منذ لحظة وصوله إلى العاصمة الأميركية يوم الاثنين، اتضح أن نتنياهو لن يحظى بالضيافة المعتادة التي تمتد لتشمل رئيس وزراء إسرائيلي زائر.
مع بقاء الرئيس الأميركي جو بايدن المصاب بفيروس كورونا في منزله الواقع على الشاطئ في ديلاوير، وحضور نائبة الرئيس كامالا هاريس حدثا كان قد رُتب مسبقا في إحدى جامعات ولاية إنديانا، لم يتمكن أي منهما من اتباع البروتوكول المعتاد في حضور حفل الترحيب الرسمي المتعارف عليه لرئيس الوزراء الإسرائيلي الزائر.
من ناحية أخرى، أدى غياب هاريس إلى أنها لم تتمكن من حضور خطاب نتنياهو المقرر أمام الجلسة المشتركة للكونغرس، الأمر الذي دفع المرشحة الرئاسية الديمقراطية المتوجة حديثا إلى مواجهة مزاعم تدعي بأنها كانت تقاطع الحدث.
وفي الوقت الذي ينقسم فيه الديمقراطيون بشدة حول قضية استمرار سفك الدماء في غزة، بين أولئك الذين يدافعون عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وآخرين ينتقدون بشدة ملاحقة إسرائيل لهجومها العسكري في غزة، فإن أقل ما يقال حول غياب هاريس عن خطاب نتنياهو أنه كان ملائما بالتأكيد.
غياب هاريس عن خطاب نتنياهو كان ملائما بالتأكيد
في حين كانت السياسة الرسمية لإدارة بايدن هي دعم إسرائيل في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد كانت هاريس أكثر صراحة، وألقت باللوم علنا على إسرائيل في التسبب بما وصفته بـ "كارثة إنسانية" في غزة.
وفي واحدة من أشد الانتقادات اللاذعة التي يوجهها أحد كبار القادة في الحكومة الأميركية، قالت هاريس أمام جماهير غفيرة في ألاباما في شهر مارس/آذار إن "الناس في غزة يتضورون جوعا. والظروف غير إنسانية ومسؤوليتنا الإنسانية ضمن حدودها الدنيا تحتم علينا القيام بفعل ما."
وقالت: "ينبغي على الحكومة الإسرائيلية أن تقوم بالمزيد لزيادة تدفق المساعدات بشكل كبير. لا أعذار."
إن الإحباط المتنامي بين العديد من الديمقراطيين تجاه ما يعتبرونه سلوك إسرائيل المتعنت في حربها ضد مقاتلي "حماس" في غزة، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، أدى إلى أن حوالي 80 عضوا ديمقراطيا – ومن بينهم هاريس - لم يحضروا خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
انت هاريس أكثر صراحة من بايدن، وألقت باللوم علنا على إسرائيل في التسبب بما وصفته بـ "كارثة إنسانية" في غزة
ومن بين كبار الديمقراطيين الذين قاطعوا الخطاب نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة، وجيم كلايبورن المنسق العام للأغلبية الديمقراطية في المجلس، وألكساندريا أوكازيو كورتيز نائبة نيويورك. لقد غاب حوالي نصف أعضاء الكونغرس الديمقراطيين عن الخطاب بالمجمل.
من ناحية أخرى، اندلعت مظاهرات في جميع أنحاء العاصمة الأميركية بينما كان نتنياهو يلقي خطابه، ومن بينها اعتصام في مبنى الكابيتول الليلة الماضية نظمته منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام"، وهي جماعة متطرفة مناهضة لإسرائيل.
وفي رده على استقبال الديمقراطيين غير المرحِّب أشاد نتنياهو بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وندد في الوقت نفسه بالمتظاهرين المناهضين لإسرائيل الذين تجمعوا في الخارج واصفا إياهم بـ "الأغبياء المفيدين لإيران"، الذين "يقفون مع المغتصبين والقتلة."
وفي خطاب ملتهب أمام مجلس الشيوخ الأميركي - وهي المرة الرابعة التي يحظى فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذا الشرف خلال مسيرته السياسية الطويلة - شكر نتنياهو بشكل شخصي ترمب على مساهمته في التفاوض على اتفاقات أبراهام الموقعة في الأيام الأخيرة من فترة رئاسة ترمب في عام 2020، الأمر الذي ساعد على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وقال نتنياهو إنه يشعر بالارتياح لأن الرئيس السابق "خرج سليما معافى" من "محاولة الاغتيال الخسيسة" في وقت سابق من هذا الشهر.
وفي افتتاح كلمته قال نتنياهو: "إنه لشرف عظيم أن أخاطب معقل الديمقراطية هذا للمرة الرابعة." وأضاف رئيس الوزراء: "في الشرق الأوسط، يقف محور الإرهاب الإيراني في وجه كل من إسرائيل وأميركا وأصدقائنا العرب. هذا ليس صداما بين الحضارات، إنه صراع بين الحضارة والهمجية، إنه صراع بين أولئك الذين يمجدون الموت وأولئك الذين يقدسون الحياة."
كان الموضوع الأكثر أهمية في خطاب نتنياهو إلى حد بعيد هو تركيزه على خططه بعد انتهاء الأعمال العدائية في غزة،
كانت هذه هي المرة العاشرة التي يخاطب فيها زعيم إسرائيلي الهيئة التشريعية الوطنية الأميركية، بدءا من رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين في عام 1976، وصولا إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في الآونة الأخيرة في 19 يوليو/تموز 2023.
ومع ذلك، كان الموضوع الأكثر أهمية في خطاب نتنياهو إلى حد بعيد هو تركيزه على خططه بعد انتهاء الأعمال العدائية في غزة، التي قدمت مخططا تقريبيا لنواياه العامة، على الرغم من كونها غامضة نوعا ما.
ستكون المرحلة الأولى "احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية المطلقة" على القطاع، بشكل يماثل السياسات التي اتبعها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية عندما أشرفوا على تجريد كل من اليابان وألمانيا من السلاح.
وهذا سوف يخلق فرصة لتأسيس معاهدة أمنية أميركية إسرائيلية جديدة، تسمى "تحالف أبراهام"، والتي ستكون امتدادا لاتفاقيات أبراهام. وسوف تتجلى إحدى أهدافها الرئيسية بـ "التصدي للتهديد الإيراني المتزايد."
ومع ذلك، فإن آمال نتنياهو في إحياء الدعم الأميركي لإسرائيل خلال زيارته لم تطغَ عليها المعارضة المتزايدة من قبل الديمقراطيين بسبب إدارته للصراع في غزة وحسب، ولكن طغى عليها أيضا الاهتمام الإعلامي الناتج عن قرار بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسي في نوفمبر/تشرين الثاني، الأمر الذي سمح لهاريس بأخذ مكانه في الحصول على بطاقة الحزب الديمقراطي.
كما توجد أيضا القضية الشائكة حول رغبة إدارة بايدن في التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار في الحرب الدائرة في غزة، وهي مبادرة ما زال نتنياهو يسعى إلى إحباطها حتى الآن.
ومن المؤكد أنه في حال تحقق حلم هاريس في أن تصبح رئيسة للولايات المتحدة، فإن فرص نتنياهو في إقناع الولايات المتحدة بمواصلة دعمها لإسرائيل ستواجه تحديات أكبر بكثير من الصعوبات التي واجهها خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن.