المغرب من الزراعة إلى الصناعات والشراكات العالمية

الصادرات 63 مليار دولار والناتج المحلي الى 200 مليار مع نهاية العقد

Shutterstock
Shutterstock

المغرب من الزراعة إلى الصناعات والشراكات العالمية

يحتفل المغرب بمرور 25 سنة على اعتلاء الملك محمد السادس عرش البلاد خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني، وسط أجواء من الاعتزاز، بما تحقق من مكاسب وانجازات تنموية واقتصادية ودستورية خلال مرحلة من التاريخ الإقليمي والعالمي اتسمت بكثير من التحديات.

تبدو تجربة المغرب متميزة على أكثر من صعيد، فقد استطاع أن يرتقي من بلد على طريق النمو، يعتمد اقتصاديا على الزراعة والسياحة نهاية القرن الماضي بناتج محلي إجمالي يبلغ 42 مليار دولار، إلى بلد صاعد في سلاسل الإنتاج العالمية، بناتج إجمالي يُتوقع أن يبلغ 152 مليار دولار في نهاية 2024، ويقدر بـ 200 مليار دولار قبل نهاية العقد، أي بنمو نسبته 31 في المئة قبل انطلاق نهائيات كأس العالم 2030 استنادا الى المشاريع والورش الاستثمارية الكبرى التي تنفذها المملكة.

وصار المغرب ضمن نادي دول الربط (Connected Countries) كما يسميها صندوق النقد الدولي، أي الدول المنتجة للمهن العالمية للإمدادات الصناعية، بحسب تقرير "بلومبيرغ إيكونوميكس" (Bloomberg Economics) الذي صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في نيويورك. وتضم هذه الدول حاليا المكسيك وبولندا وإندونيسيا وفيتنام والمغرب، وقد حصلت مجتمعة على 10 في المئة من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ عام 2017، على الرغم من أنها لا تمثل سوى 4 في المئة من الاقتصاد العالمي. لكنها ساهمت بفائض قيمة صناعية قدر بـ 400 مليار دولار عام 2022، يوازي مستوى الإنتاج الصناعي في الهند أو المانيا أو اليابان، بحسب ما نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية أواخر مايو/أيار نقلا عن تحليلات صندوق النقد ووكالة "بلومبيرغ" الأميركية. وتنتمي الدول المذكورة إلى أربع قارات يمثل المغرب فيها القارة الأفريقية والشرق الأوسط.

ساعدت البنى التحتية والطرق والمطارات وشبكات القطار، في تطوير حركة التنقل بين المغرب والعالم، وجلب المستثمرين والسياح وتدفق الاستثمارات الأجنبية

في السنوات الأولى لحكمه، أطلق الملك محمد السادس مشروع بناء ميناء عالمي على مدخل البحر الأبيض المتوسط، على طريق التجارة البحرية الدولية، عبر مضيق جبل طارق. كانت الفكرة طموحة وجريئة عام 2002. في تلك المرحلة كان العالم يعيش أزهى أيام العولمة وتدفق التجارة والمبادلات، ولم تكن أهمية البحار والمضائق قد تبلورت بعد ضمن خطط توسع العولمة والتحولات الجيوسياسية، ذات الأبعاد الاقتصادية والإستراتيجية. ظهر هذا التحدي مع أزمة جائحة "كوفيد-19" وصعوبة إيصال الإمدادات الطبية والصناعية وحتى الغذائية، وتبادل التهم بين أميركا والصين حول أسباب الفيروس ومصدره.

يقول صندوق النقد الدولي في تقرير صدر في أبريل/نيسان الماضي "إن دول الربط تحولت بعد الصراع التجاري بين الشرق والغرب والحرب الروسية على أوكرانيا، إلى بدائل نقل للعولمة المتعثرة، بسبب التوترات الجيوسياسية، وصعود تدابير الحماية الجمركية". واعتبر "الموقع الجغرافي للمغرب عنصر استفادة إضافية من التفتت الجغرافي الاقتصادي العالمي".

نهضة البنى التحتية

استفادت مدينة طنجة من موقعها الجغرافي بين الشرق والغرب، ومن كونها نقطة تلاق بين أوروبا وأفريقيا على البحر والمحيط لتصبح أكبر تجمع لصناعة السيارات وقطع الغيار في أفريقيا والعالم العربي في أقل من عقدين. وساعدت البنى التحتية والطرق السريعة والمطارات وشبكات القطار الفائق السرعة، في تطوير حركة التنقل بين المغرب والعالم، وجلب المستثمرين والسياح وتدفق الاستثمارات الأجنبية، شملت 250 علامة لكبرى الشركات في تصنيع السيارات والطائرات، بعضها انتقل من شرق أوروبا أو شمال البحر الأبيض المتوسط إلى المدن المغربية.

