يتناقض فيلم "أولاد مانجوميل" ببساطته وضآلة كلفته- حيث كلف إنتاجه 200 مليون روبية - تناقضا صارخا مع فيلم "المقاتل"، الذي حقق حتى الآن أكبر نجاح في بوليوود هذا العام. وكلف هذا الفيلم الرائج مبلغا يفوق تكلفة "أولاد مانجوميل" بـ 13مرة، ويقوم على حبكه قومية متطرفة، تتواجه فيها القوات الجوية الهندية مع القوات الباكستانية. كما تضمن الفيلم قصة حب بين أكبر نجوم بوليوود.
مع ذلك، فإن فيلم "أولاد مانجوميل" ليس استثناء: فقد حققت قبله سلسلة من أفلام مالايالام نجاحا كبيرا في شباك التذاكر في الآونة الأخيرة. كما أن ثلاثة من بين الأفلام الهندية العشرة الأعلى ربحا هذا العام، هي من إنتاج موليوود. وهي أفلام تصور قصصا حية، فيروي فيلم "حياة الماعز"، الذي عرض في مارس/آذار، قصة حقيقية لعامل مهاجر في المملكة العربية السعودية. أما فيلم "الإثارة" فيروي قصة طلاب جامعيين يتورطون مع رجل عصابات غريب الأطوار. حتى "عصر الجنون"، وهو فيلم رعب بالأبيض والأسود ــ قمة الانغماس الفني هذه الأيام ــ حقق هو أيضا نجاحا تجاريا.
ظلت أفلام كيرالا طوال سنوات مقتصرة على جمهور الولاية، إلا أنها باتت تجد معجبين بها في أماكن أبعد. وبفضل ظهور البث المباشر، أمكن للأفلام الإقليمية المدبلجة أو المترجمةـ أن تصل إلى جمهور البلاد كلها. وقد تسارع هذا الاتجاه خلال جائحة كوفيد 19، حيث اكتشف الهنود المتعطشون للسينما والعالقون في منازلهم أفلام مالايالام للمرة الأولى. يروي فيلم "المطبخ الهندي العظيم"، الذي عرض على منصة "برايم فيديو" عام 2021، قصة ربة منزل تكافح في منزل أبوي. صور الفيلم في مكان واحد وحقق نجاحا مفاجئا. وقد أعيد تجديده إنما باللغة الهندية (لطالما اقتبست بوليوود قصص أفلام مالايالام ناجحة، لكنها نادرا ما تكون بالبراعة نفسها).
ما الذي يفسّر تميّز موليوود؟
أحد الأسباب هو تاريخ صناعة السينما. فقد استند العديد من الأفلام الهندية المبكرة إلى قصص من الملاحم الهندوسية مثل ماهابهاراتا. وكان تصوير الآلهة، بما فيها غانيشا الذي له رأس الفيل، يتطلب أطرافا صناعية وأزياء باهظة الثمن. لكن استوديوات الإنتاج في ولاية كيرالا تجنبت مثل هذه الحكايات، كما يقول الناقد السينمائي جي بي راماشاندران. ويعود سبب ذلك جزئيا إلى ما تفرضه الضرورة المالية، ولكن السبب في الغالب يعود إلى الاختيار. فقد تشكلت هذه الصناعة بتأثير الحركات الأدبية والاجتماعية في هذه الولاية، التي كانت معقلا للشيوعية في القرن العشرين، كما هو حالها الآن. لذا فإن الأفلام التي تستهدف جمهورا معينا والأفلام التجارية معا، لا تزال تستكشف القضايا الاجتماعية.
العامل الآخر هو التركيبة الديموغرافية للولاية، إذ يشكل الهندوس 55% فقط من سكان ولاية كيرالا (مقارنة بـ 80% على المستوى البلاد). ويطالب السكان المسيحيون والمسلمون في الولاية (18% و27% من الإجمالي على التوالي) بمحتوى يخاطب جمهورا عريضا. لذلك تتجنب أفلام مالايالام الاستعارات الدينية التي تسللت إلى بوليوود مع صعود حزب "بهاراتيا جاناتا"، وهو الحزب القومي الهندوسي الحاكم في الهند. وقد ناضل هذا الحزب، وللسبب نفسه، كي يحقق تقدما كبيرا في هذه الولاية، التي طالما هيمنت عليها الأحزاب العلمانية ذات الميول اليسارية.
كما أن جمهور السينما في ولاية كيرالا جمهور مميز أيضا. فهذه الولاية هي الأكثر تطورا في الهند وسكانها هم الأكثر تعليما. ويفخر سكان كيرالا بذوقهم الخاص، وقد تكاثرت فيها مجموعات الأفلام منذ إنشاء أول جمعية سينمائية عام 1965. وينظم السينمائيون عروضا تقدم أفلاما خارجة عن المألوف وغير تقليدية، ويعرّفون صانعي الأفلام الطموحين الى أحدث التقنيات المستخدمة في جميع أنحاء العالم.