الجولان... خصوصية "الجبهة الثامنة"

بعد "حرب الظل" بين إسرائيل وإيران في "سبع جبهات" بالشرق الأوسط

الجولان... خصوصية "الجبهة الثامنة"

لا تشبه "جبهة" الجولان السوري باقي "الجبهات" في الشرق الأوسط. لها خصوصية وفيها إشكالية. التصعيد العسكري الأخير ومقتل أطفال في بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، يمكن اعتباره "جبهة ثامنة" في "الجبهات" التي فتحتها إسرائيل وإيران بعد هجوم "حماس" على غلاف غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

تحدث أكثر من مسؤول إسرائيلي عن هذه "الجبهات"، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقالوا إنها تشمل قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وإيران. والآن يجري الحديث عن تصعيد إضافي بعد الهجوم على مجدل شمس في الجولان، وسط توقعات بأن تقوم إسرائيل بـ"رد انتقامي" استعراضي ضد "حزب الله" في لبنان، بالتزامن مع جهود دبلوماسية مكثفة لضبط هذا الرد ورد "حزب الله" عليه، كي لا تنتقل المنطقة إلى تصعيد أوسع.

لكن هذه "الجبهة" في الجولان، لها خصوصية مختلفة عن باقي "الجبهات". معروف أن هضبة الجولان حُيدت عن الصراع العسكري وباتت جبهة هادئة، منذ توقيع اتفاق "فك الاشتباك" بين سوريا وإسرائيل عام 1974. حصلت بعض المناوشات بعد انتقال الاحتجاجات السورية في 2011 إلى صراع مسلح تضمن انسحاب "القوات الدولية لفك الاشتباك" (أندوف) من المرتفعات السورية، جرى ضبطها بموجب اتفاق روسي– أميركي في 2018، وعادت "أندوف" إلى عملها للتحقق من التزام دمشق وتل أبيب ببنود "فك الاشتباك" الذي أنجزه وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر بين دمشق وتل أبيب بعد "حرب أكتوبر" عام 1973.

 

ضغطت موسكو ودمشق على ميليشيات إيران و"حزب الله" بعدم استخدام تموضعها العسكري في الجولان لشن عمليات هجومية ضد إسرائيل

بالفعل، جرى سحب كثير من الأسلحة الثقيلة وأبعدت ميليشيات إيران عن خط "فك الاشتباك" وعادت قوات محددة من الجيش السوري، حسب "اتفاق فك الاشتباك"، وضغطت موسكو ودمشق على هذه الميليشيات و"حزب الله" بعدم استخدام تموضعها العسكري في الجولان لشن عمليات هجومية ضد إسرائيل. وواصلت طائرات تل أبيب شن غارات على "مواقع إيران" و"حزب الله" في عمق سوريا، مع جهود لعدم خرق "اتفاق فك الاشتباك" المدون في سجلات الأمم المتحدة.

الأمر اللافت للاهتمام هو ما حصل بعد حرب غزة، إذ واصلت إسرائيل غاراتها في سوريا، لكن كان واضحا أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يريد أن يكون منخرطا بشكل مباشر في المعركة الإيرانية– الإسرائيلية في الأراضي السورية. وقد اتخذت دمشق موقف الحياد في "حرب الظل" الإسرائيلية – الإيرانية وحافظت على موقفها في "الحرب المباشرة" بعد قصف تل أبيب لقنصلية طهران في دمشق بداية أبريل/نيسان وخلال الرد الإيراني بأكثر من 300 مسيرة وصاروخ ليل 13-14 أبريل على إسرائيل.

حقق الأسد المكاسب السياسية من الحياد بعد حرب غزة، وحصل على وعود وخطوات تقارب من دول عربية وغربية

حقق الأسد المكاسب السياسية من هذا الموقف الحيادي، إذ إنه ضمن أن لا يكون مطار دمشق هدفا لقصف إسرائيل، كما حصل على وعود وخطوات تقارب من دول عربية وغربية بما في ذلك عودة لإطلالة النفوذ في لبنان. لم يكن هذا مريحا لطهران، بل أدى إلى توتر ضمني، رغم جميع المساعي العلنية  والإعلامية التي تحاول أن توحي بأن الأمور على سابق عهدها.

في هذا السياق حصل تطوران ميدانيان: قصف "حزب الله" أكثر من مرة لمواقع إسرائيلية في الجولان السورية المحتلة، وتبادل قصف في مزارع شبعا في الزاوية السورية- الإسرائيلية- اللبنانية، التي اتفقت دمشق و"حزب الله" بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، على قول إنها "أراض لبنانية" لإعطاء مبرر لـ"حزب الله" لاستمرار "المقاومة"، مع أن الجانبين متفقان ضمنا على أن مزارع شبعا سورية.

هناك ما هو أكثر في هذين التطورين. إذا كانت دمشق تعتبر نفسها وتعتبرها طهران ضمن "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، فالأجدر بها أن تكون ساحة من "الجبهات السبع" التي حركتها طهران بعد حرب غزة، بمعنى أن تفتح "جبهة الجولان" إما ردا على قصف إسرائيل للعمق السوري، وإما لـ"تحرير الجولان المحتلة" منذ العام 1967، وإما للدفاع عن مزارع شبعا.

دمشق قررت تفعيل "جبهة التقارب" العربي- الغربي بدل "جبهة الحرب" الإيرانية- الإسرائيلية. لكن لماذا يتقصد "حزب الله" استهداف الجولان السوري المحتل؟

لكن بما أن  دمشق قررت تفعيل "جبهة التقارب" العربي- الغربي بدل "جبهة الحرب" الإيرانية- الإسرائيلية، يمكن تفسير تقصد "حزب الله" وإيران استهداف الجولان وتبادل القصف في مزارع شبعا، أنه وفق النيات الحسنة برهان على "وحدة الساحات"، وحسب النيات الأخرى بمثابة محاولة لإحراج أو توريط دمشق في حرب غير مرغوبة. وفي أدنى الحدود، يمكن اعتباره إيحاء بوجود قدرة لدى إيران على خلط الأوراق السورية، للقول إن جميع الخيوط السورية ليست في دمشق.

لا خلاف أن نتنياهو، العائد من واشنطن مذخرا بالدعم والراكض بعيدا من المحاسبة الداخلية والمتحرر من الكنيست في إجازة تمتد لثلاثة أشهر، سيرد بطريقة استعراضية في لبنان، على تصعيد الجولان الذي نفى "حزب الله" المسؤولية عنه بعد تبنٍ أولي ورغم جهود الوساطات الدبلوماسية لضبط النفس والتحكم بتداعيات الرد والرد على الرد.

ولا شك أن رد "حزب الله" المذخر بحسابات إيران الإقليمية والدولية في موسم الإنتخابات الأميركية في الأشهر المقبلة إلى حين بداية نوفبمر/تشرين الثاني، سيحدد المرحلة التالية من التصعيد في المنطقة.

السؤال الذي يستحق المتابعة: هل سيواصل الأسد "الحياد" حتى لو كانت كرة النار ستشتعل في لبنان، وربما تمتد في العمق السوري، بعد تصعيد جاءت شرارته من الجولان السوري المحتل؟

font change