في ذروة منافسات بطولة أوروبا لكرة القدم، منتصف الشهر الماضي، فوجئ ملايين البولنديين بعطل حرمهم من مشاهدة الشوط الأول من مباراة بلادهم أمام هولندا؛ بعدها بأسبوع، تكرر الأمر، وإن لوقت أقصر، خلال المواجهة مع النمسا؛ وقد اتضح أن الواقعتين اللتين استهدفتا شبكة التلفزيون الوطنية «تي في بي»، عبارة عن هجمتين سيبرانيتين من نوع يعرف بـالهجوم الموزع لحجب الخدمة، وهو استهداف يغرق المواقع والخوادم بزيارات مصطنعة لتعطيل الوصول إلى خدماتها.
قبل يوم واحد من الافتتاح الرسمي لأولمبياد باريس؛ استهدفت مجموعات مجهولة شبكة القطارات الفرنسية الفائقة السرعة بهجمات سيبرانية أدت الى تعطيل بعض خطوط السكك الحديد في فرنسا. لم يكن ذلك الهجوم غير متوقع؛ إذ قال العديد من المسؤولين إنهم يتوقعون أكثر من 4 مليارات حادث سيبراني أثناء الأولمبياد، وأدوا أن فرنسا استعدت لمواجهة تلك الهجمات بأول مركز موحد للأمن السيبراني في تاريخ الأولمبياد وبفرق مخابراتية ونماذج الذكاء الاصطناعي؛ إلا أن تلك الاستعدادات يبدو أنها لم تفلح في صد الهجوم على شبكة القطارات.
تتنوع الأهداف وراء الهجمات السيبرانية في هذا الحدث الذي يتابعه الملايين حول العالم ويحقق مليارات المشاهدات، فمنها أسباب اقتصادية بحتة، وأيضا أسباب سياسية تهدف الى تشويه سمعة فرنسا على المستوى الدولي.
تعتبر الأولمبياد فرصة كبيرة للمخترقين الإلكترونيين، شأنها شأن أحداث رياضية أخرى ككأس العالم لكرة القدم وكرة القدم الأميركية. حيث ارتفع عدد الهجمات السيبرانية من 212 مليون هجمة موثقة في أولمبياد لندن عام 2012 إلى 4.4 مليار هجمة في ألعاب طوكيو عام 2020، وفقا لشركة "فورتنايت" الأميركية العاملة في مجال الأمن السيبراني.
إذن، ما هو حجم الأخطار التي تحيط بدورة الألعاب الأولمبية؟ ومن هم الأطراف الذين يقفون وراء تلك الأخطار؟ والأهم، هل قامت فرنسا بكل ما يلزم من حماية البنية التحتية لجميع مؤسساتها ولما يقرب من نحو 15 مليون سائح أتوا إلى فرنسا لمشاهدة هذا العرس الرياضي؟
حجم التهديدات
من الطبيعي أن تستغل الدولة المنظِّمة الأحداث الرياضية العالمية لإثبات قدراتها التنظيمية والتكنولوجية في احتواء أحداث بحجم الأولمبياد، لأنها فرصة كبيرة جدا ويشاهدها ملايين من المتابعين الذين يحبون العديد من الرياضات المختلفة. ويشكل السبب الأخير دافعا ومحفزا أيضا للعديد من الفاعلين في مجال الهجمات السيبرانية لأسباب مالية وسياسية.
وفي الغالب؛ تكون الدوافع المالية مغرية إلى حد كبير للقيام بهجمات اصطياد إلكتروني أو هجمات دفع الفدية نظرا الى كبر الأهداف وتعددها، وما يتضمنه ذلك من شبكات وأجهزة في ما يعرف بـ "سطح الهجوم". فكلما زادت أعداد الأجهزة وتعددت الشبكات المرصودة زاد حجم الضرر اللاحق بالضحايا، من سرقة بياناتهم أو تشفير أجهزتهم وشبكاتهم مقابل دفع أموال كبيرة، وبالتالي تزداد العوائد المالية للمهاجمين.