منى عبد الباري لـ"المجلة": الماضي هو الهوية الحقيقية للأجيال

هناك صحوة لمواجهة العنف من خلال الفنون

منى عبد الباري

منى عبد الباري لـ"المجلة": الماضي هو الهوية الحقيقية للأجيال

تستحضر الفنانة الكويتية الدكتورة منى عبد الباري تفاصيل الطبيعة في الكثير من لوحاتها، وحين تغيب الطبيعة يحضر الماضي بكل ما يحمله من ذكريات، فتحوله إلى مشهد يحاكي المتلقي وينقله إلى تلك البيوت والشبابيك القديمة. لم تكتفِ الفنانة بذلك بل استخدمت الخط العربي في أعمالها لتنقل جماليته الخاصة، مُظهرةً قدرة الفنان على تطويعه بطريقة تثري اللوحة وتزيد رمزيتها.

في رصيد منى عبد الباري عدد من المعارض الشخصية ومشاركات كثيرة في معارض جماعية داخل الكويت وخارجها، وعدد من الجوائز. هنا حوار معها.

  • ترسمين الطبيعة في عدد كبير من أعمالك، فلماذا هذا الحضور الطاغي لها؟

أنا شغوفة وعاشقة للطبيعة بتجلياتها كافة، فالذائقة الجمالية تتولد بمشاهدة الطبيعة، بألوانها وأشكالها وتضاريسها. حتى المدرسة التجريدية أو السوريالية مرتبطة بمخزون الواقع والتلاعب بالفكرة والتعبير والاستعانة بالخيال والألوان. أساس الرسم أو اللون، أُكتشفَ من الطبيعة، وكان بمثابة تأريخ. فقد استخدم الإنسان القديم الرسم على جدار الكهوف فوجد الرسم قبل الحرف.

 الفنان يتفاعل مع الواقع، وليس بالضرورة أن يعاني شخصيا حتى يعبّر

  • هل تعتبرين استحضار رموز الماضي في بعض أعمالك من بيوت وممارسات شعبية، نوعا من الحفاظ على الذاكرة التاريخية؟

الماضي هو أساس الحاضر ولا يمكن أن يُلغى. انه الهوية الحقيقية للأجيال، وتأريخ للذاكرة. إن طرحه من خلال لوحة فنية، يستكمل الأحاديث التي نسمعها من جيل الى جيل عن جمال الماضي، الذي رغم بساطته وقساوة العيش فيه، ينطوي على صورة جمالية لا بد من ترسيخها من خلال أعمال فنية. لم تتوافر في الحياة القديمة الكاميرات والصور، إلا في ما ندر. لذلك أعشق سماع أحاديث كبار السن عن تلك الأيام السالفة وما تركته من انطباعات وذاكرة جميلة.

  • استطعتِ توظيف الخط العربي في أعمالك، فما خصوصية هذه التجربة؟

الخط العربي جميل جدا، وكوني رسامة، فإنني أحب اللعب بالخط باعتباره شكلا تشكيليا أكثر من كونه خطا تقليديا، بحسب المتعارف عليه من مدارس الخط التي نشأنا عليها، كالنسخ والرقعة والديواني، وغيرها من خطوط. خصوصية تجربتي أنها كانت بمثابة المغامرة بالنسبة إلي، ومن ثم وجدت أنها تجربة لاقت القبول والتشجيع والإعجاب من الكثيرين، سواء من خطاطين أو متلقين أو محبي فنون، وحتى ممن لا علاقة لهم بالفنون.

