العالم يصفق للمنتصر

العالم يصفق للمنتصر

في غزة، لا يزال القتل هو السائد، حرب همجية تشنها إسرائيل على القطاع وسكانه لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وقيام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعملية "طوفان الأقصى"، عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين من المدنيين لم تمنع الكونغرس الأميركي من التصفيق طويلا وتكرارا لرئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو.

حل الدولتين الذي دعمه العالم بشرقه وغربه بقي حبرا على ورق على مر السنين، رغم اعتراف بعض الدول بالدولة الفلسطينية، غير أن الكنيست الإسرائيلي تبنى قبل أيام قرارا ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية، وذلك للمرة الأولى في تاريخه، ليضع العالم أمام أمر واقع جديد، حيث سيخرج مستقبلا من يقول لنتعامل بواقعية مع حقيقة أنه لا مجال لدولة فلسطينية ولنبحث عن حلول أخرى تقنع المنتصر في هذا النزاع أن يكون رحيما بالمهزومين، وهذا لم يعد خيالا فسبعة وزراء خارجية لدول أوروبية من الدول التي تضع شعارات حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون كأيقونات، أرسلوا رسالة إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل، نشرت نصها "المجلة" وجاء فيها: "بفضل دعم روسيا وإيران، لم يتمكن النظام من البقاء على قيد الحياة فحسب، بل استعاد السيطرة على حوالي 70 في المئة من الأراضي"، واعتبرت أن "الحل السياسي وفقا لقرار الأمم المتحدة 2254 بات بعيد المنال"، وطالبت الرسالة "الوثيقة" الاتحاد الأوروبي بـ"اتباع نهج واقعي"، تماما كما يطالب البعض باتباع نهج واقعي مع حركة طالبان بعد قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بانسحاب قوات بلاده من أفغانستان في أغسطس/آب 2021، لتعود حركة طالبان للسيطرة على الحكم في البلاد، ولتعود إلى ممارساتها المعهودة، وقمعها للأفغانيين.

حل الدولتين الذي دعمه العالم بشرقه وغربه بقي حبرا على ورق على مر السنين

كذلك في لبنان يقر الجميع تقريبا بجرائم "حزب الله"، وبأنه يقف وراء اغتيال رفيق الحريري وغيره العشرات من خيرة أبناء لبنان وبأنه ارتكب جرائم حرب في سوريا وفي غير مكان، وبأنه السبب الرئيس في تعكير صفو علاقات لبنان مع عدد كبير من الدول العربية ولا سيما دول الخليج، خدمة لإيران. ومع ذلك فإن هذا الجميع يطالب بأن نكون واقعيين وكأن الواقعية ليست إلا الاستسلام للقوة، بغض النظر عن مدى دقة الموقف الأخلاقي في هذا الاستسلام.

والسؤال: هل لا يزال بإمكاننا أن نكتب ونتحدث عن القيم والمبادئ والعدالة والمساواة، بينما نرفض أن ندين طالبان و"القاعدة" و"حزب الله" وإخوانهم، في الوقت الذي يصفق فيه العالم  للمنتصر على "الضعفاء"، أم ننتظر ليصفق البعض قريبا لهذه الجماعات؟

font change