كتّاب دمّرت إسرائيل مكتباتهم في غزة: فقدنا جزءا من ذواتناhttps://www.majalla.com/node/321516/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%83%D8%AA%D9%91%D8%A7%D8%A8-%D8%AF%D9%85%D9%91%D8%B1%D8%AA-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%81%D9%82%D8%AF%D9%86%D8%A7-%D8%AC%D8%B2%D8%A1%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%B0%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%86%D8%A7
لم تترك الحرب على غزة شيئا إلا وأتت عليه، حتى تحولت حياة الإنسان الغزي إلى كتلة من الآلام والبكاء على الذكريات والمقتنيات، ومن ضمنها المكتبات المنزلية، التي يعكف الكتّاب والشعراء والمثقفون والفنانون على اقتنائها وتنميتها طوال سنوات. فمع استمرار الحرب في تدمير غزة تدميرا شاملا، أضحت المكتبات المنزلية لمعظم كتاب غزة، أثرا بعد عين وشاهدا على حجم الدمار الذي حلّ بالقطاع خلال شهور عشرة من الحرب.
سألنا الكاتب يسري الغول الذي لا يزال في شمال غزة عما تعنيه له مكتبته الشخصية، فأجاب: "المكتبة هي بيتي الأساس، ففي رحابها اعتدت قضاء معظم وقتي، وبفقدانها فقدت آلاف الكتب التي تتنوع ما بين الرواية والقصة والشعر والمسرح، بالإضافة إلى الكتب الفكرية والفلسفية ومجموعة من الكتب النادرة".
تكوين ثقافي
يروي الغول أن مكتبته كانت جزءا من تكوينه الشخصي والثقافي ومن صقل تجربته الأدبية، "فمع الوقت تتحول المكتبة إلى رفيق تحدث مفارقته شرخا كبيرا في الروح. وقد دمر الاحتلال منزلي بالكامل، بما في ذلك مكتبتي التي قضيت سنوات في تكوينها، وشهدت ذكرياتي ورحلتي مع الكتابة وكانت مستودع مشاعري وأفكاري".
تتحول المكتبة إلى رفيق تحدث مفارقته شرخا كبيرا في الروح
يسري الغول
أما الشاعرة هند جودة التي نزحت من مدينة غزة إلى القاهرة فتشير إلى علاقتها العاطفية بمكتبتها الخاصة، منذ الطفولة، فمن خلالها ترى محاولاتها الأولى في الكتابة، وتعلقها الحميمي برفوف الكتب. تقول: "كانت مكتبتي التي صمّمتها على شكل اسمي، شيئا عزيزا ومختلفا، وقد جعلتها على هذا الشكل لأنها بمعنى من المعاني هويتي الخاصة، وأضفت إليها رفا سفليا مثل خط تحت الاسم مزود فواصل لأتمكن من رص الكتب. وأسفلها كانت خزائن وأدراجا، وإلى جوارها خزانة رفوف بأربع طبقات، وفي هذه المكتبة وضعت ثمرة حبي للكتب وعلاقتي بها، لتشكّل ميراثي الشخصي الذي تراكم على مدار سنوات من النشر والعمل الثقافي".
وعما تمكنت هند من نقله معها من داخل مكتبتها خلال عملية النزوح القسري، تجيب: "مع الأسف لم أنقل الكثير ولم أشعر بالرغبة في ذلك، فقد كانت مكتبتي بمثابة ذاكرتي الشخصية، وهي تضمّ فضلا عن الكتب، كلّ محاولاتي في الكتابة منذ مرحلة الدراسة الثانوية. كان لديّ الكثير من المخطوطات والأوراق داخل ملفات، التي هي بدورها داخل ملفات، وكلها داخل أدراج أو متراصة في الخزائن، وكان لديّ الكثير من قصاصات الجرائد والمجلات التي نشرت فيها نصوصي على امتداد سنوات، أو نسخ من "مجلة 28" التي كنت قد حلمت بتأسيسها مع بعض الأصدقاء في غزة وصارت حقيقة بين أيدينا، كنت أحتفظ بنسخها الغالية لأنها بمثابة حلم تحقق. كان هناك أيضا مئات الكتب التي جلبتها من مكتبة أبي، وكذلك كتب أهداها إليّ أصدقائي الشعراء والكتاب في غزّة وخارجها" .
