لندن- في أول تجمع حاشد منذ محاولة انتخابه، في غراند رابيدز بولاية ميتشيغان، خرج دونالد ترمب عن خطابه، على عادته، وجاء على ذكر وثيقة من 900 صفحة أنشأها مركز أبحاث يميني. وأكد الرئيس السابق أنه لا يعرف الكثير عن الوثيقة، ووصفها ببساطة بأنها "متطرفة"، على الرغم من أن هذا المصطلح لا يبدو، بالنسبة لترمب، أنه ذو دلالة سلبية.
يُعرف مركز الأبحاث المعني باسم "مؤسسة التراث" (هيريتاج)، ولكن ترمب لم يكن واضحا في تحديد من هم هؤلاء بالضبط، حيث سماهم وكأنه لا يعرفهم: "البعض على اليمين، اليمين المتطرف، [الذين] توصلوا إلى هذا المشروع ("مشروع 2025")، أنا لا أعرف حتى، أعرف بعضهم، لكنهم محافظون للغاية. إنهم يقفون نوعا ما على الطرف النقيض من اليسار الراديكالي".
وواصل ترمب العزف على وتر جهله بهذه الجماعة: "لا أعرف ما هو (المشروع) بحق الجحيم (...) لقد قرأوا بعض الأشياء، وكانوا متطرفين، إنهم متطرفون للغاية. لكنني لا أعرف أي شيء عنه، ولا أريد أن أعرف أي شيء عنه". ("الإندبندنت"- 22 يوليو/تموز 2024).
وجاء اعتراف ترمب بالجهل أشبه بالتواضع المتبجح، فكأنه يقول لأتباعه: "انظروا، الأمر معقد، لكن من يهتم؟ من الصعب فهمُ هؤلاء الخبراء. لكن لا داعي للقلق بشأن ذلك! اتركوا التفكير لهم، تماما كما أفعل أنا".
وفي العدد نفسه (22 يوليو 2024)، ذكرت صحيفة "الإندبندنت" أن بعض الخطط المتطرفة للمشروع تتضمن إلغاء حقوق الإجهاض، وفرض عمليات ترحيل جماعي، وطرد كثير من موظفي الخدمة المدنية على الفور لاستبدالهم بالموالين. ولا يجب أن يكون أي من هذا معقدا للغاية بالنسبة لشخص مثل ترمب، المشهور بعبارته ذائعة الصيت "أنت مطرود"، لذلك يحق لنا أن نتساءل لماذا يجد هذا المفهوم صعبا للغاية.
غير معروف على نطاق واسع
في المقابل، كان جي دي فانس، الذي اختاره ترمب لمنصب نائب الرئيس، حريصا على المسارعة إلى تأييد السياسة المحددة بنفاد صبر، وليس ذلك غريبا، نظرا لخلفية فانس كخريج في جامعة ييل، فهو أكثر قدرة على استيعاب قضايا السياسة المعقدة.
وبعد أن أعلن ترمب اختيار جي دي فانس نائبا له، كان رد فعل أحد أفراد الحشد في "غراند رابيدز" حذرا: "بصراحة، كان علي أن أتصفحه على (ويكيبيديا)، لكنه يبدو على ما يرام". ("الغارديان"- 21 يوليو 2024)، ما يشي بأن فانس غير معروف على نطاق واسع بين أنصار ترمب.
وقد يمكن أن نغفر لمؤيد ترمب ذاك جهله بمعرفة فانس، فحتى بين خبراء السياسة، كان اختيار جي دي فانس محيرا، ليس لأنه يبدو غير صحيح، ولكن لأن فانس في حد ذاته شخص شديد التعقيد.
كان اختيار ترمب لولايته الأولى أبسط بكثير، حيث إن مايك بنس كان يشكل ثقلا يوازن تهور ترمب وخطبه غير المتوقعة، وكان له أن يلعب دور الرجل المستقيم في تصرفات ترمب الكوميدية. لقد وقف خلف الرئيس، متصلبا، وهادئا، ومؤيدا بهدوء، ولم يخطر على باله أبدا أن يأتي يوم يقتحم فيه المتمردون مبنى الكابيتول، ويهددون بتعليقه على عمود إنارة.
أما إذا فاز ترمب بولاية ثانية، فسيكون لنائب الرئيس الجديد شأن آخر تماما، فعمره أولا لا يزيد على نصف عمر الرئيس السابق، وله لحية من النوع الذي يحبذه ترمب كثيرا، ومن غير المرجح في النهاية أن يحاكي الشاب الجديد أسلوب بنس الصارم.
في محاولة تقييم أهمية فانس، كان المعلقون يميلون إلى الأمور المعروفة. لقد أكدوا على جذوره العمالية في ولاية أوهايو وشعبويته، وكلاهما من المستجدات في البيئة الجمهورية الحالية. لقد ذكروا أنه كتب كتابا- جرى تحويله لاحقًا إلى فيلم بعنوان "Hillbilly Elegy"، وأنه خدم لفترة في مشاة البحرية.
أما الجانب من شخصية فانس الذي تم تجاهله فهو الأكثر إثارة للاهتمام: كان فانس ذات يوم أحد سكان "وادي السيليكون"، وقد أسس شركة ناشئة بتمويل من يتر ثيل، عالم الرياضيات الموهوب الذي لم يكن بحاجة إلى عقل رياضي لكي يتابع تنامي حسابه المصرفي، وقد حقق ثيل ثروته الأولية من خلال تأسيس "PayPal" مع إيلون ماسك.