على مدى 45 دقيقة شابها الكثير من التصفيق من أعضاء "الحزب الجمهوري" غالباً، القى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً مبهراً دعائياً لكنه فقيرا سياسياً، أمام جلسة مشتركة للكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ. في خطابه الرابع هذا أمام الكونغرس (ما من زعيم اجنبي حظي بهذا العدد من الخطابات) الذي قاطعه أكثر من 60 نائباً ديموقراطياً، وغابت عنه نائبة الرئيس، كاملا هاريس، بسبب الانشغال بحملتها الانتخابية، منح نتنياهو، المعروف بمهاراته الخطابية العالية ومعرفته الممتازة بالسياسة في أميركا، جمهوره من البرلمانيين، الجمهوريون على الأخص، الكثير من لحظات الحماسة ومقاطعة الخطاب تأييداً. استنفر الرجل قيماً أميركية أساسية وربطها بقصة اسرائيل كدولة: الإيمان بالديموقراطية وضرورة الدفاع عنها، النجاح الاقتصادي القائم على مبادرات الأفراد وإبداعهم، الروح الوطنية التي تبرز في أوقات الأزمات إلخ... على مدى دقائق طويلة تحدث نتنياهو عن أهوال السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مستعرضاً اسماء بعض الاسرائيليين من مختطفين أطلق سراحهم وجنود قاتلوا في ذلك اليوم، وهم يقفون واحداً تلو الأخر في قاعة الكونغرس ليتلقوا تصفيق الحاضرين وإطراء رئيس حكومتهم عليهم. كان الغرض من أسلوب الاستعراض هذا، المُستعار من تقاليد خطابات حالة الاتحاد الأميركية، إحياء التعاطف الرسمي والشعبي الأميركي مع إسرائيل، المتراجع كثيراً على مدى أشهر بعد ذلك اليوم، وإعادة ربط السابع من أكتوبر الإسرائيلي، في ذهن الجمهور في القاعة وخارجها، بالحادي عشر من سبتمبر الأميركي..
وضع الرجل كل هذا ببراعة خطابية لافتة في سياق محاججته السياسية الضمنية التي لم يصرح بها بوضوح وهي أن حرب غزة طويلة، ليس لها نهاية قريبة في الأفق، لأن "إسرائيل ستقاتل" حتى تحقيق "النصر التام"، والذي عَرَّفه الرجل على نحو غامض ومفتوح بالقول: "حتى ندمر القدرات العسكرية لحماس ودورها في غزة ويعود الينا جميع مختطفينا". لكنه رَبطَ تحقيق هذا النصر المفترض بقرارات تسليح أميركية إذ قال: "أناشد أميركا أيضاً: أعطينا الأدوات على نحو أسرع وسننهي العمل على نحو أسرع". تزعج مناشدة كهذه إدارة الرئيس جو بايدن لأنها تكرر على نحو حرفي تقريبا ادعاءً مماثلاً أطلقه الرجل في تسجيل مصور الشهر الماضي وكذَبَّته الإدارة الديموقراطية وقتها.