ينتمي الشاعر محمد الحرز إلى جيل التسعينات في الشعر السعودي، ذاك الجيل الذي وجد نفسه بين مؤثراتٍ قوية وجذابة تأتيه من الخارج وتستجيب لطموحاته، وبين بيئة شعرية لا تزال مخلصة للتراث ولبدايات الحداثة الأولى التي جاءت مع قصيدة التفعيلة. وهكذا اندفع مع عدد من أفراد هذا الجيل إلى قصيدة النثر وممكناتها الواسعة والمتنوعة، واستطاعت تجاربهم أن تفتح أفقا جديدا للشعر السعودي الجديد، بل أن تصنع لهم مساحة داخل المشهد الشعري العربي ككل.
نشر محمد الحرز ست مجموعات شعرية، وكانت البداية مع "رجل يشبهني" سنة 1999. وإلى جانب الشعر أصدر مؤلفات نقدية عديدة.
هنا حوار مع الشاعر الذي ستصدر له قريباً مجموعة سابعة بعنوان "مشاؤون بأنفاس الغزلان".
- كيف كانت بداياتك، القراءات والمؤثرات، وصولا إلى نشر "رجل يشبهني" أول ديوان لك؟
لم تتشكّل في ذهني صورة واضحة عن تلك المؤثرات التي قادتني إلى الشعر، ومن ثمّ، إلى تلك القراءات المرتبطة بها، لا سيّما أني عشت في مدينة الأحساء حيث كانت تقاليدها في الكتابة الشعرية ليست مفصولة عن عاداتها وتقاليدها الاجتماعية الموروثة. فالمناسبات الدينية والاحتفالات الشعبية كانت الحاضنة لكل ميل تظهر بوادره عند هذا الشاب أو ذاك. وبالتالي لم أتوقع يوما أن ينتهي بي المطاف إلى تبني الكتابة الحديثة (قصيدة النثر) خلاف ما درج عليه أقراني وأصدقائي الذين أصبح جلّهم مشهورين بالكتابة الشعرية الكلاسيكية. لكن حين ألتفت إلى الوراء، وأسترجع مفاصل معينة من حياة الطفولة، أدرك طبيعة المؤثرات اللاواعية التي ارتبطت بحساسية الشعر عندي، وطريقة التفكير فيه. ولهذه الطبيعة جانبان، الأول منهما يتعلق بفترة من طفولتي كنت فيها أتأرجح بين مدينتين يفصل بينهما بحر الخليج العربي. بين مدينة المحرق بالبحرين التي ولدت فيها قريبا من البحر، وبين مدينة الأحساء قضيت شطرا من طفولتي متنقلا بينهما عبر مراكب خشبية تشق عباب البحر ببطء وكأنها في نزهة وليس للسفر، مع عائلتي في السبعينات الميلادية. منظر البحر وأصوات أمواجه أظنها حفرت عميقا في ذاكرة ووجدان الطفل الذي لم يتجاوز عمره سبع سنوات. بينما الجانب الآخر هو ذلك الأثر الذي تركه جدي لأبي على شخصيتي، فقد كان شغوفا بقراءة قصص التراث وأساطيره كألف ليلة وليلة وسيرة عنترة وسيف بن ذي يزن أمام أحفاده بطريقة ساحرة ومحفزة لعمل المخيلة.