لا علاقة للسجال الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي في خصوص رواية "هوارية" لإنعام بيوض الفائزة بجائزة آسيا جبار للرواية، بالنص المتضمّن بين دفتيها والصادرة عن "دار ميم" الجزائرية التي أعلنت بسبب هذا السجال استقالتها من عالم النشر، هروبا من المواجهة التي يفترض أن تتصدّرها أيّ دار نشر تدافع عن نص نشرته وعن كاتب من كتابها.
في هذا العمل أعملت إنعام بيوض مشرط التشريح في أكثر الفترات التي عاشتها الجزائر دموية منذ استقلالها، والتي تعارف الإعلام على تسميتها بـ"العشرية السوداء" (1990-2000)، عبر قراءة نفسية واجتماعية وحتى فلسفية لأبطال تلك الفترة والمتسبّبين فيها، مطلقة عنان تحليلها على نحوٍ قد يقبل النقد بلا شكّ لاعتمادها وجهة نظر رسمية، لكنه تحليل كما يبدو برّر موقفها المناهض للتطرّف في جميع أشكاله، مما يجعل وجهة نظرها تستحق نقاشا مختلفا تماما عن الذي عمّت به مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية، التي اشتركت في سعيها للإثارة عبر اللغط والسجال المفتقر لقراءة حقيقية لرواية شُوّهت تماما، تبعتها دعوات خطيرة للجم الفكر وتقييد حرية التعبير، بحجة حماية فكرة فضفاضة تتعلق بما أطلق عليه "المساس بقيم المجتمع" في محاكاة طريفة لما يعرف في القانون الجزائري بـجنحة "التعدّي على المعلوم من الدين"، والتي سبق أن ناقش مدلولها الباحث سعيد جاب الخير في محاكاته الشهيرة التي انتهت عند حقيقة أنها فكرة تحمي "معلوما غير معلوم".
بين الفكر المتنوّر والفكر الظلامي
تصدّت رواية "هوارية" للتطرّف الديني الذي عرفته الجزائر في تسعينات القرن الماضي، لكن صاحبتها بتخفِّيها لم تتصدّ في المقابل للرأي المتطرف الذي نال من عملها وشخصها، تماما كما اختارت أن تفعل آسيا علي موسى صاحبة دار النشر التي طبعت الرواية، حيث استكانت ولم تحاول الدفاع عن كاتبتها والكتاب الذي أصدرته، لتختار في النهاية الانسحاب من النشر والتخفّي هي الأخرى، وهما بذلك فضّلتا أسلوب التجاهل ليقينهما ربما بأن جواب السفيه بما فيه، لكنه للأسف يقين لا يمكن أن يملأ قلب أو عقل أي مثقف نقدي، يفترض أنه يعلم مسبقا بوجوب المواجهة الفكرية حماية لحرية التعبير والفكر، فما لفظته قضية "جائزة آسيا جبار" ليس إلا مقدّمة لمعركة جديدة قديمة بين الفكر المتنوّر والفكر المتطرّف الظلامي، تماما كما لفظت حقيقة، كثيرا ما يسعى المثقف الجزائري إلى التستّر عليها وادّعاء عكسها، والمتعلّقة بما يعانيه منذ عقود المشهد الثقافي الجزائري من احتقان وكبت خطيرين لا يساويهما خطورة إلا الواقع الأدبي المتّسم بالتعصبّ ورفض الاختلاف، سواء كان اختلافا ثقافيا-لغويا تفرضه التركيبة الاجتماعية للمجتمع الجزائري أو اختلافا فكريا يفترض حدّا معقولا من التحاور والنقاش المبني على الاحترام. فبمجرّد إعلان أسماء الفائزين في جائزة أسيا جبّار، حتى بدأ الهمس مباشرة في مواقع التواصل الاجتماعي في خصوص علاقة المترجمة والكاتبة إنعام بيوض الفائزة روايتها "هوارية" بالجائزة ببعض أعضاء لجنة التحكيم، ودور هؤلاء في منحها الجائزة، من دون أن يعير الهامسون بالاً بمكانة بعض هؤلاء المحكمين ووزنهم الأدبي على المستويين المحلي والعربي، تماما كما حصل عام 2017 حين فاز بالجائزة الروائي مرزاق بقطاش، صاحب النصوص السردية المؤسِّسة، وأحد أكثر الساردين تأثيرا في المتن الروائي الجزائري، حيث اعتبر غير أهل للحصول عليها عن روايته "المطر يكتب سيرته"، رغم جودتها السردية الواضحة، وانعدام أي تبرير نقدي يدعم هذا الزعم.