لأنه يعاني من مرض في العين يجعله ينظر إلى الأعلى طوال الوقت وكأنه يبحث عن طائرات. عاش "الطيار" طفولة صعبة للغاية، لأن والديه وأقرانه كانوا يحتقرونه، بالإضافة إلى تعرضه للعنف الجسدي على يد والديه.  لذلك كان أداؤه سيئا في المدرسة. لكنه كافح من أجل التعلم ووجد صعوبة في الانتقال إلى الصف التالي. اعتبره الجميع "أحمق القرية". وينطبق الأمر نفسه على شخصية أخرى هي هينيا، امرأة لم تتعلم القراءة قط، وبالكاد يمكنها التوقيع باسمها. وكان أندره في كثير من الأحيان هو الشخص الوحيد الذي يفهم معاناتهم. العديد من شخصياتي لديها أزمات داخلية قد لا يلاحظها أحد للوهلة الأولى، لأن معاناتهم غير مرئية، وهي بالنسبة إليّ الأشد فداحة.

International Booker Prize 2024

المرئي والخفيّ

  • كيف تتنقل شخصيات قصصك بين المرئي والخفي، خاصة في سياق المرض؟

شخصياتي تعيش في عالم الموتى. قصص "الليالي البيضاء" لا تنتظم في تسلسل زمني. حتى لو مات أحد أبطالي، فقد يظهر بعد بضعة فصول: شخص ما يتذكرهم، أو نكتشف ببساطة أنهم ما زالوا على قيد الحياة. كان من المهم بالنسبة إليّ أن أضع ترتيبا زمنيا دائريا، حتى لا يصل وجود شخص ما إلى نهاية محددة. كانت طفولتي مليئة بقصص أولئك الذين ماتوا. فجدتي ترمّلت في وقت مبكر جدا من حياتها وكانت تحكي لي باستمرار قصصا عن زوجها الراحل وأقاربها وجيرانها. كنا نستلقي على السرير وتحدثني عن الموت، وكنا نصلي كثيرا أيضا. ومن ناحية أخرى، قالت جدتي الأخرى إنها تمكنت من رؤية ابنة عمها المتوفاة في حريق. على ما يبدو، أنها كانت تظهر وتتجول في جميع أنحاء الغرفة. الموتى حاضرون باستمرار في حياتي، ولا أريدهم أن يتركوني على الإطلاق.

  • الموت جزء لا يتجزأ من الحياة في قصصك. ما مدى قلقك من فكرة الموت؟

كل كتاباتي تناقش فكرة الموت. يبدو أنني لا أستطيع الابتعاد عنها. أنا شاعرة في المقام الأول، ومجموعاتي الأربع، تدور حول الموت والخسارة والمعاناة واليأس، وإن بطرق مختلفة. يبدو أن لديَّ جينات تمكنني من التغلب على الظلام من خلال كتاباتي. صدر لي  أخيرا ديوان بعنوان "روح شريرة"، كتبته إثر وفاة صديقتي، وفيه أحاول تفكيك السبل التي يتجلى فيها الحزن. حبست نفسي في مكان معزول، وحيدة تماما. كنت أشاهد الكثير من أفلام الرعب في ذلك الوقت (أنا من أشد المعجبين بها). وكتبت في أوقات متأخرة من الليل، أثناء هذه الفترة كنت أتناول القليل جدا من الطعام، ونادرا ما أغادر المنزل. لم أتمكن من الكتابة عن وفاة صديقتي إلا بعد مرور عامين تقريبا على وفاتها، وكأن حدادي عليها كان مؤجلا.

أصوات متعددة

  • استخدمت أصواتا متعدّدة للراوي في قصص المجموعة، كذلك يختلف العمر والجنس. لماذا اخترت هذه التقنية؟

أردت أن أعطي صوتا لشخصيات مختلفة وأن أعرض قصصا من وجهات نظر مختلفة. أنا مهتمة بالطرق العديدة التي يمكن بها وصف وجود شخص ما. كل شخص يتذكر شيئا مختلفا، تفاصيل جديدة للقصة نفسها تبدو فجأة مهمة لشخص آخر. تتحدث شخصيات "الليالي البيضاء" بطريقة المونولوغ. وهي تريد أن تخبرنا قصة حياتها أو لحظة مهمة في أقصر وقت ممكن. يمكنك أن تتخيل الأمر بهذه الطريقة، فجأة يمسك شخص ما بذراعنا ويجبرنا على أن نستمع إلى حكايته. هذا ما تفعله شخصياتي، إنها تريدنا أن نستمع لأنها اللحظة الوحيدة التي يمكنها فيها التحدث.

