مع تطاول أمد الحرب في السودان واتساع رقعتها وتزايد حدة الأزمة الإنسانية، عاودت مبادرات التفاوض بهدف التوصل إلى حل سلمي تبدو في الأفق. عدد من المبادرات يجري الإعداد لها حاليا، ورغم أنها لا تزال في طور المشاورات، فإنها تحفل بالكثير من المؤشرات الإيجابية. ولعل أهم ما يجمع بين المبادرات هذه، هو الوعي والانتباه لخلل السرديات القديمة التي تم الترويج لها عن الحرب في السودان وعدم الاعتماد عليها في تصميم الحلول، ورفض الوسطاء القائمين عليها الخضوع للابتزاز السياسي للأطراف- الخارجية والداخلية- التي تحاول استغلال الحرب لتحقيق أهدافها السياسية وتوسل عملية تحقيق السلام في السودان كسلم للصعود إلى السلطة والحكم أو تحقيق أجندات مصالحها.
وتدعم أميركا طرح خطة جديدة للسلام في السودان، تبدأ بتنفيذ واستكمال ما تم التوصل إليه في المفاوضات التي جرت في منبر جدة التي توقفت نهاية العام الماضي بسبب عدم تنفيذ الالتزامات التي جرى التوقيع عليها. والمتوقع أن توجه الدعوة لجولة تفاوض مباشرة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" تعقد في جنيف منتصف أغسطس/آب المقبل. ويتصدر موضوع التفاوض الذي سيحظى بإشراف مباشر- إن لم يكن بمشاركة فعلية- من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يتصدر الحديث عن آليات إنفاذ وتفعيل الاتفاقات السابقة واللاحقة التي يجري التوصل إليها. ويبرز هنا مثال إعلان مبادئ جدة لحماية المدنيين الذي وقّع عليه وفدا القوات المسلحة السودانية و"الدعم السريع" في 11 مايو/أيار 2023، في غضون أقل من شهر بعد اندلاع الحرب، ولكن لم تقم الميليشيا بتنفيذ أي من بنوده، بل بالعكس واصلت توسيع دائرة الانتهاكات التي ترتكبها ضد المدنيين، مستندة إلى السرديات البديلة التي تبنتها بعض القوى السياسية المدنية السودانية ودعمتها بعض مراكز اتخاذ القرار العالمية، خصوصا في أوساط الإدارة الأميركية، خلال ولاية السفير الأميركي السابق للسودان جون غودفري.
وشهدت مدينة جنيف قبل أيام قليلة، اختتام المفاوضات غير المباشرة التي دعت إليها الأمم المتحدة والتي ركزت بشكل أساسي على الأوضاع الإنسانية. وشارك فيها وفد "الدعم السريع" المؤلف من الأعضاء ذاتهم الذين شاركوا في مفاوضات منبر جدة. وقدم وفد الميليشيا الخطاب نفسه عن استعداد "الدعم السريع" للعب دور في تسهيل المساعدات الإنسانية وترتيباتها. وهي التعهدات نفسها التي قامت بها الميليشيا من قبل في جدة، ووقع على مثلها قائد "قوات الدعم السريع" في اتفاقه السياسي مع تحالف "تقدم" في 2 يناير/كانون الثاني 2024، وظلت ترددها منصاتهم الإعلامية ولكنها على الدوام لم تفارق محطة الكلام المجاني.