ارتفعت صادرات المغرب من السلع والخدمات إلى 63 مليار دولار في نهاية عام 2023، بزيادة 3,3 مليارات دولار عن 2022، منها 37 مليارا صادرات صناعية

وفي العام المنصرم، صدّر المغرب نحو نصف مليون سيارة جديدة إلى 71 سوقا دولية في العالم. وخلال الثلث الأول من السنة الجارية صدّر 176 ألف سيارة عبر ميناء طنجة، بمعدل 44 ألف عربة كل شهر. كما ارتفعت صادرات قطع الصيانة وأجزاء الطائرات إلى 400 مليون دولار شهريا. وفي الربع الأول من 2024، احتل ميناء طنجة المرتبة 19 بعد موانئ الصين وهولندا، بقدرة تشغيلية تتجاوز 9 ملايين حاوية، متفوقا على مرافىء البحر الأبيض المتوسط الأخرى وموانئ في الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، وفق آخر تصنيف لمؤسسة "ألفالاينر" (Alphaliner) شملت 500 مجمع لمرافىء الحاويات في العالم، ونشر في مارس/آذار 2024.

الصادرات: 63 مليار دولار

وقد ارتفعت صادرات المغرب من السلع والخدمات إلى 63 مليار دولار في نهاية عام 2023، بزيادة 3,3 مليارات دولار على عام 2022، منها 37 مليار دولار صادرات صناعية، في مقدمها السيارات وأجزاء الطائرات والمواد الغذائية والملابس والإلكترونيات وفقا لإحصاءات مكتب الصرف (Office des Changes). وبلغت قيمة صادرات المغرب في الأشهر الخمسة الأولى من 2024 ما يناهز 30 مليار دولار، منها 20 مليار دولار سلع مصنعة، في مقدمها السيارات التي بلغت قيمة صادراتها 6,9 مليارات دولار، بزيادة 12 في المئة عن العام السابق.

أ.ب.

أثار نجاح صناعة السيارات الأوروبية في المغرب شهية الاستثمارات الصينية، وهو وقّع مع بكين شراكة إستراتيجية خلال زيارة الملك محمد السادس للصين عام 2016. وقالت مصادر مطلعة لـ"المجلة" إن "نيات الاستثمارات الصينية المعلنة تتجاوز عشرة مليارات دولار". وتضع الشركات الصينية عينها على طنجة شمال البلاد لبناء مدينة صناعية قريبة من أوروبا "تانجي هاي تيك"، متخصصة بالصناعات الصينية وسكن العاملين، على غرار "تشاينا تاون" (China Town) في سان فرانسيسكو، لتشابه الخصائص الطبيعية بين المدينتين المغربية والأميركية. 

يعزى الاهتمام الآسيوي بالمغرب، الى الاحتياط الكبير من الفوسفات والليثيوم واستخدامه في صناعة البطاريات، وهذه المعادن متوافرة محليا بكثرة تصل إلى 70% من الاحتياط العالمي

ووقعت مجموعة "غوشن هاي تك" في مايو/أيار الماضي اتفاقية مع الحكومة المغربية لبناء أكبر مصنع للبطاريات الكهربائية خارج الصين بتكلفة إجمالية تقدر بـ 6,5 مليارات دولار على المدى المتوسط، منها 1,6 مليار استثمار مباشر. كما قررت شركة "سي. إن. جي. آر. أدفانسد ماتيريال كو." (CNGR Advanced Material Co) إنشاء مصنع لمكونات البطاريات بتكلفة ملياري دولار، لتجهيز مليون سيارة كهربائية سنويا موجهة إلى الأسواق الأوروبية. ووسعت شركات "إل. جي." الكورية الجنوبية و"يازاكي" و"نيسان" اليابانية مصانعها في المغرب، وعيونها على الأسواق الأوروبية والأميركية وراء البحار.

الفوسفات والليثيوم للبطاريات

عامل إضافي يفسر الاهتمام الآسيوي بالمغرب، هو الاحتياط الكبير من الفوسفات والليثيوم واستخدامه في صناعة البطاريات، عبر تقنية "أل. أف. بي." (LFP). هذه المعادن الدقيقة موجودة محليا بكثرة تصل إلى 70 في المئة من الاحتياط العالمي من الفوسفات. وتساعد هذه المكونات في تقليص تكلفة الإنتاج، وزيادة التنافسية العالمية.