حول أمل استعادة مكتبتها مستقبلا، تعلق هند جودة: "أتجنّب التفكير بتفاصيل بيتي بما في ذلك مكتبتي، ربما ما زالت كتبي وأوراقي تعيش في الأدراج والخزائن، أو ربما سحقت تحت الركام، وربما فقدت كل ذلك الى الابد، لكنني أتوق الى اللحظة التي ستتوقف فيها الحرب ويسمح فيها بالعودة إلى الشمال كي أعود وأقف على أطلال بيتي وأرى إن كان في إمكاني إنقاذ شيء ما، ولو قصاصات مما كانت تضمّه مكتبتي العزيزة".
ملاذ آمن
أما الشاعر شجاع الصفدي من مدينة غزة، النازح إلى دير البلح، فيعتبر مكتبته المنزلية ملاذه الآمن، التي يبحث داخلها عن ذاته، ويحقق من خلالها أشكالا من المتعة لا يجدها في مكان آخر.
يخبرنا الصفدي: "مكتبتي هي مساحتي المحظورة على الآخرين، فلا أسمح لأحد بدخولها، وأجلس لساعات بين الكتب، أنظفها، أدلّلها، أقرأ وأتأمل وأفكر، وأكتب. كل ذلك فقدته بعد النزوح القسري".
لا يخفي الشاعر ألمه بسبب تدمير مكتبته الخاصة التي يصفها بالهائلة: "يؤلمني أنني فقدت مكتبة العمر، التي اجتهدت لجعلها متنوعة على مدار سنين، ففيها موسوعات فكرية وفلسفية ضخمة، وفيها قواميس بمختلف اللغات، وكذلك مجلات ودراسات أدبية متنوعة، بالإضافة إلى عدد كبير من الأعمال الأدبية، كلها أصبحت هباء منثورا، في لحظة واحدة".
عن الأثر الذي تركته المكتبة على الصفدي يقول: "لقد منحتني مكتبتي الخاصة فكرا مستنيرا، وتنوعا ثقافيا، وتجارب مختلفة مع حضارات العالم، ثقافة وأدبا وعلما وفنا، كل ذلك ساهم في صقل هويتي وتقديمي الى العالم بطريقة مغايرة".
لم أكن أعلم أن عودتي إلى منزلي ومكتبتي ستغدو حلما مستحيلا
شجاع الصفدي
يضيف: "لقد ألغت مكتبتي الشخصية نظام البصم المعتاد على الأفكار التي تمر أمام عقلي، وبفضلها صارت كل قناعة قابلة للنقد والبحث والتبديل، واستدراج نتائج مغايرة للتقليدي والسائد حول أي إشكالية فكرية".
مثل معظم الفلسطينيين، اعتقد الصفدي في بداية الحرب أن نزوحه عن منزله غرب غزة لن يكون طويلا، وأن عودته وعائلته ستكون قريبة، لذا لم يصطحب معه أي كتاب من مكتبته المنزلية: "لم أكن أعلم أن عودتي إلى منزلي ومكتبتي ستغدو حلما مستحيلا، فخرجت من بيتي خاوي اليدين، ظنا أنها أيام قليلة ونعود".
يعرب الصفدي عن حزنه العميق بعد دمار مكتبته، "أحزن بصورة خاصة على الكتب التي ورثتها عن والدي الراحل والتي عمرها عشرات السنين".
أخيرا، يشكك الصفدي في قدرته على بناء المكتبة من جديد، أو امتلاك الشغف لتكرار جمع مكتبة جديدة. ويتساءل: "كيف سيكون هذا الكنز الثقافي الكبير قابلا للتعويض في المستقبل؟".