شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الأربعاء أمام الكونغرس الأميركي المنقسم حيال الحرب في غزة، على أن "انتصار" إسرائيل سيكون أيضا انتصارا للولايات المتحدة، داعيا البلدين إلى "البقاء متّحدين" بعد تسعة أشهر على اندلاع النزاع الأخير مع حركة حماس.
وقال نتانياهو على وقع تصفيق حار في الكونغرس "لكي تنتصر قوى الحضارة يجب أن تبقى الولايات المتحدة وإسرائيل متحدتين". وأضاف "في الشرق الأوسط يواجه محور الإرهاب بقيادة إيران، أميركا وإسرائيل وأصدقاءنا العرب. هذا ليس صراع حضارات. إنه صراع بين الهمجية والحضارة".
وصفّق الجمهوريون وقوفا لنتانياهو عشرات المرات خلال الخطاب الذي قاطعه أكثر من 60 مشرعا ديموقراطيا بينهم رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي. ماخصوصية العلاقة بين واشنطن وتل أبيب؟ وما أسباب زيارة نتنياهو لواشنطن والكونغرس خلال حرب غزة والحملة الانتخابية الرئاسية؟
حيفا- تأتي زيارة نتنياهو إلى واشنطن، 22-24 يوليو/تموز 2024، التي تتضمن خطابه أمام الكونغرس الاربعاء قاؤه والرئيس جو بايدن الخميس والرئيس السابق دونالد ترمب يوم الجمعة، كحدث مركزي في سياق الحرب على غزة. وقد ازدادت محاولات تفسير العلاقة الأميركية- الإسرائيلية، بما يشمل الصراع مع الفلسطينيين، على خلفية استمرار الحرب في غزة وبداية خلافات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو شخصيا.
جرى التعبير الأوضح عن ذلك الخلاف بإدلاء كل من بايدن من جهة ونتنياهو من جهة أخرى، بتصريحات تضمنت نقدا حادا وواضحا للطرف الآخر. فقد أدلى بايدن قبل ثلاثة أشهر بتصريح مثير على خلفية الخلافات مع نتنياهو والحكومة الإسرائيلية حول الدخول إلى رفح وضرورة تفادي المس بالمدنيين الفلسطينيين هناك، كما في قضية اليوم التالي للحرب وانعدام رؤية إسرائيلية واضحة لذلك، حيث قال في مقابلة مع مجلة "التايم" الأميركية أواخر أبريل/نيسان 2024 إن هنالك "أسبابا للاعتقاد بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يماطل في الحرب في غزة للبقاء في السلطة"، وأتى هذا التصريح بعد أسابيع من تصريح آخر على خلفية مقتل سبعة من موظفي "المطبخ المركزي العالمي" في استهداف إسرائيلي قال بايدن بشأنه إن سياسة نتنياهو هي "خطأ"، وحثه على الموافقة على وقف إطلاق النار في غزة.
في المقابل رد نتنياهو على مواقف بايدن من خلال تصريحات تشكك فيها وألمح إلى أن قرار تجميد وقف شحنات عسكرية إلى إسرائيل قد يمنع إمكان الانتصار على "حماس". حيث قال في تسجيل معد مسبقا نشر الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2024، على محطات التلفزة الإسرائيلية: "قلت إنني أقدر الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل منذ بداية الحرب... لكنني قلت أيضا إنه من غير المعقول أن تقوم الإدارة في الأشهر القليلة الماضية بحجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل". وقد اعتبر بعض القيادات المركزية في البيت الأبيض أن نتنياهو يحاول بتصريحاته التدخل في المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة لصالح دونالد ترمب ضد بايدن. وأتت هذه التصريحات متناسقة مع تواتر سابق لتصريحات لنتنياهو في الموضوع نفسه، حيث رد على تصريحات لبايدن عن أن "نتنياهو يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها" بقوله: "أنا لا أعرف ما الذي قصده الرئيس بايدن، لكنه مخطئ... سياستي مدعومة من قبل غالبية ساحقة من الإسرائيليين، فهم يؤيدون العملية العسكرية على كتائب حركة "حماس" المتبقية، وهم أيضا يؤيدون موقفي بضرورة معارضة محاولات إجبارنا على القبول بدولة إرهاب فلسطينية".
تحدي نتنياهو لمواقف بايدن وتصريحاته القوية ضد مواقف الإدارة الأميركية، ولو أن الخلافات طفيفة فعلا ولم ترق إلى درجة الصدام أو الاختلاف الكلي في المواقف، إلا أنها ومع ترافقها مع دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن ولقاء بايدن وإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي، تفتح له الباب للتأثير المباشر على الأميركيين عموما، وخصوصا مع اقتراب الانتخابات الأميركية، بما قد يخدم فرص ترمب للفوز بالانتخابات. فإن كل ذلك يستدعي إعادة التفكير في تحليل “العلاقة الاستراتيجية الخاصة" للولايات المتحدة بإسرائيل، وموضعة تصريحات بايدن وتحدي نتنياهو في سياق ذلك الفهم، والذي قد يفتح المجال لفهم أفضل لمحدودية البناء على إمكانيات تغيير في الموقف الأميركي تجاه إسرائيل، وهو أمل (واهم) منتشر كثيرا بين المحتجين- في الولايات المتحدة وأوروبا- على سياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والصراع مع الفلسطينيين، وخصوصا في سياق الحرب على غزة مؤخرا، كما في أوساط عربية وفلسطينية وإسرائيلية تأمل في أن يفضي الخلاف إلى تعمق النقاش وربما يؤدي إلى تغييرات تؤدي إلى إزاحة نتنياهو وربما الذهاب إلى تسوية على أساس حل الدولتين.
وهنالك الكثير من المراجعات التي تعرض لـ"العلاقة الخاصة" أو الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. عموما يمكن الإشارة إلى أربعة تفسيرات مركزية لـ "العلاقة الخاصة" بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو بالأحرى في كيفية فهم الدعم الأميركي لإسرائيل ولسياساتها، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق خلال الحرب في غزة.
التفسير الأول، هو ذلك الذي يقول إن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل "أداة وظيفية" تقوم بخدمة مصالح إمبريالية في الشرق الأوسط، وتمثل قاعدة متقدمة تسهل على الولايات المتحدة تنفيذ سياساتها في العالم العربي. والتفسيرات هنا ترجع إلى تطلعات أميركية بأن تكون إسرائيل قاعدة لتسيير المصالح الأميركية في ظل تصاعد التوتر مع الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، وبذلك فإن إقدام الرئيس هاري ترومان على الاعتراف بإسرائيل بعد إعلانها يأتي في سياق ذلك التسابق مع الاتحاد السوفياتي على النفوذ في المنطقة. ومع صعود الأنظمة العربية القومية في مصر وسوريا والعراق وميل بعض هذه الأنظمة لطلب الدعم من الاتحاد السوفياتي، وخصوصا مع سطوع نجم جمال عبد الناصر كرئيس مصري وأحد زعماء كتلة عدم الانحياز، ومع ازدياد اعتماد أوروبا على النفط العربي، فإن أهمية إسرائيل تضاعفت كأداة لضرب الأنظمة العربية المعارضة للنفوذ الأميركي.