يوسف المحيميد لـ"المجلة": نعيش في المملكة حراكا ثقافيا لافتا

روايته "رحلة الفتى النجدي" تُترجم إلى الصينية

Al Majalla
Al Majalla

يوسف المحيميد لـ"المجلة": نعيش في المملكة حراكا ثقافيا لافتا

تُترجَم رواية "رحلة الفتى النجدي" للروائي والشاعر السعودي يوسف المحيميد إلى اللغة الصينية، التي تُعَدُ الترجماتُ العربية إليها في خطواتها الأولى، وتأتي هذه الترجمة بعد ترجمة أعماله للغات غربية كالإنكليزية والفرنسية والإيطالية. المحيميد الذي وُلِد في الرياض 1964، وعمل في الصحافة وكتب القصة القصيرة إلى جانب الرواية مثل "تلك اليد المحتالة" و"أخي يفتش عن رامبو"، فضلا عن تجربته في أدب الرحلة، حاز جائزة أبي القاسم الشابي 2011 عن روايته "الحمام لا يطير في بريدة"، وكذلك كانت روايته "فخاخ الرائحة" ضمن قائمة الثلاث روايات الأخيرة في جائزة جان ميشالسكي. هنا حوار معه.

  • رواية "رحلة الفتى النجدي" تُترجَم الى اللغة الصينية، ضمن مشروع تبادل ثقافي، كيف استقبلتَ هذه الخطوة علما أن الرواية صدرت منذ عام 2012؟

هي خطوة جميلة بلا شك، وقد أسعدتني كثيرا خاصة أنها تجربة ترجمة جديدة الى إحدى لغات الشرق الأقصى، بل أهمها وهي اللغة الصينية، وقد جاءت بعد تجارب مميزة لترجمة أعمالي إلى عدد من اللغات الأوروبية، بكل ما تملكه أوروبا من أرثٍ أصيل وعريق في قطاع صناعة النشر، فمن "بنغوين" نيويورك غربا، بما تملكه من خبرة طويلة في سوق النشر، إلى ناشرٍ صيني بالتأكيد يعمل بطريقة مختلفة تماما، ستجعلني هذه التجربة أكتشف مع وكيلي الأدبي، "كلمات"، طريقة جديدة في عالم النشر، وفي عالم القراءة، وحتى هذه اللحظة أجد فيها بوادر جيدة ومشجِّعة.

  • ما أبرز النقاط التي تحرص على أن يراعيها المترجم لكي يحافظ على روح العمل ولا يجعله غريبا عن أصله في اللغة الجديدة، خاصة أن "رحلة الفتى النجدي" تجري ضمن البيئة البدوية بكل ما يميزها من خصوصيات؟

في تجاربي السابقة، مثلا باللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية، كانت الترجمة تُبنى بعلاقة جيدة وتواصل مستمر في كل مراحلها، سواء مع البريطاني أنتوني كالدربانك، أو الفرنسي إيمانويل فارلت، أو الإيطالية مونيكا روكو، وعلى الرغم من تمكّنهم في نقل النص إلى لغاتهم، إلا أن التواصل المستمر والإجابة عن كل تساؤلاتهم للوصول إلى أعلى درجات الدقة في الترجمة، هو ما أنتج أعمالا أدبية رائعة، وذلك في تلقيها في تلك البلدان. أحيانا أقترح على المترجم المواءمة من الترجمة الإنكليزية، خاصة أن أنتوني أصبح صديقا بعد ترجمة ثلاث روايات، وبيننا لقاءات وحوارات مستمرة حول الكتابة والثقافة بشكل عام.

أدركت مبكرا، وبوعي، تلك الحدود الفاصلة بين غواية الشعر وفتنة السرد

في ما يخص "رحلة الفتى النجدي" أجد في المترجمة الدكتورة يو ماي قدرة مميزة في إتقان اللغة العربية، وفهم أبعادها وموروثها، لذلك لا أشعر بالقلق تجاه الترجمة، بقدر اهتمامي باسم الناشر الذي إما أن تكون له قدرات كبيرة لإيصال العمل الى القراء ونقاط البيع والتسويق له، أو عكس ذلك.

الشعر والرواية

  • معروف عنك إضفاء اللغة الشعرية على رواياتك، هل ترى أن شعرية الرواية تتأتى من جمالية اللغة، أم أنها تتحقق عبر سبل أخرى؟

الشعرية في السرد ليست بالضرورة شعرنة اللغة على مستوى المفردة، فالرواية يجب أن تظل عملا سرديّا، وليست قصيدة، لكنني أعنى بشعرية المشهد، شعرية الموقف، شعرية اللحظة التي تقف فيها الشخصية مأزومة أو قلقة، فالوصف سواء في تراكيب الجُمل أو مهارة التقاط أعلى ما في الذات أو الروح الإنسانية من تجليات ودهشة، هو ما يعنيني وينال نصيبا من اهتمامي لحظة الكتابة. أنا معني بدرجة كبيرة بسلاسة السرد وانسيابه، وأمتلك إرادة قوية جدا، وذاتا شرسة، في الحذف والتعديل، أثناء مراجعة النص بعد أشهر من كتابته. لحسن الحظ أنني قرأت مبكرا كبار الساردين في العالم، من أمثال دوستويفسكي وفوكنر وكافكا وماركيز وهنري ميلر، ومعظم روائيي الستينات في العالم العربي، بالذات في مصر والشام، وفي الوقت ذاته قرأت تجارب الشعراء الذين كتبوا الرواية كسليم بركات مثلا، وهو أبرزهم، صحيح أنك تقرأ لغة فاتنة، لكن الشخصيات لا تبقى في الذاكرة، تطير بمجرّد أن تقفل الرواية، مع تقديري الكبير لعمل مثل "فقهاء الظلام" أو "أرواح هندسية". خلاصة القول إنني أدركت مبكرا، وبوعي، تلك الحدود الفاصلة بين غواية الشعر وفتنة السرد.

  • كتابك "النخيل والقرميد" كان من أوائل ما نشر في سلسلة "سندباد الجديد" في مشروع "ارتياد الآفاق"، وتلاه "حجر أحمر في منهاتن". هل تصنف هذين العملين في أدب الرحلة أم في أدب اليوميات، وما الفرق بين هذين التصنيفين في نظرك؟

هما عملان مختلفان، الأول "النخيل والقرميد: من البصرة إلى نورج"، كتاب من أدب الرحلات، وهو حقل لم يكن من اهتماماتي لولا دعوة ودعم الصديق الشاعر السوري نوري الجراح، الذي قدَّم مشروعا مهما وهائلا تفتقده المكتبة العربية، وهو مشروع "ارتياد الآفاق" الذي تفرَّعت منه سلسلة "السندباد الجديد" التي تشرفت بأن كنت أحد كتَّابها، على خلاف كتاب "حجر أحمر في منهاتن" الذي يمثل كتابا في أدب اليوميات، ذلك الفن الذي نفتقده فعلا في العالم العربي، لسبب بسيط وهو أننا نفتقد مهنة المحرر الأدبي في دور النشر، فأدب اليوميات يمكن أن يكتبه أشخاص ليسوا بالضرورة كتابا محترفين، لكنهم يمتلكون تجارب مثيرة ومن المهم نقلها الى القراء، وهم لا يتقنون الكتابة بشكل احترافي، لكنهم يعبرون كما يشعرون في أيامهم، ومن ثم تحرّر هذه الكتب لتصبح من أهم الإصدارات الملهمة في حياة القراء.

في ما يخص كتاب "حجر أحمر في منهاتن"، لم تكن يوميات مقصودة، بنيَّة النشر، وإنما كتبتها في رحلتي الأولى إلى نيويورك عام 2008، لئلا أنسى ما حدث في تلك الرحلة الأدبية المهمة في تجربتي الإبداعية، وما رافقها من ملابسات واتهامات، لذلك جاءت فرصة غير مخطط لها مع ناشر وقعت معه لإعادة طباعة ستة أعمال، واشترط عملا جديدا، فاشتغلت عليه مجدَّدا بهدف النشر.  

الجوائز

  • حصلتَ على جائزة أبي القاسم الشابي في العام 2011 عن رواية "الحمام لا يطير في بريدة"، ووصلت "فخاخ الرائحة" إلى القائمة النهائية التي ضمت ثلاث روايات لجائزة جان ميشالسكي، ثم نالت ترجمتها الإيطالية "جائزة الزياتور" للأدب العالمي، ما تقييمك لجوائز الرواية العربية عموما... وقد دار لغط كثير حولها؟

للأمانة لم أقبل بالمشاركة كمحكم في أي جائزة عربية، بالتالي يصعب الحكم عليها إلا من خلال ما يدور حولها وما يجري في أروقتها، لكن تجربة نيل جائزة أبي القاسم الشابي للرواية العربية عام 2011 جعلتني أتنبه لهذه المعايير التي لا تنتمي مطلقا الى الأدب، ولا الى القيمة الفنية للعمل الأدبي، حينما ناصر، بكل حدَّة، مثقفون تونسيون زميلهم الروائي التونسي الذي كان منافسا لروايتي في القائمة النهائية، وجاء التصويت من قبل لجنة التحكيم لصالح عملي بفارق خمسة أصوات، أتذكر أنني كنت أقرأ تقريرا صحافيا في جريدة "الصباح" التونسية، ذاك الصباح البعيد، في فندقي الصغير بشارع الحبيب بورقيبة، ولم يكن التقرير يناقش النصين الأدبيين، وإنما بكل أسف يتناول الكاتبين، كاتب تونسي في مواجهة كاتب سعودي، وهذا أمر لا علاقة له أبدا بتقييم العملين، ولا علاقة له بتحكيم الجوائز الأدبية، حسب معرفتي على الأقل، ولكن إذا كان ما يدور حول الجوائز العربية وما يٌحاك في دهاليزها، هو مشابه لذلك الضجيج، فعليها السلام.

