شي جين بينغ متمسك بشدة بالقطاع الخاص

يوازن ذلك مع التزامه الثابت بالمؤسسات المملوكة للدولة أيضا

أ.ب.
أ.ب.
أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، يتوسطهم الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال الجلسة العامة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في بكين، 18 يوليو 2024.

شي جين بينغ متمسك بشدة بالقطاع الخاص

تتسم طبيعة الزعيم الأعلى للصين شي جين بينغ بالتعقيد والتناقض. ففلسفته الاقتصادية تروج للاعتماد على الذات والانفتاح في آن واحد. وتتبنى رؤيته لصنع السياسات التصميم من الأعلى إلى الأسفل، لكنها تشجع أيضا على التجربة من الأسفل إلى الأعلى. في أثناء جائحة "كوفيد-19"، حث المسؤولين المحليين على القضاء على العدوى (وذلك يتطلب فرض الإغلاقات غالبا) وتعزيز النمو (وذلك يتطلب التنقل).

وتنطوي دعوته الأخيرة لتنمية "القوى الإنتاجية الجديدة" على دعم التقنيات المتقدمة، ولكن من دون إهمال الصناعات التقليدية. الشيوعيون يتعلمون الإيمان بقوة القوى المتناقضة، كما قالت شركة "تريفيوم" الاستشارية ذات يوم. لذا يتوقع السيد شي "أن يتأقلم رفاقه مع ذلك".

يمكن أن تكون أولويات السيد شي محيرة للآخرين. لنأخذ على سبيل المثل "الثابتين"، أحد شعاراته المفضلة، التي ترددت كثيرا في العام الماضي أو نحو ذلك. يشير هذا الشعار إلى الالتزام الثابت للحزب الشيوعي بالاقتصاد المملوك للدولة والمؤسسات الخاصة. أما التعهد، الذي يترجم أحيانا إلى "الاثنين اللذين لا يتزعزعان" أو "الاثنين اللذين لا يتغيران"، فظهر للمرة الأولى في عهد أسلاف السيد شي. وأعيد تأكيده في سنة 2013 عندما وعد حزبه "بتشجيع القطاع غير العام ودعمه وتوجيه تطويره بثبات". ولا شك في أنه سيظهر في "الجلسة العامة الثالثة" المقبلة، وهي جلسة تعقد مرتين كل عشر سنوات مخصصة للإصلاحات الطويلة الأجل، وستعقد بين 15 و18 يوليو/تموز.

تذبذبت حظوظ الشركات الخاصة في الصين، بلغت حصتها من الاستثمار 59% في سنة 2014، وفقا للأرقام الرسمية. لكن تلك النسبة انخفضت وبلغت 50 % في نهاية العام الماضي

لكن ماذا تعني هذه الصيغة؟ للوهلة الأولى، يبدو أن كل ثابت يتعارض مع الآخر. ووفقا لفرانكلين ألين من كلية "إمبريال كوليدج" في لندن ومؤلفين آخرين، فإن الحكومة تتمتع بدرجة من الملكية في ما يقرب من 867,000 شركة في الصين. والموارد الحقيقية نادرة، خلافا لشعارات الحزب. وهكذا فإن كل أرض أو عمالة أو رأسمال تستخدمه المؤسسات المملوكة للدولة في الصين لا يعود متاحاً للشركات الخاصة الأكثر اجتهادا. لذا لا بد أن يأتي الالتزام بشكل من أشكال الملكية على حساب الآخر.

لا شك في أن حظوظ الشركات الخاصة تذبذبت في الصين. فقد بلغت حصتها من الاستثمار 59 في المئة في سنة 2014، وفقا للأرقام الرسمية. لكن تلك النسبة انخفضت منذ ذلك الحين، وفي نهاية العام الماضي، بلغت 50 في المئة فحسب.

رواد الأعمال والقمع والغرامات

بدلا من الدعم، عانى رواد الأعمال في القطاع الخاص في الصين من الغرامات والاحتجاز والقمع. فقبل ثلاث سنوات، كانت الشركات الخاصة تستأثر بـ 55 في المئة من القيمة السوقية لأكبر 100 شركة مدرجة في الصين، وفقا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي. وفي نهاية العام الماضي، بلغت تلك النسبة 37 في المئة.

