"مرتزقة" سوريون لـ"المجلة" قبل الذهاب إلى النيجر: الموت واحد هنا أو هناك

ليست المرة الأولى التي يشارك فيها سوريون في عمليات لصالح تركيا

أ ف ب
أ ف ب
احتفال بانجاز أبنية سكنية مولتها تركيا في منطقة الغندورة في بلدة جرابلس في 24 مايو 2023

"مرتزقة" سوريون لـ"المجلة" قبل الذهاب إلى النيجر: الموت واحد هنا أو هناك

في 7 يوليو/تموز 2024 وصل الأراضي السورية وتحديدا إلى منطقة مخيمات الكرامة في ريف إدلب الشمالي أول جثمان لأحد المقاتلين في صفوف الفصائل السورية الموالية لتركيا، بعد مقتله في النيجر.

وينحدر هذا المقاتل، بحسب رامي عبدالرحمن مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" من قرية الجنابرة في ريف حماة الشمالي، وكان قد قتل في كمين من قبل جماعات إسلامية استهدفت مجموعة هذا العنصر. ويضيف عبدالرحمن لـ"المجلة" أن "عدد القتلى من المرتزقة السوريين الذين يقاتلون مع تركيا في النيجر بلغ 9 قتلى في مايو/أيار الماضي رغم مزاعم عن وجود عدد أكبر من ذلك".

لكن كيف وصل هؤلاء السوريون إلى النيجر؟ ولماذا اختاروا النيجر؟ ولصالح من يعملون هناك؟ وما هو المقابل الذي يسافرون من أجله؟

عندما سمع "عبدالله" (وهو اسم مستعار لشخص يبلغ 28 عاما) عن بدء تسجيل أسماء مقاتلين للسفر إلى النيجر مقابل راتب شهري قدره 1500 دولار، لم يتردد هو الآخر في تسجيل اسمه فقد وجد فيها فرصة لتحسين وضعه المادي بعد أن كان يتقاضى قرابة 45 دولارا شهريا من فصيل "الحمزة" الذي يقاتل معه.

 رويترز
قادة انقلاب النيجر أثناء تجمع لمؤيديهم في العاصمة نيامي في 26 اغسطس 2023

"عبدالله" ، الذي شدد على عدم نشر اسمه الحقيقي أو أي معلومات تشير إلى مكان إقامته، ينتظر دوره للسفر من نقطة الانطلاق المتفق عليها في قرية حوار كلس شمال غربي سوريا والتي تبعد كيلومترين جنوب الحدود مع ولاية كلس التركية.

وهو اليوم بانتظار إشارة الانطلاق من قائده في الفصيل العسكري "الحمزة"، الذي بحسب "المرصد السوري"، هو أحد الفصائل المسؤولة عن تأمين عناصر عسكرية لصالح الأتراك للسفر للنيجر إلى جانب كل من "فرقة السلطان مراد" وبعض فصائل "الجيش الوطني".

شروط السفر

شروط السفر تفرض على عبدالله القدوم بملابسه المدنية دون اصطحاب أي غرض معه، حتى الهواتف المحمولة ممنوعة، وفي حال رغب لاحقا في التواصل مع عائلته خلال وجوده في النيجر يمكنه القيام بذلك من خلال موبايل قائد مجموعته هناك مرة واحدة أسبوعيا.

لكن كل ذلك ليس مهما بالنسبة إلى عبدالله. ما يهمه هو المبلغ الذي سوف يتقاضاه بعد عودته إلى بلاده مجددا بعد 6 أشهر وهي مدة العقد، رغم أنه يعرف تمام المعرفة أن المبلغ الذي سيصل إليه أقل من المبلغ المذكور في العقد، فأحد الشروط قبل توقيع العقد أن يتنازل عن 30 في المئة من الراتب للفصيل كي يسمح له بالمشاركة، وهو ما لم يمانع فيه عبدالله لذلك عوضا عن تقاضيه مبلغ 1500 دولار شهريا المذكورة في العقد سيقبض قرابة 1050 دولار شهريا.

ورغم أن هذا الشاب لا يملك أدنى فكرة عن تفاصيل المهمة التي سوف توكل إليه، فإنه لا يشعر بالخوف من الموت هناك، فبالنسبة إليه "الموت واحد سواء قتلت هناك أو قتلت هنا"، مضيفا أنه "في حال قضيت حتفي في النيجر فقد تلقيت وعودا بأنهم سوف يدفعون تعويضا لعائلتي مقداره 20 ألف دولار".

انتظار إشارة الانطلاق

وقد وثق "المرصد السوري" إرسال قرابة ألف مقاتل إلى النيجر خلال العام الماضي. وأوضح رامي عبدالرحمن أن "الرقم قد يزيد قليلا لأن المرتزقة يعودون وتخرج دفعات جديدة".

رحلة الوصول إلى النيجر أكبر دول غرب أفريقيا جغرافياً تبدأ من مطار غازي عنتاب التركي بطائرات عسكرية تتوجه نحو مطار بوركينا فاسو ومنه يتم نقل هؤلاء السوريين إلى معسكرات تقع على حدود النيجر.

النيجر ذلك البلد الأفريقي الذي لا يعلم عنه "جمال" (اسم مستعار) شيئا، معلوماته تقتصر عما سمعه من أصدقاء له سبقوه وهي أن "القتال هناك أسهل من القتال على جبهات ليبيا وإقليم ناغورنو كارباخ"، ويضيف خلال حديثه معنا: "لا أعرف شيئا عن النيجر سوى أنها تقع في أفريقيا، وأنه منذ بداية العام بدأ مقاتلون في سوريا يلتحقون بمعسكرات في سوريا للتدريب ومن ثم قتال (داعش) وحراسة مناجم هناك".يأمل "جمال" في أن يتم فرزه كحارس للمناجم، لأنه وعلى حد وصفه هي من المهمات السهلة وأن من سبقوه لم يشعروا بالوقت ومرت مهمتهم سهلة مقارنة بمن وجد نفسه على جبهة قتاالشاب ذو الـ23 عاما خسر والده وأخاه في السجون السورية وهو ما يزال طفلا ليجد نفسه مسؤولا عن أمه وإخوته، ومنذ فقدانه التواصل تماما مع والده وأخيه عام 2013 اشتغل بأعمال مختلفة، آخرها كان الالتحاق بفصيل "السلطان مراد"، يقول: "القتال هو الأمر الوحيد الذي أمن لي راتبا بشكل ثابت شهريا"وبالنسبة إليه فإن فرصة القتال في النيجر هي "حبل النجاة" بعد كل تلك الأعوام للخروج من الخيمة وتحسين أوضاع معيشته وعائلته، يقول "هذه هي فرصتي لتغيير حياتي والخروج من الخيمة التي أعيش فيها منذ أعوام، أكره هذه الخيمة لم يعد أمامي أي طريقة لتغيير هذا الواقع إلا السفر إلى النيجر".

فصيل "الحمزة" العسكري، هو أحد الفصائل المسؤولة عن تأمين عناصر عسكرية لصالح الأتراك للسفر للنيجر إلى جانب كل من "فرقة السلطان مراد" وبعض فصائل "الجيش الوطني"

رغم الحديث عن وجود قيادات روسية في النيجر مسؤولة عن هؤلاء العناصر فإن ذلك الأمر لن يشكل عائقا بالنسبة إلى جمال وخاصة أنه سمع ممن سافروا قبله أنهم لم يروا الروس هناك ولم يكونوا موجودين في أي نقطة عسكرية وجدوا هم فيها. يقول موضحا: "سأقاتل داعش هناك".
وتشمل الجماعات الإرهابية النشطة في النيجر تنظيم "الدولة الإسلامية– الساحل" (المعروفة سابقا باسم داعش في الصحراء الكبرى)، وجماعة "بوكو حرام"، وتنظيم "الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا"، وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" الارهابي.
وقد نفذت هذه المنظمات ما لا يقل عن 180 هجوما في النيجر خلال عام 2022.

أ ف ب
مقاتلون سوريون مؤيديون لتركيا يشاركون في عرض عسكري في بلدة عفرين في شمال سوريا في 23 نوفمبر 2022

أما فيما يتعلق بالوجود الروسي في النيجر فقد شهدت البلاد تغيرات في أوضاعها بعد انقلاب أطاح بالرئيس محمد بازوم في يوليو/تموز 2023، الانقلاب جاء لصالح النفوذ الروسي في المنطقة ووجوده عسكريا.
ووفقا للتلفزيون الرسمي النيجري وصل في أبريل/نيسان الماضي مدربون عسكريون روس ضمن اتفاق لتعزيز التعاون بين المجلس العسكري في النيجر وروسيا، وقال: "إنهم سيقدمون التدريب والمعدات للجيش النيجري".
بينما تربط تركيا بالنيجر علاقات قوية على الصعد التجارية والعسكرية والأمنية؛ إضافة إلى نشاطات تركية في عمليات تنقيب في ثلاثة حقول في النيجر.

