السودان... مبادرة أميركية جديدة لإنهاء الحرب

تبدأ بتنفيذ واستكمال ما تم التوصل إليه في منبر جدة

أ ب
أ ب
سودانيون يتوجهون للحصول على المياه في الخرطوم في ظل هدنة امتدت اسبوعا

السودان... مبادرة أميركية جديدة لإنهاء الحرب

مع تطاول أمد الحرب في السودان واتساع رقعتها وتزايد حدة الأزمة الإنسانية، عاودت مبادرات التفاوض بهدف التوصل إلى حل سلمي تبدو في الأفق. عدد من المبادرات يجري الإعداد لها حاليا، ورغم أنها لا تزال في طور المشاورات، فإنها تحفل بالكثير من المؤشرات الإيجابية. ولعل أهم ما يجمع بين المبادرات هذه، هو الوعي والانتباه لخلل السرديات القديمة التي تم الترويج لها عن الحرب في السودان وعدم الاعتماد عليها في تصميم الحلول، ورفض الوسطاء القائمين عليها الخضوع للابتزاز السياسي للأطراف- الخارجية والداخلية- التي تحاول استغلال الحرب لتحقيق أهدافها السياسية وتوسل عملية تحقيق السلام في السودان كسلم للصعود إلى السلطة والحكم أو تحقيق أجندات مصالحها.

وتدعم أميركا طرح خطة جديدة للسلام في السودان، تبدأ بتنفيذ واستكمال ما تم التوصل إليه في المفاوضات التي جرت في منبر جدة التي توقفت نهاية العام الماضي بسبب عدم تنفيذ الالتزامات التي جرى التوقيع عليها. والمتوقع أن توجه الدعوة لجولة تفاوض مباشرة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" تعقد في جنيف منتصف أغسطس/آب المقبل. ويتصدر موضوع التفاوض الذي سيحظى بإشراف مباشر- إن لم يكن بمشاركة فعلية- من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يتصدر الحديث عن آليات إنفاذ وتفعيل الاتفاقات السابقة واللاحقة التي يجري التوصل إليها. ويبرز هنا مثال إعلان مبادئ جدة لحماية المدنيين الذي وقّع عليه وفدا القوات المسلحة السودانية و"الدعم السريع" في 11 مايو/أيار 2023، في غضون أقل من شهر بعد اندلاع الحرب، ولكن لم تقم الميليشيا بتنفيذ أي من بنوده، بل بالعكس واصلت توسيع دائرة الانتهاكات التي ترتكبها ضد المدنيين، مستندة إلى السرديات البديلة التي تبنتها بعض القوى السياسية المدنية السودانية ودعمتها بعض مراكز اتخاذ القرار العالمية، خصوصا في أوساط الإدارة الأميركية، خلال ولاية السفير الأميركي السابق للسودان جون غودفري.

وشهدت مدينة جنيف قبل أيام قليلة، اختتام المفاوضات غير المباشرة التي دعت إليها الأمم المتحدة والتي ركزت بشكل أساسي على الأوضاع الإنسانية. وشارك فيها وفد "الدعم السريع" المؤلف من الأعضاء ذاتهم الذين شاركوا في مفاوضات منبر جدة. وقدم وفد الميليشيا الخطاب نفسه عن استعداد "الدعم السريع" للعب دور في تسهيل المساعدات الإنسانية وترتيباتها. وهي التعهدات نفسها التي قامت بها الميليشيا من قبل في جدة، ووقع على مثلها قائد "قوات الدعم السريع" في اتفاقه السياسي مع تحالف "تقدم" في 2 يناير/كانون الثاني 2024، وظلت ترددها منصاتهم الإعلامية ولكنها على الدوام لم تفارق محطة الكلام المجاني.

