كأنها تعويذة تستجدي الخلاص من الغيب. أو دعاء لكائن متعال وغامض، مزاجي الطباع. أو لعلها "مانترا" يعتقد مرددوها أن الإكثار من قولها سيجعلها حقيقة: "أين العرب والمسلمون؟". سؤال لا يمر يوم من دون أن يسمعه مشاهدو النشرات الإخبارية. سيان كان من يوجه السؤال هذا في فلسطين أو السودان أو اليمن أو لبنان أو أي مكان آخر من هذه الخريطة الشاسعة.
لنتفق أن ما من كيان سياسي واحد يصلح لتمثيل العرب ولا المسلمين، وفق تصور المناشدين المكلومين. وأن الإطارين اللذين يضمان هاتين المجموعتين الكبيرتين من الدول والشعوب، أي جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بالمنظمات التابعة لهما، أصبحتا مع مرور السنوات في حاجة إلى إعادة هيكلة جذرية في حال أراد القائمون عليهما إسباغ قدر من الفاعلية على الأدوار المسندة لهما في وثائقهما.
وفي مقابل توجيه الاتهامات إلى الجامعة العربية، على سبيل المثال، بالتقصير في مساندة سكان غزة، أو انتظار المساعدة من الدول والحكومات والشعوب العربية، يتعين القول بوضوح إن تراجع الدور والتضامن العربيين في نصرة غزة والسودان وغيرهما، يرجع إلى تضاؤل المصالح المشتركة التي تجعل المساعدة والغوث مجديين من الناحية السياسية وليسا مجرد تعاطف أو تضامن إنسانيين.
بكلمات ثانية، يمكن النظر في تقارير المنظمات العربية المشتركة (تقرير صندوق النقد العربي للعام 2022 على سبيل المثال) لمعرفة المستوى المتواضع من المصالح العربية البينية. حيث يكاد التبادل بين الدول العربية لا يذكر في المقارنة بنظيره مع دول العالم الأخرى، في الشرق والغرب. السؤال البسيط الذي ينبغي أن يطرح هو: إذا كانت المصالح المادية المباشرة لا تحتل مكانة تذكر في العلاقات العربية، فهل يحل مكانها "التاريخ المشترك" واللغة والدين والثقافة والتقاليد وما شاكل من عواطف و"قيم" و"ذاكرة جمعية"؟
الجواب ليس بالسهولة المتخلية. ذاك أن الثقافة واللغة والتاريخ، ليست كلها من العوامل التي تجمع "العرب والمسلمين" الذين يتخيلهم المنادون من تحت أنقاض غزة. فالصراعات العربية- العربية وتلك التي تدور رحاها بين الدول الإسلامية أكثر وأكبر من أن تحيط بها هذه السطور وتكاد تشمل جميع الدول العربية التي تعاني من مشكلات مختلفة المستويات والخطورة مع جيرانها العرب. هذا ناهيك عن الاختلافات في مجالات الثقافة والاقتصاد والرؤية إلى المستقبل والتصور الذاتي عن الموقع الذي تحتله هذه الدولة أو تلك في العالم والتفسيرات المتناقضة للتاريخ...
يتعين القول بوضوح إن تراجع الدور والتضامن العربيين في نصرة غزة والسودان وغيرهما، يرجع إلى تضاؤل المصالح المشتركة التي تجعل المساعدة والغوث مجديين من الناحية السياسية
عند وضع المعطيات قيد الاختبار، يمكن فهم لماذا لا يحصل من يسأل "أين العرب والمسلمون؟" على الجواب الشافي. المصالح الحقيقية للدول العربية ليست بين بعضها البعض بل مع قوى خارجية، اقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية. فيما تبقى العواطف و"التاريخ المشترك" اللذان لا يخلوان من ضغائن وصراعات ومرارات هما ما يقرر الرد الحقيقي على صرخة الوجع وسؤالها.
يضاف إلى ذلك أن التجارب الحديثة يجب أن لا تغفل عن استجابات عربية وإسلامية لنداءات سابقة. فقد استجاب أكثر من خمسين ألف "إسلامي" لنداء الانضمام إلى جيش "الدولة" التي أعلنها زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي. في حين تقول إيران إن تدخلها في شؤون الدول العربية يأتي استجابة لنداءات الشعوب واستعادة الحق الفلسطيني. والنتيجة لا تخفى على أحد، سواء ما حل في سوريا والعراق أو ما يشهده لبنان واليمن وسوريا.
هذا النوع من الاستجابة ينبغي أن لا يسقط من الحسابات. فالمجتمعات المأزومة والمريضة تستجيب على شكل إرسال المتطرفين للقتال في صفوف "داعش" وفي فتح الباب أمام ممارسات "الحرس الثوري الإيراني" وأذرعه. أما الحكومات فتدرك أن مصالحها الحقيقية لا يمكن خدمتها بالتورط في صراعات مديدة ومعقدة ويحتل موقع العدو فيها قوى عاتية تسيطر على كثير من مفاصل الاقتصاد والأمن في العالم.
ويندرج استدعاء الغوث من "العرب والمسلمين" في سياق طلب النجدة من خارج غالبا ما يكون غير معني بالمآسي الجارية تحت ناظريه، مثل مناشدة "المجتمع الدولي" تسوية الحروب الأهلية والمساعدة في وقف المجازر وموجات الاقتتال المحلي. ولا يندر أن تكون الحروب الأهلية ناجمة عن تدخلات أجنبية، لكن الكثير منها ينفجر لأسباب محض داخلية فيستدعى "القانون الدولي" كمخلص منتظر. ويترافق كل ذلك مع معضلة "التدخل الإنساني" والدور المنتظر من المؤسسات الدولية في نزاعات داخلية...