حراسة مناجم الذهب… والقوات التركية

هذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها سوريون في عمليات مختلقة لصالح الأتراك خارج الأراضي السورية، فقد قاتلوا في ليبيا. وبحسب "المرصد السوري" لا تزال هناك دفعات تخرج بشكل دوري إلى ليبيا، مع العلم أن مجموع المقاتلين هناك وصل إلى 14 ألف مقاتل ثم اقتصر على عدد محدود لحراسة القواعد التركية.
وأيضا في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا، والذي قتل فيه 293 مسلحا من أصل 2580 أرسلتهم تركيا للقتال، ولا يزال هناك أسرى منهم في قبضة الأرمن مجهولو المصير حتى هذه اللحظة بحسب معلومات شاركها معنا "المرصد السوري لحقوق الإنسان".
أما في النيجر فالمهام الموكلة لهؤلاء المقاتلين بحسب عبدالرحمن هي "حراسة مناجم الذهب وحراسة القوات التركية وحمايتها من الجماعات الإسلامية".
وأشار عبدالرحمن في حديثه مع "المجلة" إلى وجود شركة أمنية أسسها قائد فصيل "السلطان مراد" السورية "فهيم عيسى"، مقرها في تركيا هي التي تعاقدت مع شركة أمنية تركية اسمها "سادات" (Sadat)  التي تقوم بدورها بنقل "المرتزقة" إلى النيجر، معتبرا أن "تجنيد الشركة التركية للسوريين جريمة يحاسب عليها القانون الدولي".
وكان "المرصد" قد حذر من استغلال الحكومة التركية لأوضاع السوريين وتحويلهم إلى مرتزقة للقتال في أفريقيا وغيرها.
ولكنها ليست المرة الأولى التي يظهر فيها اسم الشركة إلى العلن فيما يتعلق بتجنيد سوريين، ففي وقت سابق تحدثت القيادة الأميركية في أفريقيا، (أفريكوم) عن المرتزقة السوريين الذين يقاتلون مع الحكومة في طرابلس بليبيا بأنهم "عديمو الخبرة وغير متعلمين ومدفوعون بوعود رواتب كبيرة"، وقالت إن شركة "سادات" العسكرية التركية الخاصة أشرفت على المرتزقة ودفع رواتبهم.
ياسين (اسم مستعار) البالغ من العمر 25 عاما كان أحد المقاتلين في ليبيا، انضم إلى القتال في بداية عام 2023، يقول لنا إنه انضم للقوات المقاتلة في ليبيا عن طريق فصيل "سلطان سليمان شاه" المعروف في شمال سوريا باسم "العمشات".
تلقى ياسين تدريبا لمدة 3 أشهر في قرية الشيخ حديد شمال غربي مدينة حلب، وبعد انتهاء التدريبات انتقل عبر باصات إلى مطار غازي عنتاب التركي بعدها إلى العاصمة التركية أنقرة وصولا للمحطة الأخيرة عبر طائرة عسكرية في مطار بنغازي بليبيا، وهناك تم فرزه بين نوبات قتال ورباط.
كان ياسين يشعر بالخوف بحسب وصفه، فقد كانت تلك المرة الأولى التي يقاتل فيها خارج سوريا، لكن تلك الفترة كانت سببا في تغيير وضعه المادي خاصة أن راتبه الشهري كان ألفي دولار.
بعد عودته لمناطق الشمال السوري قام ياسين بافتتاح محل صغير بالمبلغ الذي جمعه بعد قتاله في ليبيا الذي وصفه بأنه كان "صعبا للغاية وشرسا، الكثيرون قتلوا هناك، أو تم أسرهم، وهناك من تم دفنه في ليبيا وهناك من تم نقل جثمانه للبلاد".
وعندما سألناه: "هل تفكر في الانضمام للعناصر التي تتوجه إلى النيجر؟"، أجاب بالنفي، موضحا أنه لولا الفقر والعوز لم يكن حتى ليسافر إلى ليبيا، وما إن حقق هدفه بجمع مبلغ من المال فإنه لن يكرر القتال خارج بلاده.

دور الشركة التركية

شركة "سادات" التركية ومقرها إسطنبول تعرّف عن مهمتها بحسب موقعها الرسمي أنها من أجل "تقديم الخدمات في مجالات الاستشارات الاستراتيجية، والتدريب والتجهيز الخاص بالدفاع والأمن الداخلي لتنظيم القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي على الصعيد الدولي، وخلق بيئة تعاون في مجال الدفاع والصناعات الدفاعية بين الدول الإسلامية ومساعدة العالم الإسلامي لأخذ مكانتها المستحقة كقوة عسكرية مكتفية ذاتيا بين القوى العظمى".

رحلة الوصول إلى النيجر تبدأ من مطار غازي عنتاب التركي بطائرات عسكرية تتوجه نحو مطار بوركينا فاسو ومنه يتم نقل هؤلاء السوريين إلى معسكرات تقع على حدود النيجر

الشركة خرجت مؤخرا تنفي دورها في نقل مرتزقة سوريين إلى النيجر، وجاء ذلك في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي على مختلف المنصات الاجتماعية تقول فيه إن "الادعاء بأن شركة سادات الدفاعية أرسلت مرتزقة سوريين إلى النيجر لا علاقة له بالواقع على الإطلاق، لم تشارك سادات الدفاعية في أي أنشطة تتعلق بسوريا و/أو النيجر حتى الآن".
ولكن في الوقت نفسه يؤكد مدير "المرصد السوري" على دور هذه الشركة في نقل مرتزقة سوريين إلى النيجر رغم أن "الأتراك يخنقون مصادرنا، والاتصالات ممنوعة، لكن مصادرنا تمدنا بالمعلومات من هناك كلما أتيحت لهم فرصة بالتواصل، فنشر المعلومات عن المرتزقة ممنوع ويعرض صاحبه للمساءلة وتهمته الخيانة".

font change

مقالات ذات صلة