بعد سقوط عدد من القتلى المدنيين في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، عادت الاضواء لتسلط على إمكان اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني الذي اتهم بالوقوف وراء الهجوم وهو ما نفاه. لكن ماذا عن الحرب الإستخباراتية بين تل أبيب والحزب؟
واشنطن - ليس جديدا أن تقوم إسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال مستهدفة وعالية المستوى ضد "حزب الله"، ولكن عمليات العنف ضد "الحزب" تزايدت في الأشهر القليلة الماضية بشكل ملحوظ. فبعد الفشل الاستخباراتي الذي تعرضت له إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ردت بقوة وسرعة في لبنان. والسؤال هو: لماذا نجحت إسرائيل بشكل خاص في التخلص من الكثير من القادة البارزين في "حزب الله" مؤخرا، وهل ستحدث هذه النجاحات التكتيكية أي فرق؟
الأعمال الاستخباراتية الإسرائيلية في لبنان ليست جديدة، ولا ينبغي أن يتأثر حكم أي شخص على القدرات الاستخباراتية العامة لإسرائيل بكارثة السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ففشل إسرائيل في التنبؤ بالهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر لم يكن نتيجة لنقص المعلومات أو التحليل السيئ، بل نتيجة لقصر النظر والاستخفاف بالخصم. فرغم أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، أو بعض أجزائه على الأقل، قد حذروا من نية "حماس" القيام بعمل ما وقدرتها على الهجوم، فإن القيادة السياسية اختارت تجاهل هذه التحذيرات جزئيا لأنها لم تعتقد أن الحركة ستنفذ عملية بهذا الحجم الكارثي.
غير أن الأنشطة الأخيرة التي تقوم بها إسرائيل في لبنان تختلف كثيرا عن سابقاتها. فعملياتها الاستخباراتية تتبع نمطا تقليديا لجمع المعلومات وتحليلها ونشرها وتنفيذها، وكل هذه الأنشطة مدعومة بالسياسات العليا. بينما كانت إسرائيل تتبع موقفا دفاعيا بشكل أساسي تجاه "حماس" قبل السابع من أكتوبر، فإنها تتخذ موقفا هجوميا تجاه "حزب الله" فيما يتعلق بالأنشطة الاستخباراتية، ونراها تتحكم في المبادرة، وعملياتها مدعومة سياسيا وماديا من قبل الحكومة.
لا شيء غير عادي أو جديدا بشكل جذري في الأدوات الاستخباراتية التي استخدمتها إسرائيل في لبنان. ولكن الجديد هو الأسلوب الذي استخدمته إسرائيل في استغلال قدراتها لملاحقة وقتل عناصر "حزب الله". استخدمت إسرائيل وسائل المراقبة الإلكترونية (مثل الطائرات دون طيار، وكاميرات المراقبة الأمنية، وأنظمة الاستشعار عن بُعد)، واخترقت الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، وجندت مواطنين لبنانيين لتحقيق أهدافها. كانت هذه الأنشطة فعالة لدرجة أن الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، حذر أنصاره من ضرورة تأمين أو قفل هواتفهم.
لم تكن عملية التجنيد صعبة بالنسبة لإسرائيل، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان، والتي دفعت البعض إلى الاستعداد للتجسس لصالح إسرائيل، ولكن لبنان كان على الدوام مصدرا غنيا للمعلومات لإسرائيل، حتى قبل الانهيار الاقتصادي للبلاد. فالدولة ليست قادرة على الدفاع بشكل فعال ضد الاختراق الإسرائيلي، والجماعات الطائفية الداخلية التي تشكل المجتمع اللبناني متفرقة سياسيا وتختلف فيما بينها على معظم القضايا السياسية، بما في ذلك هوية البلاد، وتحديد حلفائها وأعدائها. وقد سمح هذا لإسرائيل ببناء شبكة من المخبرين الذين شكلوا فائدة كبيرة في عملياتها الاستخباراتية. وقد ألقت شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي اللبنانية، التي تم تجهيزها بواسطة الولايات المتحدة وتعتبر أكثر الوحدات قدرة من بين باقي أجهزة الاستخبارات في البلاد، القبض على أكثر من 20 عميلا يعملون لصالح إسرائيل، بما في ذلك عناصر من "حزب الله".