في 7 يوليو/تموز 2024 وصل الأراضي السورية وتحديدا إلى منطقة مخيمات الكرامة في ريف إدلب الشمالي أول جثمان لأحد المقاتلين في صفوف الفصائل السورية الموالية لتركيا، بعد مقتله في النيجر.
وينحدر هذا المقاتل، بحسب رامي عبدالرحمن مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" من قرية الجنابرة في ريف حماة الشمالي، وكان قد قتل في كمين من قبل جماعات إسلامية استهدفت مجموعة هذا العنصر. ويضيف عبدالرحمن لـ"المجلة" أن "عدد القتلى من المرتزقة السوريين الذين يقاتلون مع تركيا في النيجر بلغ 9 قتلى في مايو/أيار الماضي رغم مزاعم عن وجود عدد أكبر من ذلك".
لكن كيف وصل هؤلاء السوريون إلى النيجر؟ ولماذا اختاروا النيجر؟ ولصالح من يعملون هناك؟ وما هو المقابل الذي يسافرون من أجله؟
عندما سمع "عبدالله" (وهو اسم مستعار لشخص يبلغ 28 عاما) عن بدء تسجيل أسماء مقاتلين للسفر إلى النيجر مقابل راتب شهري قدره 1500 دولار، لم يتردد هو الآخر في تسجيل اسمه فقد وجد فيها فرصة لتحسين وضعه المادي بعد أن كان يتقاضى قرابة 45 دولارا شهريا من فصيل "الحمزة" الذي يقاتل معه.
"عبدالله" ، الذي شدد على عدم نشر اسمه الحقيقي أو أي معلومات تشير إلى مكان إقامته، ينتظر دوره للسفر من نقطة الانطلاق المتفق عليها في قرية حوار كلس شمال غربي سوريا والتي تبعد كيلومترين جنوب الحدود مع ولاية كلس التركية.
وهو اليوم بانتظار إشارة الانطلاق من قائده في الفصيل العسكري "الحمزة"، الذي بحسب "المرصد السوري"، هو أحد الفصائل المسؤولة عن تأمين عناصر عسكرية لصالح الأتراك للسفر للنيجر إلى جانب كل من "فرقة السلطان مراد" وبعض فصائل "الجيش الوطني".
شروط السفر
شروط السفر تفرض على عبدالله القدوم بملابسه المدنية دون اصطحاب أي غرض معه، حتى الهواتف المحمولة ممنوعة، وفي حال رغب لاحقا في التواصل مع عائلته خلال وجوده في النيجر يمكنه القيام بذلك من خلال موبايل قائد مجموعته هناك مرة واحدة أسبوعيا.
لكن كل ذلك ليس مهما بالنسبة إلى عبدالله. ما يهمه هو المبلغ الذي سوف يتقاضاه بعد عودته إلى بلاده مجددا بعد 6 أشهر وهي مدة العقد، رغم أنه يعرف تمام المعرفة أن المبلغ الذي سيصل إليه أقل من المبلغ المذكور في العقد، فأحد الشروط قبل توقيع العقد أن يتنازل عن 30 في المئة من الراتب للفصيل كي يسمح له بالمشاركة، وهو ما لم يمانع فيه عبدالله لذلك عوضا عن تقاضيه مبلغ 1500 دولار شهريا المذكورة في العقد سيقبض قرابة 1050 دولار شهريا.
ورغم أن هذا الشاب لا يملك أدنى فكرة عن تفاصيل المهمة التي سوف توكل إليه، فإنه لا يشعر بالخوف من الموت هناك، فبالنسبة إليه "الموت واحد سواء قتلت هناك أو قتلت هنا"، مضيفا أنه "في حال قضيت حتفي في النيجر فقد تلقيت وعودا بأنهم سوف يدفعون تعويضا لعائلتي مقداره 20 ألف دولار".
انتظار إشارة الانطلاق
وقد وثق "المرصد السوري" إرسال قرابة ألف مقاتل إلى النيجر خلال العام الماضي. وأوضح رامي عبدالرحمن أن "الرقم قد يزيد قليلا لأن المرتزقة يعودون وتخرج دفعات جديدة".
رحلة الوصول إلى النيجر أكبر دول غرب أفريقيا جغرافياً تبدأ من مطار غازي عنتاب التركي بطائرات عسكرية تتوجه نحو مطار بوركينا فاسو ومنه يتم نقل هؤلاء السوريين إلى معسكرات تقع على حدود النيجر.
النيجر ذلك البلد الأفريقي الذي لا يعلم عنه "جمال" (اسم مستعار) شيئا، معلوماته تقتصر عما سمعه من أصدقاء له سبقوه وهي أن "القتال هناك أسهل من القتال على جبهات ليبيا وإقليم ناغورنو كارباخ"، ويضيف خلال حديثه معنا: "لا أعرف شيئا عن النيجر سوى أنها تقع في أفريقيا، وأنه منذ بداية العام بدأ مقاتلون في سوريا يلتحقون بمعسكرات في سوريا للتدريب ومن ثم قتال (داعش) وحراسة مناجم هناك".يأمل "جمال" في أن يتم فرزه كحارس للمناجم، لأنه وعلى حد وصفه هي من المهمات السهلة وأن من سبقوه لم يشعروا بالوقت ومرت مهمتهم سهلة مقارنة بمن وجد نفسه على جبهة قتاالشاب ذو الـ23 عاما خسر والده وأخاه في السجون السورية وهو ما يزال طفلا ليجد نفسه مسؤولا عن أمه وإخوته، ومنذ فقدانه التواصل تماما مع والده وأخيه عام 2013 اشتغل بأعمال مختلفة، آخرها كان الالتحاق بفصيل "السلطان مراد"، يقول: "القتال هو الأمر الوحيد الذي أمن لي راتبا بشكل ثابت شهريا"وبالنسبة إليه فإن فرصة القتال في النيجر هي "حبل النجاة" بعد كل تلك الأعوام للخروج من الخيمة وتحسين أوضاع معيشته وعائلته، يقول "هذه هي فرصتي لتغيير حياتي والخروج من الخيمة التي أعيش فيها منذ أعوام، أكره هذه الخيمة لم يعد أمامي أي طريقة لتغيير هذا الواقع إلا السفر إلى النيجر".