- هل تعتبرين استحضار رموز الماضي في بعض أعمالك من بيوت وممارسات شعبية، نوعا من الحفاظ على الذاكرة التاريخية؟
الماضي هو أساس الحاضر ولا يمكن أن يُلغى. انه الهوية الحقيقية للأجيال، وتأريخ للذاكرة. إن طرحه من خلال لوحة فنية، يستكمل الأحاديث التي نسمعها من جيل الى جيل عن جمال الماضي، الذي رغم بساطته وقساوة العيش فيه، ينطوي على صورة جمالية لا بد من ترسيخها من خلال أعمال فنية. لم تتوافر في الحياة القديمة الكاميرات والصور، إلا في ما ندر. لذلك أعشق سماع أحاديث كبار السن عن تلك الأيام السالفة وما تركته من انطباعات وذاكرة جميلة.
- استطعتِ توظيف الخط العربي في أعمالك، فما خصوصية هذه التجربة؟
الخط العربي جميل جدا، وكوني رسامة، فإنني أحب اللعب بالخط باعتباره شكلا تشكيليا أكثر من كونه خطا تقليديا، بحسب المتعارف عليه من مدارس الخط التي نشأنا عليها، كالنسخ والرقعة والديواني، وغيرها من خطوط. خصوصية تجربتي أنها كانت بمثابة المغامرة بالنسبة إلي، ومن ثم وجدت أنها تجربة لاقت القبول والتشجيع والإعجاب من الكثيرين، سواء من خطاطين أو متلقين أو محبي فنون، وحتى ممن لا علاقة لهم بالفنون.
أدوار الفن
- في عام 2018 كانت لك مشاركة في العقبة حول "دور الفن التشكيلي في مواجهة الإرهاب والتطرف"، فكيف يمكن للفنان أن يقوم بدوره في مواجهة حالات خطيرة كهذه؟
الفنانون لا يقل دورهم عن الكتّاب. فالكاتب يعبر من خلال القلم، والفنان يعبر من خلال فرشاته. أصبح الإرهاب متفشيا في العالم بأسره، من خلال جهات عدة، وبأنماط مختلفة، بما في ذلك التنمر وظاهرة اغتصاب الأطفال. العديد من الجرائم، يمكن أن يندرج في خانة الإرهاب، فكل عنف وتطرف وتعصب مرفوض، وهناك صحوة ثقافية وتوعوية لمحاربة هذا العنف البشري ومواجهته من خلال الفنون، وإن بصورة رمزية. فالفنان في النهاية يعيش ويتفاعل مع الواقع، وليس بالضرورة أن يعاني شخصيا حتى يعبّر، فالعالم سلسلة مترابطة الحلقات، كذلك الدول والأحداث الكبيرة، فكل ما يجري من حولنا له تأثير علينا كبشر.
- ما القضايا التي تستفزك للتعبير عنها بالفن؟
كانت لي فترة زمنية تعمّقت فيها بالصخور، ووجدت خلف ذلك الشكل الجامد قصة وحكاية رائعة وإحساسا لا يوصف، وكنت على ثقة بأنه لا حضارة بلا حجارة، فاستلهمتني الحضارات بمكونها من آثار خُلدت عبر التاريخ، وأصبح بيني وبين الصخور لغة وإحساس وتفاعل عبر البحث عن حضارات عريقة، فالصخور أيضا خلدت لنا تلك الحضارات الجميلة بما روته من تلك الحقبة الزمنية.
وهناك أيضا قضايا تثير الوجدان نتيجة جدال داخلي يعيش في عمق أي إنسان يملك إحساسا ومشاعر إنسانية، وليس لكونه إنسانا فحسب، وهذا ما نعيشه فعليا للأسف. تستفزني قضية النفاق والعنصرية، فنحن بشر ولا أحد أفضل من أحد في شيء...
- لماذا طغى اللون الرمادي في مرحلة ما على عدد من أعمالك؟
استخدام اللون له علاقة بالعقل والبيئة والعاطفة والجسد. فأثناء لحظة الرسم، يمكن أن يحتاج عقلي أو عاطفتي أو جسدي لونا ما، أو قد يحتاجه الموضوع أثناء رسم اللوحة. كذلك كفلسفة وجدانية عالم يجب أن تكون للإنسان نظرة فلسفية ووجدانية إلى الأمور، بحيث يتعامل معها بمرونة وواقعية أكثر، بدل نظرة الأسود والأبيض. فالمساحة الرمادية في حياة البشر أوسع بكثير من الأبيض والأسود، إلا أن هذا ليس قانونا صارما، فلكل فنان أسلوب يمتاز به، وألوان تمثله.