وتسعى الصين إلى مقاومة أي ضغوط جمركية على صادراتها من السيارات الكهربائية حتى في حال زيادة إضافية للرسوم في الأسواق الأميركية، وعودة الرئيس السابق دونالد ترمب الى الحكم، لأنها قد تستفيد من اتفاقية المنطقة التجارية الحرة بين المغرب والولايات المتحدة بقواعد المنشأ (منذ عام 2006). والشيء نفسه مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 2000، وهو الذي يملك ثلاثة مصانع للسيارات في طنجة والدار البيضاء والقنيطرة، تابعة لمجموعتي ستيلانتس ورينو.

استفاد المغرب تكنولوجيا من استقطاب استثمارات مهمة في صناعة السيارات الأوروبية وأجزاء الطائرات من الولايات المتحدة وكندا، وصناعة البطاريات من الصين، وقريبا سندخل تجربة صناعة القطارات

وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور

وقالت "بلومبيرغ" في تفصيل قوة المغرب التنافسية "إن اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة تمنح المغرب أفضلية استثمارية هائلة على منافسيه الآخرين في آسيا وأميركا اللاتينية". وقال وزير الصناعة والتجارة رياض مزور لـ"المجلة"، "إن المغرب استفاد تكنولوجيا من استقطاب استثمارات مهمة في مجال صناعة السيارات الأوروبية وأجزاء الطائرات من الولايات المتحدة وكندا، وصناعة البطاريات الكهربائية من الصين. وقريبا سندخل تجربة صناعة القطارات الفائقة السرعة". وبلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب 1,6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام. وكلما زاد حجم الصناعة في الاقتصاد، زادت فرص استقبال شركات كبيرة لنقل الخبرة والتكنولوجيا.

ميناء الداخلة الأطلسي

تجربة نجاح ميناء طنجة على البحر المتوسط ينقلها المغرب حاليا إلى جنوب المحيط الأطلسي، حيث يتم بناء مركب مينائي ضخم بتكلفة نحو ملياري دولار في سواحل مدينة الداخلة في الصحراء، يضم أربعة أنشطة مختلفة، هي التجارة والطاقة والصيد البحري والصناعة التحويلية. وسيلعب الميناء عند تشغيله دوراً استراتيجيا وتجاريا في جنوب المحيط الأطلسي، بين القارتين الأفريقية والأميركية، ليعزز مكانة المغرب في خريطة التجارة البحرية بين القارات.

Shutterstock
مدينة شفشاون في المغرب

كما تعمل الرباط من أجل فك العزلة عن دول الساحل الأفريقي الحبيسة جنوب الصحراء وربطها ببقية العالم عبر هذا الميناء. وهو مشروع يندمج ضمن خطة تحالف دول أفريقيا الأطلسية، الذي انضمت إليه 21 دولة وتتبناه الولايات المتحدة والبرازيل وتباركه الصين. ويعتقد المغرب أن تقدم دول أفريقيا الغربية قد يحولها إلى قطب اقتصادي وسوق للسلع المغربية، ويجعلها مجالا لنقل وتوطين بعض الصناعات. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة ظل المغرب المستثمر الأول في أفريقيا الأطلسية، في مجالات المصارف والاتصالات والتأمين والسياحة والنقل الجوي والعقارات والبنى التحتية، والخدمات التكنولوجية، والتنمية المستدامة، والزراعة. وتمثل هذه الاستثمارات امتيازا جيواستراتيجيا للمغرب داخل القارة. 

يتطلع المغرب لأن يصبح ضمن الخمسة الكبار في تصدير الهيدروجين الأخضر قبل حلول العقد المقبل، وهو التاريخ نفسه المعول عليه للوصول إلى إنتاج 52% من الكهرباء غير التقليدية، وخفض نسبة الانبعاثات

ويدعم الملك محمد السادس فكرة الاندماج الإقليمي للتغلب على الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، لدول لن تستطيع تحقيق التنمية بمفردها. وفي هذا الشأن أطلق مع نيجيريا مشروع أنبوب الغاز عبر المحيط الأطلسي لإنشاء سوق كهربائية لنحو 400 مليون نسمة. إذ يشكل غياب الكهرباء تحديا كبيرا للتنمية المحلية وجلب الاستثمارات في هذه المناطق.

الطاقة المتجددة والهيدروجين

من أسباب نجاح المشاريع التي يقودها الملك في الداخل والخارج، أسبقيتها، مقارنة بمشاريع أخرى غالبا ما تكون نسخا أو اقتباسا من الآخرين. كما أنها تقوم على مبدأ شراكة رابحة للأطراف الآخرين. وتمثل الاستثمارات الكبيرة في الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر هذا التوجه الإستباقي الذي انطلق عام 2009، في وقت كان الاستثمار في الطاقات المتجددة محفوفا بالأخطار، وأشبه بمغامرات مكتشفي القارات الجديدة في القرون الوسطى. بعد ذلك التاريخ بسنوات، كتب البنك الدولي في تقرير عن المناخ في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 لمناسبة انعقاد "كوب 22" في مراكش "أن المغرب سيصنع التاريخ بأول أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة لتوليد الكهرباء في ورزازات، لتأمين حاجات مليون أسرة مع إمكان توليد طاقة إضافية للتصدير إلى أوروبا". هذه الإستباقية هي نفسها التي جعلت شركة "إكس لينك" البريطانية تتعاقد مع المغرب، من أجل تزويد 8 ملايين بيت في بريطانيا بالكهرباء المستخرجة من الألواح الشمسية ومزارع الرياح البحرية، عبر كابلات تحت البحر. وهي نفسها الرؤية التي جعلت ألمانيا تبرم في يونيو/حزيران في برلين اتفاق شراكة مع الرباط لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر ابتداء من عام 2026.

ويتطلع المغرب لأن يصبح ضمن الخمسة الكبار في تصدير الهيدروجين الأخضر قبل حلول العقد المقبل، وهو التاريخ نفسه المعول عليه للوصول إلى إنتاج 52 في المئة من الكهرباء غير التقليدية، وخفض نسبة الانبعاثات الحرارية وتوفير جزء من فاتورة الطاقة الحرارية المقدرة بنحو 16 مليار دولار سنويا.

نشهد تحسنا متصاعدا في المؤشرات الماكرو اقتصادية، نحن في مرحلة تسريع النمو وتنويع الاستثمارات وتقوية تدخل الدولة الاجتماعية، ونتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي إلى 4,6% عام 2024

وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية نادية فتاح العلوي

تكلفة الطاقة والجفاف والتضخم والأزمات الدولية، كانت ثقيلة على الاقتصاد المغربي خلال السنوات المنصرمة، فقد كلفته ارتفاعا في المديونية، وتراجعا في النمو، وزيادة في أعداد العاطلين عن العمل الشباب. وقالت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي في حوار مع "المجلة"، "نشهد تحسنا ملحوظا ومتصاعدا في المؤشرات الماكرو اقتصادية، تزيد ثقة المتعاملين والشركاء، بفضل ما نحققه من إصلاحات ومنجزات. نحن في مرحلة تسريع النمو وتنويع الاستثمارات وتقوية تدخل الدولة الاجتماعية لفائدة من لم يستفيدوا من ثمار التنمية". وتوقعت أن يرتفع النمو الاقتصادي إلى 4,6 في المئة عام 2025 مع تقليص بطالة الشباب ورفع أجور العاملين والمتقاعدين، وخفض التضخم ومعدلات الفائدة والمديونية.

الدولة الاجتماعية

يحرص الملك على أن تنعكس ثمار النهضة الصناعية والاقتصادية بالإيجاب على أفراد المجتمع كافة، وتستفيد منها كل الفئات والمناطق. وتم إطلاق برامج للدعم الاجتماعي المباشر للفقراء، وهي تجربة جديدة في المغرب، حيث تمكنت نحو ثلاثة ملايين أسرة من الحصول على مساعدات مالية شهرية. ويعمل المغرب على تقوية دور الدولة الاجتماعي من خلال تغطية التأمين الصحي على المرض وتعلم الأطفال ورواتب الشيخوخة وفقدان العمل. وتقدر وزارة الاقتصاد والمالية تكلفتها بنحو 90 مليار درهم، أي نحو 9,2 مليارات دولار العام المقبل.

رؤية 2035

تتمثل رؤية 2035 في تحقيق مغرب شامل وموحد ومستدام، ويضع النموذج التنموي الجديد أهداف رفع الدخل الفردي إلى أكثر من 16 ألف دولار سنويا في العقد المقبل، ومضاعفة الصادرات ثلاث مرات عبر زيادة نسبة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، حتى يصبح الاقتصاد المغربي ضمن الاقتصادات الأربعين الأولى في العالم عوضا عن المرتبة 56 حاليا بحسب تصنيف البنك الدولي، مع استقرار عدد السكان عند 40 مليونا في الربع الأول من العقد المقبل، ووفق توقعات مندوبية التخطيط.

font change

مقالات ذات صلة