  ما يحدث حاليا في العالم العربي على مستوى المنتج الأدبي والثقافي، هو قليل من الإبداع وكثير من الغوغاء

  • يشكو الأدباء العرب عموما من تخلف النقد الأدبي مقابل تقدم الإبداع، هل توافق على هذه الفكرة؟

صحيح هي مشكلة قائمة منذ ثمانينات القرن الماضي، لكنها تزداد في الألفية الجديدة بشكل مخيف، تقريبا لم يعد ثمة نقد أدبي، النقاد مشغولون بنقد النظرية، وبالنقد الثقافي، باختصار هم مهمومون بالحضور والجماهيرية والبحث عن مواطن جذب المتابعين وليس القراء، لم يعد هناك حضور على المستوى الصحافي لمجلات مهتمة بالنقد الأدبي، كما مجلة "الناقد" التي كانت تصدر عن "منشورات رياض الريس"، أو مجلة "فصول" التي كانت ملء السمع والبصر في زمن عز الدين إسماعيل وجابر عصفور وصلاح فضل، أو مجلة "أدب ونقد" مع فريدة النقاش في تسعينات القرن الماضي.

الروائي والشاعر السعودي يوسف المحيميد

بكل أسف، ما يحدث حاليا في العالم العربي على مستوى المنتج الأدبي والثقافي، هو قليل من الإبداع وكثير من الغوغاء، كل هذه الفوضى والابتذال جاءت بسبب غياب النقد الأدبي، وأصبح مقياس نجاح العمل ليست جودته فنيا، ولا عمقه، وإنما ما يحققه من ضجيج فارغ، أجدني أتفق مع ما جاء في كتاب "نظام التفاهة" من رواج السطحية، وأن التافهين حسموا المعركة لصالحهم، لم يعد زمن الحق والقيم والأخلاق والمبادئ، لم يعد زمن الجودة والعمق، بسبب انحسار النقد وغيابه.

حراك

  • كيف تنظر اليوم إلى الحراك الثقافي السعودي، ما أبرز ما يميز المشهد، وما الذي تنتظر ككاتب من الهيئات الثقافية في المملكة؟

أعتقد أننا نعيش حراكا ثقافيّا لافتا، وإعادة هيكلة قطاعات الثقافة عموما، والانزياح إلى أن الثقافة ليست أدبا وشعرا فحسب، وإنما هي موسيقى وسينما ودراما وفنون بصرية وأدائية ومتاحف ومكتبات وغيرها، وهذا أمر إيجابي جدا، هناك تنظيم جديد لكل ذلك، هناك برامج ومبادرات، وكل هذا مهم ومتميز، لكن الأهم هو كيفية تنفيذ كل ذلك، بمعنى أنك قد تكون متميزا على مستوى الأفكار والرؤى، لكن لا تحقق الكثير عند التنفيذ، مع ذلك نشعر بالتفاؤل بأن المستقبل الثقافي سيكون مميزا خاصة بعد ربط الثقافة بشكل وثيق بالمجتمع من خلال اتساع الرؤية.

 الرواية في السعودية تسير نحو محيطها العربي بشكل مستمر، وتنطلق نحو أفقها العالمي بثقة

  • تُعتَبَر الثمانينات والتسعينات في المملكة، كما في العالم العربي، لحظة تجديد على مستوى الكتابة الشعرية، وكذلك في ميدان الرواية، كيف تقيم الحصاد الروائي في السعودية اليوم، مقارنة بما هو عليه في بلدان عربية أخرى؟

أظن أننا حققنا الكثير، خاصة على مستوى الرواية، من حيث الانتشار والترجمة والجوائز وغيرها. نحن محظوظون بوفرة الكُتَّاب والمبدعين، وبقاعدة قراء لا يُستهان بها، مع قوة شرائية مناسبة، لهذا السبب يعرف الجميع، وخصوصا الناشرين السعوديين والعرب، أن معرض الرياض الدولي للكتاب هو من أهم، إن لم يكن الأهم فعلا، على المستوى العربي، من حيث التنظيم والحضور المبيعات وما إلى ذلك. هي الآن لحظة فارقة في الثقافة العربية، بأن تصبح الرياض عاصمة ثقافية عربية وعالمية ببرامجها ومبادراتها في المجال الثقافي.

الرواية في السعودية تسير نحو محيطها العربي بشكل مستمر، وتنطلق نحو أفقها العالمي بثقة، فما تحقق في مطلع الألفية، وعلى مدى عقدين، إنما هو أمر مهم جعل الرواية السعودية اليوم في المكانة التي تليق بها.

font change

مقالات ذات صلة