AFP
وارسو، بولندا، في 14 مارس 2024

  • متى بدأت تفكرين في كتابة القصة القصيرة؟ هلا أخبرتنا المزيد عن مرحلة كتابة المتتالية القصصية؟

كتبت إحدى القصص عام 2016. في تلك المرحلة، شعرت أنني لم أجد لغتي الخاصة بعد، ولم أعد الى الكتابة مرة أخرى إلا بعد سنوات قليلة. مع ذلك، خلال تلك الفترة، سافرت كثيرا إلى مسقط رأسي، وقطعت مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام من قرية إلى أخرى. لقد بدأت أيضا بالإقامة كثيرا في منطقة بسكيدز الجبلية. قمت بالكثير من الأمور المرتبطة بالكتاب مثل استيعاب المناظر الطبيعية، ومراقبة المشاهد نفسها في أوقات مختلفة من اليوم، في مواسم مختلفة. في بعض الأحيان كنت أقوم بتمارين محددة على سبيل المثل، فأتسلق التل نفسه في أوقات مختلفة من اليوم لأرى كيف يسقط الضوء، وكيف تتغير درجة الحرارة. أحب الكتابة في صمت وعزلة. أحب أيضا الاستمرارية في الكتابة، أن أكتب كل يوم لعدة ساعات. أنا أكتب جيدا في الظروف القاسية، دون الحصول على الراحة. كنت أعرف منذ البداية أن الكتاب سيكون على شكل مونولوغات وسيكون متعدد الأصوات. استغرقت كتابة "الليالي البيضاء" عاما ونصف العام.

 الموتى حاضرون دوما في حياتي، ولا أريدهم أن يتركوني 

  • كيف تلقيت خبر وصول الكتاب إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العالمية لهذا العام؟

كانت مفاجأة عظيمة بالنسبة إليّ. لأن الكتاب منشور في دار نشر جديدة حتى أن كتابي هو أول إصداراتهم. ولم يتم الترويج للكتاب على نطاق واسع. لذلك شعرت أن وصول الكتاب إلى القائمة الطويلة بمثابة وسام شرف. قبل كل شيء، أنا سعيدة لأنه بفضل القائمة الطويلة، سيتمكن قراء من بلدان أخرى من الاستماع إلى شخصياتي. كثيرا ما أبتسم لنفسي عندما أفكّر أن "الطيار" سيتحدث بلغات لم يعرفها من قبل، وذلك بفضل الترجمة.

  • لا يُترجم الأدب البولندي كثيرا إلى اللغات الأجنبية. ما شعورك عندما اتصل بك المترجم لترجمة "الليالي البيضاء" إلى الإنكليزية؟

بالفعل، نادرا ما يُترجم الأدب البولندي المعاصر إلى اللغات الأخرى، بما في ذلك الإنكليزية. في بولندا، لدينا عدد قليل من الكتاب الذين ترجمت أعمالهم. بينما معظم الكتاب تنشر أعمالهم دون أن يلاحظها أحد، على الرغم من أنها تستحق الاهتمام. حين اتصلت بي الوكالة الأدبية لأول مرة، شعرت بسعادة غامرة، لم أحسب أبدا أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث لي. ربما لكوني فقط حذرة ومتحفظة، أو ربما يكون من الآمن أن أبقى في حالة عدم التصديق بدلا من الاعتقاد بأن شيئا  كبيرا ما قد يحدث.

REUTERS
أورزولا هونيك، مؤلفة مجموعة القصص القصيرة "الليالي البيضاء"، تتسلم جائزة كونراد في مركز مؤتمرات ICE خلال مهرجان كونراد في 29 أكتوبر 2023 في كراكوف، بولندا

  • كيف تصفين رحلتك مع الكتابة الإبداعية؟ هل لديك روتين للكتابة، وما مشروعك المقبل؟

أحب الكتابة في عزلة، من الصباح حتى بعد الظهر. تخصيص بضعة أشهر للكتابة فقط رفاهية مريحة للغاية. أريد هذا الخريف أن أشرع في عمل سردي جديد. لذا، سأعود إلى حياة العزلة مرة أخرى. لن أستطيع الكشف عن موضوع الكتاب المقبل، فأنا مقتنعة بقاعدة أنه ينبغي للمرء أن يتحدث فقط عما هو متحقق بالفعل.

font change

مقالات ذات صلة