وتريد الدول الأعضاء من هذه الخطوة تقديم الحلف كمنصة موحدة لتسهيل تبادل المعلومات ومشاركة ونشر الممارسات الجيدة التي تتبنى قيم الحلف كحقوق الإنسان والديمقراطية وعدم التجسس على المواطنين إلا بإذن قضائي.
جاء هذا التوجه للاستخدامات الحكيمة للذكاء الاصطناعي متماشيا مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التاريخي الذي تمت الموافقة عليه في مارس/آذار الماضي بإنشاء إطار عالمي لتقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي.
لكن هذا القرار الأممي غير ملزم للدول الأعضاء، إذ وضع فقط خطوطا عريضة مقبولة لدى جميع الدول في شأن الذكاء الاصطناعي. أما استراتيجيا حلف "الناتو" فهي أكثر إلزاما للدول الأعضاء، حيث إن أي خرق في بنودها يؤدي إلى خروقات أمنية للحلف بشكل عام.
خلال هذه القمة، ظهر جليا أن الحلف لا يريد تفويت الفرصة لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والاستخباراتي مع الحلفاء، لما لها من قدرات تكنولوجية على التعقب الدقيق للأهداف من خلال تحليل بصمة الصوت والعين في أجزاء من الثانية من خلال قواعد بيانات ضخمة. لكن هناك عواقب للقيام بذلك، وهي عوامل تدريب كفاءات جديدة متخصصة في مجال استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وإنفاق مزيد من الأموال على الأبحاث بين الدول الأعضاء للوصول إلى نتائج أكثر فاعلية.
مركز "الناتو" للفضاء
يدرك حلف "الناتو" جيدا أنه بدون امتلاك وسائل للسيطرة على الفضاء، لن يقدر على تحقيق الحماية المطلوبة لأعضائه، لأن الفضاء ببساطة هو المجال الذي يضمن تدفق وحرية البيانات اللازمة للملاحة والاستخبارات، والاتصالات المدنية، والاقتصادية، والعسكرية. أيضا، يمثل الفضاء الخارجي للأرض فرصة جديدة لاكتشاف معادن مهمة. فإذا أراد "الناتو" بسط سيطرته في مجال الأمن السيبراني والاستفادة القصوى من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحقيق الردع الكافي، فيجب أن يمتلك اليد العليا في اكتشاف الفضاء للحفاظ على مصالح الحلفاء.
أعلن الحلف في عام 2019 أن الفضاء أصبح مجالا خامسا مهما بعد مجالات البر والبحر والجو والأمن السيبراني. ثم بعدها بعام، في 2020، أعلن إنشاء مركز فضاء خاص بالحلف في ألمانيا، يساعد في جهود حماية أنظمة الفضاء التابعة للدول الأعضاء ويقوم بالتشاور وتبادل المعلومات مع وكالات الفضاء المحلية. أيضا، في عام 2023، أعلن الحلف خططا لإنشاء مبادرة التحالف للمراقبة المستمرة من الفضاء والمعروفة بـ APSS لتعزيز قدرات الحلف في هذا المجال من خلال شبكة من الأقمار الاصطناعية الخاصة بالدول الأعضاء تكون متصلة بعضها مع بعض لتسهيل معالجة البيانات الاستخباراتية ونشرها مع مراكز القيادة في أسرع وقت.
بالإضافة إلى هذه الاستخدامات، يريد "الناتو" تحويل الفضاء ليكون مسارا بديلا في حال قطع الكابلات البحرية المسؤولة عن الاتصالات في أعالي البحار والمحيطات.
تأتي هذه القرارات بسبب خوف حلف "الناتو" من أن تقوم روسيا أو الصين بإلحاق الضرر بالكابلات البحرية التي يعتمد عليها الحلف، مما يضع مصالح الحلف الاستراتيجية في خطر، حال فقدان الاتصال.
في ظل التطورات الجيوسياسية والتكنولوجية المتسارعة، لم يعد حلف "الناتو" مجرد تحالف عسكري تقليدي، بل تحول إلى كيان يواكب التغيرات العالمية في الأمن السيبراني والفضاء والذكاء الاصطناعي.
وتأتي جهود "الناتو" في تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وتطوير قدراته التكنولوجية كاستجابة ضرورية للتحديات الجديدة التي تفرضها التطورات في هذه المجالات. من خلال إنشاء مراكز دفاع سيبرانية وفضائية متقدمة وتبني استراتيجيات موحدة للذكاء الاصطناعي، يسعى الحلف لضمان حماية أعضائه وتحقيق الردع الفعّال في عصر التكنولوجيا المتقدمة. إن هذه التحركات تمثل رؤية مستقبلية لـ"الناتو"، تؤكد التزامه حماية القيم الغربية والاستعداد لمواجهة التهديدات الحديثة بكل حزم وفاعلية.
ويعكس تطور منظمة حلف شمال الأطلسي من تحالف جيوسياسي تقليدي إلى منظمة أمنية متعددة الأوجه، الطبيعة المتغيرة للتهديدات العالمية. فمن خلال معالجة التهديدات السيبرانية، والحرب الهجينة، والإرهاب، وأمن الفضاء، يتكيف حلف شمال الأطلسي مع تعقيدات المشهد الأمني في القرن الحادي والعشرين. ومن خلال الشراكات العالمية، وبناء القدرات، والابتكار التكنولوجي، يعيد الحلف تحديد دوره، مما يضمن بقاءه ملائما وفعالا في حماية السلام والأمن الدوليين.