بعد أشهر من الضغوط المتزايدة من مختلف الجهات، بما فيها حزبه، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في 21 يوليو/تموز قراره بسحب ترشحه لانتخابات 2024. وينظر البعض إلى هذا القرار على أنه شهادة على زعامته ووطنيته العميقة، حيث قدم مصلحة الأمة على مصلحته الشخصية.
ويشعر آخرون بمشاعر مختلطة، حيث يمتزج الارتياح لتخليه أخيرا عن منصبه، بالقلق والخوف من أن يكون القرار قد أتى متأخرا جدا لتغيير نتيجة المنافسة الرئاسية، التي لم يتبق لها سوى 100 يوم فقط. وعلى الرغم من أنه لا يزال أمامه ما يقرب من ستة أشهر في ولايته، فإن قرار بايدن بإنهاء محاولته لإعادة انتخابه يطوي الصفحة فعليا على فترة ولايته ويفتح باب النقاش حول إرثه السياسي.
الإرث هاجس يلاحق الجميع، لكن المخاطر تكون في أعلى مستوياتها عند اقتراب الرئيس من نهاية حياته السياسية. وتتسم مسيرة جو بايدن الطويلة بالغنى والتنوع في الأدوار والمساهمات. حيث شغل منصب عضو مجلس الشيوخ الأميركي من عام 1973 إلى 2009، ثم تولى منصب نائب الرئيس من 2009 إلى 2017. وخلال حياته المهنية، كان لبايدن دور محوري في إعادة تشكيل النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
كنائب للرئيس ثم كرئيس، لعب جو بايدن دورا حيويا في إعادة تشكيل دور أميركا في عالم متغير، حيث صعدت الصين وأكدت القوى الناشئة استقلالها. وبصفته رئيسا، قدم بايدن تشريعات رائدة لتعزيز الاستثمارات في المناخ على نطاق غير مسبوق في الولايات المتحدة. كما عمل أيضا على طمأنة حلفاء الولايات المتحدة من خلال إعادة تأكيد التزام أميركا بالاتفاقات المتعددة الأطراف التي هددت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بالانسحاب منها. ومع ذلك، قد لا يؤثر أي من هذه الإنجازات على الطريقة التي سيُذكر بها بقدر ما ستؤثر نتيجة الانتخابات المقبلة.
يعتمد إرث جو بايدن الآن بشكل كبير على من سيتولى المكتب البيضاوي في يناير/كانون الثاني المقبل. فإذا تمكن الديمقراطيون من هزيمة دونالد ترمب، فسيُعتبر بايدن الرئيس الذي تمكن من هزيمة ترمب ليس مرة واحدة، بل مرتان. وعلى الرغم من أن عملية اختيار مرشح ديمقراطي جديد تتقدم بسرعة، فإن النتيجة التي يأملها بايدن ليست مضمونة بعد. حيث تلقت نائبة الرئيس كامالا هاريس، بعد ترشيحها لتحل محله، بسرعة دعما كبيرا من زعماء الحزب الديمقراطي، مما جعلها المرشحة الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب لعام 2024.
قدم بايدن تشريعات رائدة لتعزيز الاستثمارات في المناخ على نطاق غير مسبوق في الولايات المتحدة. كما عمل أيضا على طمأنة حلفاء الولايات المتحدة
كما حطمت هاريس الرقم القياسي لجمع التبرعات السياسية في الولايات المتحدة بجمع 81 مليون دولار في غضون 24 ساعة، مما يظهر قدرتها على جذب قاعدة أوسع من الناخبين الأميركيين مقارنة ببايدن. ومع ذلك، لا تزال معظم استطلاعات الرأي التي أجريت بعد إعلان بايدن عن عدم ترشحه لإعادة الانتخاب تظهر تقدم ترمب بهامش ضيق. ولكن، يمكن أن يتغير الكثيرحتى نوفمبر/تشرين الثاني.
وعلى العكس من ذلك، إذا خسر الديمقراطيون الانتخابات، فإن إرث بايدن سيتخذ منعطفا مختلفا تماما. فمن المرجح أن يُلام على عدم تنحيه في وقت مبكر، مما ترك لحزبه وقتا غير كاف للتجمع وشن حملة ناجحة. والأدهى من ذلك بالنسبة لإرث بايدن، أنه قد يُنظر إليه على أنه الشخص الذي أعاد الرئاسة إلى دونالد ترمب على طبق من فضة.
وبينما لا يزال الحكم النهائي على إرث جو بايدن في الداخل قيد الانتظار، يعتقد كثيرون في العالم العربي وخارجه أن خياراته في السياسة الخارجية شوهت هذا الإرث بالفعل. وكما أن سوريا ستلطخ إلى الأبد إرث أوباما بسبب قراره بعدم التدخل، فقد يتشوه إرث بايدن بسبب سياساته بشأن غزة، حيث دعم إسرائيل بقوة وفشل في إنقاذ أرواح الفلسطينيين، وكان بطيئا في اتخاذ تدابير حاسمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخروج الكارثي من أفغانستان، الذي كان مدمرا للسكان المحليين ومذلا للولايات المتحدة بعد مهمة استمرت عشرين عاما، سيترك أيضا وصمة عار دائمة على إرثه.
وسيتضح في نوفمبر ما إذا كان الأميركيون سيشعرون بخيبة الأمل أو السخط عندما يفكرون في رئاسة بايدن.