شهدت مدينة جنيف قبل أيام قليلة، اختتام المفاوضات غير المباشرة التي دعت إليها الأمم المتحدة والتي ركزت بشكل أساسي على الأوضاع الإنسانية

هذه العوامل بالإضافة إلى تطاول أمد الأزمة وزيادة حدتها وتأثيرات الكارثة الإنسانية، أدت إلى تهاوي سرديات تبرير حرب الميليشيا بأنها ضد نظام "الإخوان المسلمين"، ومحاولات تشبيه الميليشيا بحركات التحرر الوطني والكفاح المسلح، أو سرديات استعادة الديمقراطية والحكم المدني، وظهرت الميليشيا على حقيقتها كميليشيا إجرام منظمة. وهو ما دفع كثيرا من الدوائر العالمية أيضا إلى التشكيك في قدرة وفد الميليشيا- بل وحتى قيادتها- في تنفيذ التعهدات التي يتم التوصل إليها بالتفاوض معها. بل يبرز التساؤل بشكل جاد حول مدى تماسك الميليشيا والتي بدأت في التفكك بشكل متسارع والتحول إلى تحالف عصابات غير مركزية تقاتل من أجل النهب بشكل عشوائي ودون قيادة مركزية موحدة. وزاد من احتماليات صحة هذه الفرضية، الصراعات التي ظهرت إلى العلن بين قيادات الميليشيا الميدانيين، ومعارك القتال الداخلي بين فصائل الميليشيا المختلفة وفي المبادرات السياسية المختلفة التي بدأت تبرز عبر عناصر الإسلاميين داخل الميليشيا الذين بدأوا في التواصل المباشر مع رموز نظام البشير المخلوع، في محاولة لاستعادة تحالف الفساد والاستبداد، وفي الإقالات العلنية في صفوف الميليشيا التي طالت حتى يوسف عزت المستشار السياسي لقائد الميليشيا والذي برز دوره منذ وقت مبكر في الحرب باعتباره الوجه الدبلوماسي للميليشيا، والذي تم استبداله بنائب البشير السابق حسبو عبد الرحمن، فيما كشف عزت في رده على الإقالة قيام الميليشيا بإعادة هيكلة واسعة في قيادتها وضعت عبد الرحيم دقلو شقيق قائد الميليشيا ونائبه في الوقت نفسه مسؤولا أول عن الميليشيا، وهو ما قال عزت إنه لا يستطيع العمل معه. 

أ ف ب
مسلح قرب كوخ في ضواحي مدينة القضارف في 18 يوليو

ويوم الاثنين 22 يوليو/تموز، بدأ في العاصمة الجيبوتية اجتماع موسع للأطراف الدولية المنخرطة في مخاطبة الأزمة السودانية، ويشمل ممثلين للأمم المتحدة والمبعوث الشخصي للأمين العام، و"الإيقاد" والاتحاد الأفريقي والمبعوث الخاص للإدارة الأميركية للسودان، وغيرهم من الأطراف. ويهدف هذا الاجتماع بشكل مباشر إلى إنهاء حالة تعدد المنابر والتنافس بينها وخلق آلية وأدوات فاعلة للتنسيق بين الجهود الدولية لإنهاء الحرب والمعاناة المستمرة في السودان. 

إن الأولوية القصوى الآن هي لإنهاء المعاناة الإنسانية المترتبة على الحرب وإيقاف الاقتتال ومعالجة أسبابه المباشرة، ولكن بالتأكيد لا يمكن معالجة أي مشكلة دون تحديدها بوضوح وتحديد الأدوار التي تلعبها الأطراف المختلفة بشكل صحيح. 

إن إيقاف الحرب ينبغي أن يكون لصالح السودانيين ومستقبل السلام والاستقرار في بلادهم، وليس لتحقيق الرغبات والأهداف السياسية لأحد الطرفين المتحاربين أو كليهما، وكما ظللنا نقول إن المشكلة ليست في التفاوض ولكن على ماذا يتم التفاوض؟

وفي النهاية فإن أي حل سلمي لإنهاء الحرب في السودان يجب أن يتضمن بالضرورة قواعد عملية واضحة لإصلاح المنظومة العسكرية في السودان وحصرها في أدوارها المهنية المحترفة، وذلك بالتوازي مع إنهاء الوجود المؤسسي لميليشيا "الدعم السريع" بكافة امتداداتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

font change

مقالات ذات صلة