أصبح من الواضح أنه كلما طالت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ازدادت احتمالات توسع الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية. وفي الواقع فإن الحرب تتوسع تدريجيا، ولعلّ الحديث لم يعد عن توسع الحرب وإنما عن شكل هذا التوسع ومداه، باعتبار أن التوسعة أصبحت واقعا، وآخر الدلائل على ذلك هو المسيّرة "الحوثية" على تل أبيب ورد إسرائيل بقصف ميناء الحديدة، وهو ما اعتبرته القيادات العسكرية الإسرائيلية "تطورا نوعيا يشكل انعطافة في الحرب".
واللافت أنّ الميليشيات الموالية لإيران بدأت، وعلى نحو أوضح من السابق، تتقصد إظهار التنسيق بينها والتأكيد عليه سياسيا وإعلاميا، وهو ما بدا جليا بعد الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله والذي لاقاه زعيم "أنصار الله" عبد الملك الحوثي في مفرداته وعناوينه، وذلك قبل إطلاق المسيرة على إسرائيل يوم الجمعة والذي تزامن مع استهداف "حزب الله" مستوطنات جديدة في شمال إسرائيل.
بالتالي فإنه لا يمكن إسقاط الرابط بين قصف الجيش الإسرائيلي للحديدة السبت وقصفه في الوقت عينه مخازن للأسحلة تابعة لـ"حزب الله" في جنوب لبنان، وذلك في ردّ إسرائيلي على منحى قوى "محور إيران" لإظهار التنسيق بينها، وهو ما أشار إليه الإعلام الإسرائيلي. بيد أنّ هذا التنسيق لا يعني في الواقع إلا إقحام "الحوثيين" أكثر في أتون الصراع وتحملهم كلفته العالية، وذلك نتيجة حسابات الكلفة والجدوى في المركز الإيراني وفي دوائر "حزب الله". وهي حسابات تقوم ليس على اختيار الأهداف الإسرائيلية في إطار التصعيد المتبادل وحسب بل أيضا الجهة التي تقصف هذه الأهداف على قاعدة أن كلفة الرد الإسرائيلي عليها وأذيتها هي أقل من كلفة الرد على "حزب الله" الذراع الرئيسة في إمبراطورية الميليشيات الموالية لإيران.
وهذا يفتح على قراءة الدينامية الداخلية في "محور إيران" خلال هذه الحرب من باب السؤال عن أسباب استهداف "الحوثيين" لتل أبيب وليس "حزب الله" رغم تهديده ووعيده بتعميق قصفه في الداخل الإسرائيلي، ورغم أنه هو وليس "الحوثيون" من ينخرط في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي، وهي المواجهة الثانية في ترتيب الجبهات المفتوحة في المنطقة. وهنا أيضا يمكن الإشارة إلى المساعي الدعائية لـ"محور إيران" لتضخيم قدرات "الحوثيين" وكفاءاتهم العسكرية وهو ما يبدو أنه يغري "أنصار الله" قبل أن يخيف إسرائيل، لدرجة أن عبد الملك الحوثي بدأ يفاخر بـ"المواجهة المباشرة مع إسرائيل" للدلالة على مدى انخراطه في الصراع، وهذا يرتبط بحسابات التعبئة الحوثية في اليمن إلى جانب الحسابات الإقليمية لـ"محور إيران". وهنا يمكن أيضا فتح هلالين للإشارة إلى نوع من "الطبقية" في الدينامية الداخلية لـ"محور إيران"، باعتبار أن "التضحية" بـ"الحوثيين" تنطوي على اعتبار ضمني بأنهم "أهل للتضحية" أكثر من سواهم عندما ينوي هذا المحور تصعيد رسائله ضد إسرائيل كما حصل في قصف تل أبيب الجمعة، هذا مع الإشارة إلى السؤال المطروح عما إذا كانت المسيّرة التي تبنى "الحوثيون" إطلاقها قد انطلقت فعلا من اليمن؟!
هذه واحدة من المعادلات الجهنمية للحرب في المنطقة والتي لا يمكن قراءتها خارج صلاتها المتينة بماضي صراعات المنطقة ومستقبلها وفي مدى أقرب خارج التحوّلات الفلسطينية والإسرائيلية وعلى مستوى المشهد السياسي الأميركي، ولاسيما بعد تنحّي الرئيس جو بايدن عن الترشح لولاية ثانية مع ما لذلك من تأثير على مستقبل الحرب، وذلك بالنظر إلى أن المقترح الوحيد الموضوع على الطاولة لوقف إطلاق النار هو مقترح الرئيس الديموقراطي. ولذلك فإن هذا التطوّر الأميركي أصبح بلا أدنى شك جزءا رئيسا في حسابات الأطراف المتقاتلة والتي يفترض قراءتها على أنها تُبنى على قاعدة استمرار الحرب وتوسعها بوتائر مختلفة.