القطاع الخاص في بكين لم يُضعف الاقتصاد المملوك للدولة، بل حسّن كفاءة الشركات المملوكة للدولة وحفز حيويتها

شياوهوان لان، استاذ في جامعة فودان

لكن الثابتين أكثر توافقا مما يبدوان عليه. فمع أن من المرجح أن تزدهر الشركات الخاصة في غياب المؤسسات التي تمتلكها الدولة، فإن العكس غير صحيح دائما. الشركات الخاصة المنافسة تجعل أخصامها من الشركات التي تمتلكها الدولة أفضل، أي أكثر كفاءة واستجابة لمتطلبات السوق. ونظرا لأن قادة الصين لا يمكنهم التخلي عما تمتلكه الحكومة، فإنهم يريدون الاستفادة القصوى مما تبقى منها. وهم يقدّرون المنشآت الخاصة جزئيا لأن مثالها القوي وتهديد المنافسة الخاصة يمكن أن يساعدا في تحسين أداء الشركات المملوكة للدولة. وقد رأى تنغ تاي، مدير معهد وانبو للأبحاث الاقتصادية الجديدة عند إطلاق كتابه الجديد عن القطاع الخاص في بكين، أن الاقتصاد الخاص "لم يُضعف الاقتصاد المملوك للدولة، بل حسّن كفاءة الشركات المملوكة للدولة وحفز حيويتها".

القطاع الخاص يتراجع تلقائيا

تخشى الشركات الخاصة من أن تزاحمها الشركات المملوكة للدولة: "تتقدم الدولة، ويتراجع القطاع الخاص"، كما يقول الصينيون أحيانا. ولكن منذ الأزمة المالية العالمية 2007-2009، تراجع القطاع الخاص من تلقاء نفسه في الغالب، استجابة لتراجع السوق، وليس لتقدم الدولة. وفي هذه الحالات، كان استثمار الجهات المملوكة للدولة، بما في ذلك شركات البنية التحتية التابعة للحكومات المحلية، يملأ الفجوة في الطلب التي تركها القطاع الخاص المتراجع. وفي الشهر المنصرم، رأى يانغ جنغ من معهد الماركسية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن الشركات المملوكة للدولة توفر "ثقل التوازن" وتقوم بدور "عامل التثبيت". ولا تحرم الشركات الخاصة من العمالة والأرض ورأس المال التي تستوعبها هذه الشركات إذا لم تكن ستستخدمها البتة.

تستطيع الشركات الخاصة الاستفادة من استثمارات الشركات المملوكة للدولة. ويشير شياوهوان لان من جامعة فودان إلى أن الروابط بين الصناعات "تشبه شبكة عنكبوت عملاقة". ويستشهد بـ"مجموعة بي أو إي للتكنولوجيا"، التي تطورت من شركة مملوكة للدولة لصناعة أنابيب التفريغ. فقد ساعد بروزها بوصفها أكبر شركة صينية لصناعة الشاشات الرقمية في كسر الهيمنة الأجنبية لصالح الشركات الخاصة التي تصنع التلفزيونات والهواتف.

يردد مسؤولو الحزب باستمرار أن رواد الأعمال في القطاع الخاص هم "رجالنا". وربما يكون ذلك مطمئنا لرجال الأعمال الذين يخشون وصمهم بالجشع أو عدم الوطنية أو الفساد

يتسم التزام الحزب الذي لا يتزعزع بالملكية الخاصة بطابع غريب أيضا. في دول أخرى، تظهر الحكومات دعمها للشركات الخاصة بالابتعاد عن الطريق. أما في الصين فإن التزام الحزب بالقطاع الخاص يشمل تعهدا بـ"التوجيه". ويمكن أن يتراوح ذلك من الإعانات إلى القيود التنظيمية. ويمكن أن ينفذ أيضا من طريق المنظمات الحزبية داخل الشركات الخاصة التي نما عددها واشتد نفوذها. في سنة 2020، حث الحزب هذه المنظمات على توجيه أعضاء الشركات الخاصة بقوله، "سلحوا عقولهم ووجهوا ممارساتهم بفكر شي جين بينغ"، وعززوا "تماهيهم السياسي والفكري والعاطفي مع الحزب الشيوعي الصيني".

أ.ف.ب.
عمال في مصنع قطع غيار للدراجات، في مدينة هانغشو في مقاطعة تشجيانغ شرق الصين، 15 يوليو 2024.

يردد مسؤولو الحزب باستمرار أن رواد الأعمال في القطاع الخاص هم "رجالنا". وربما يكون ذلك مطمئنا لرجال الأعمال الذين يخشون وصمهم بالجشع أو عدم الوطنية أو الفساد. ولكن هذه الالتفاتة التضامنية ذات حدين. فهي تشير ضمنا إلى أن على رواد الأعمال ترديد شعارات الحزب و"ممارسة القيم الاشتراكية الأساسية بفعالية". ولا يمكن أن يكون رواد الأعمال رجالهم.

إقرأ أيضا: أنقذوا الصين... الآن

في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انضم رجال الأعمال البارزون إلى الحزب على أمل أن يكون وسيلة لتحقيق طموحاتهم التجارية. لكن أصبح من الواضح على نحو متزايد أن الحزب يعد الشركات الخاصة وسيلة لتحقيق أهدافه. ولا يبدي المسؤولون عدم مبالاة بالقطاع الخاص. فالتزام الحزب الثابت بالقطاع صادق - حتى لو تمنى كثير من رواد الأعمال أن يكون أقل صدقا.

font change

مقالات ذات صلة