أدوار الفن

  • في عام 2018 كانت لك مشاركة في العقبة حول "دور الفن التشكيلي في مواجهة الإرهاب والتطرف"، فكيف يمكن للفنان أن يقوم بدوره في مواجهة حالات خطيرة كهذه؟

الفنانون لا يقل دورهم عن الكتّاب. فالكاتب يعبر من خلال القلم، والفنان يعبر من خلال فرشاته. أصبح الإرهاب متفشيا في العالم بأسره، من خلال جهات عدة، وبأنماط مختلفة، بما في ذلك التنمر وظاهرة اغتصاب الأطفال. العديد من الجرائم، يمكن أن يندرج في خانة الإرهاب، فكل عنف وتطرف وتعصب مرفوض، وهناك صحوة ثقافية وتوعوية لمحاربة هذا العنف البشري ومواجهته من خلال الفنون، وإن بصورة رمزية. فالفنان في النهاية يعيش ويتفاعل مع الواقع، وليس بالضرورة أن يعاني شخصيا حتى يعبّر، فالعالم سلسلة مترابطة الحلقات، كذلك الدول والأحداث الكبيرة، فكل ما يجري من حولنا له تأثير علينا كبشر.

  • ما القضايا التي تستفزك للتعبير عنها بالفن؟

كانت لي فترة زمنية تعمّقت فيها بالصخور، ووجدت خلف ذلك الشكل الجامد قصة وحكاية رائعة وإحساسا لا يوصف، وكنت على ثقة بأنه لا حضارة بلا حجارة، فاستلهمتني الحضارات بمكونها من آثار خُلدت عبر التاريخ، وأصبح بيني وبين الصخور لغة وإحساس وتفاعل عبر البحث عن حضارات عريقة، فالصخور أيضا خلدت لنا تلك الحضارات الجميلة بما روته من تلك الحقبة الزمنية.

وهناك أيضا قضايا تثير الوجدان نتيجة جدال داخلي يعيش في عمق أي إنسان يملك إحساسا ومشاعر إنسانية، وليس لكونه إنسانا فحسب، وهذا ما نعيشه فعليا للأسف. تستفزني قضية النفاق والعنصرية، فنحن بشر ولا أحد أفضل من أحد في شيء...

  • لماذا طغى اللون الرمادي في مرحلة ما على عدد من أعمالك؟

استخدام اللون له علاقة بالعقل والبيئة والعاطفة والجسد. فأثناء لحظة الرسم، يمكن أن يحتاج  عقلي أو عاطفتي أو جسدي لونا ما، أو قد يحتاجه الموضوع أثناء رسم اللوحة. كذلك كفلسفة وجدانية عالم يجب أن تكون للإنسان نظرة فلسفية ووجدانية إلى الأمور، بحيث يتعامل معها بمرونة وواقعية أكثر، بدل نظرة الأسود والأبيض. فالمساحة الرمادية في حياة البشر أوسع بكثير من الأبيض والأسود، إلا أن هذا ليس قانونا صارما، فلكل فنان أسلوب يمتاز به، وألوان تمثله.

 أعمال المرأة ربما تتميز بجماليات أكثر من الرجل

  • هل تعتقدين بوجود خصوصية تميز الفن النسوي؟

بالتأكيد، فالمرأة كلها عاطفة وحنان، وربما تتميز أعمالها بجماليات أكثر من الرجل.

  •  هل واجهتكِ تحديات كونك امرأة؟

بالتأكيد هناك تحديات ومحاربة، وأعتقد أنها أمور طبيعية وموجودة في كل مجتمع، وتلك التحديات يكمن خلفها الإصرار، وهي تولد إثبات الوجود والنجاح. أنا من الشخصيات التي لا تستسلم، أيا تكن العثرات.

  • تنشرين كتاباتك بين وقت وآخر، متى تستطيع الكتابة التعبير عنك أكثر من الرسم؟

كتاباتي مستمدة من مواقف ليس بالضرورة أن تحصل معي، بل هي من حكايات وقد تكون انطلاقا من كلمة أو جملة أسمعها ممن حولي. أو هي أحداث وأخبار، تولّد لديّ فكرة وخاطرة أحاول صوغها بأسلوب بسيط حتى تصل الى القارئ بسلاسة، فالكتابة أيضا عالم جميل.

font change

مقالات ذات صلة