العملات المشفرة ذهبُ المستثمرين والآفاق واعدة

على رغم تذبذب السوق، يواصل المستثمرون الثقة بـ"الكريبتو" نظراً إلى ما تتمتع به من لامركزية وعوائد عالية وابتكار تكنولوجي

أكسل رانغيل غرسيا
أكسل رانغيل غرسيا

العملات المشفرة ذهبُ المستثمرين والآفاق واعدة

تشغل العملات المشفرة العالم المالي منذ أكثر من عقد من الزمن، لكن التقلبات الأخيرة في سوقها تثير مخاوف كبيرة حول قدرتها على الاستمرار في الأجل البعيد. ارتفع سعر الـ"بيتكوين" بعد أقل من ساعة من نجاة الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب من محاولة اغتيال في تجمع انتخابي بولاية بنسلفانيا في 13 يوليو/تموز، وذلك من 58 ألفاً و337 دولاراً إلى 59 ألفاً و796 دولاراً.

قبل أسبوع فقط، في 6 يوليو/تموز، أُبلِغ عن انخفاض سعر الـ"بيتكوين" بنحو 25 في المئة خلال الأيام الـ30 السابقة. واقتربت القيمة السوقية الإجمالية للـ"بيتكوين" والـ"إيثريوم" والـ"إكس آر. بي." والـ"سولانا" وسوق العملات المشفرة الأوسع، من تريليوني دولار للمرة الأولى منذ أوائل فبراير/شباط، بانخفاض ممّا يقرب من ثلاثة تريليونات دولار في مارس/آذار.

الأكثر إثارة للاهتمام، هو أن ترمب أصبح المرشح المفضل لمجتمع الـ"بيتكوين" والعملات المشفرة، إذ وعد بحماية حق الناس في امتلاك الـ"بيتكوين"، وسيكون متحدثاً رئيساً في مؤتمر الـ"بيتكوين" 2024 في وقت لاحق من يوليو/تموز. وهذا يضعه في تعارض صارخ مع موقف إدارة بايدن المناهض للعملات المشفرة.

أصبح ترمب المرشح المفضل لمجتمع البيتكوين والعملات المشفرة، إذ وعد بحماية حق الناس في امتلاك البيتكوين، وهذا يضعه في تعارض مع موقف إدارة بايدن المناهض للعملات المشفرة

تبدو مكاسب الـ"بيتكوين" متواضعة، مقارنة بأكبر العملات الرقمية المستوحاة من ترمب، إذ شهدت كلها قفزات سعرية دراماتيكية بعد انتشار الأنباء حول تعرضه إلى إطلاق نار. حققت "تريمب" أكبر المكاسب، بزيادة 71 في المئة خلال الساعات الـ24 التالية وصولاً إلى سعر 0.66 دولارا، وارتفع سعر  عملة "ترامب" المشفرة بنسبة 39 في المئة، بينما ارتفع سعر "ماغا" بنسبة 33 في المئة.

إقرأ أيضا: ترمب ليس كابوسا اقتصاديا كما يتوقع كثيرون

في وقت سابق من الأسبوع، باعت الحكومة الألمانية حيازاتها كلها من الـ"بيتكوين"، مما أثار القلق في البداية، لكنه أدى في النهاية إلى انتعاش السعر. وعبّر محللون للعملات المشفرة عن تفاؤل حذر في شأن مرونة الـ"بيتكوين". وأدرج الحزب الجمهوري موقفاً مؤيداً للعملات المشفرة في بيانه الانتخابي، ليصبح أول حزب سياسي رئيس في الولايات المتحدة يفعل ذلك، في حين استضاف المشرعون الديمقراطيون مائدة مستديرة حول العملات المشفرة لتعزيز الحوار مع قادة القطاع.

Shutterstock
الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب، يتحدث في مؤتمر CPAC، في ماريلاند، الولايات المتحدة الأميركية، 24 فبراير 2024.

مع ذلك، فشل مجلس النواب في تجاوز نقض الرئيس جو بايدن لمشروع قانون كان سيسمح للمصارف الأميركية بامتلاك العملات المشفرة، مما يسلط الضوء على الانقسام الحزبي حول السياسة الخاصة بالعملات المشفرة. وعلى الرغم من هذه الانتكاسة، لا يزال البعض يأمل في التعاون بين الحزبين مع حضور المستشارة البارزة لبايدن، أنيتا دن، المائدة المستديرة حول العملات المشفرة، مما يترك المشاركين متفائلين بحذر.

من الازدهار إلى التذبذب

خلال جائحة "كوفيد-19"، شهدت العملات المشفرة ازدهاراً غير مسبوق، مدفوعاً بالاستثمارات المضاربة، لكن أسعارها ما لبثت أن هوت، في ما يشبه انهيار فقاعة قطاع التجارة الإلكترونية أوائل العقد الأول من القرن الحالي، قبل أن تدخل في سلسلة من الارتفاعات والانخفاضات.

أدرج الحزب الجمهوري موقفاً مؤيداً للعملات المشفرة في مسودته السياسية، ليصبح أول حزب سياسي رئيس في الولايات المتحدة يفعل ذلك

دفع ذلك الهيئات التنظيمية العالمية إلى تكثيف مراقبتها لسوق العملات المشفرة. فقد فرضت الصين حظراً على تداول العملات المشفرة وتعدينها، في حين طبقت الولايات المتحدة أطراً أكثر صرامة لكبح الأنشطة غير القانونية، مما عزز حال عدم اليقين وأثار مخاوف بين المستثمرين.

وكان للثغر التكنولوجية دور أيضاً في هذا التراجع. فعلى الرغم من التقدم التكنولوجي، لا تزال العملات المشفرة عرضة للهجمات السيبرانية، مثل أعمال القرصنة المعروفة باسم "بولي نتوورك" التي حصلت عام 2022، وتسببت بخسارة أكثر من 600 مليون دولار وقوّضت ثقة المستثمرين.

وأدت العوامل الاقتصادية الكلية، مثل ارتفاع معدل التضخم وزيادة معدلات الفائدة وعدم اليقين الاقتصادي العالمي، إلى بحث المستثمرين عن أصول أكثر أماناً من العملات المشفرة، لتصبح نتيجة لذلك، أقل جاذبية، مقارنة بالأصول التقليدية مثل الذهب والسندات الحكومية.

Shutterstock
عملات البتكوين.

وشهدت الـ"بيتكوين" أخيراً أسوأ انخفاض أسبوعي لها في سنة تقريبا بسبب المخاوف من احتمال تصفية العملات المشفرة في بورصة "إم. تي. غوكس" اليابانية المنهارة. وأدت التوقعات بأن يبيع الدائنون الـ"بيتكوينات" المستردة، إلى رفع الضغوط في اتجاه البيع في السوق. وأثر انهيار بورصة العملات المشفرة "إف. تي. إكس." في نهاية عام 2022 في شكل كبير في السوق. أسس البورصة (السجين) سام بانكمان-فريد عام 2019، وخلّف انهيارها بعد مرور ثلاث سنوات فجوة مالية قدرها ثمانية مليارات دولار. ويمثّل الحكم على المسؤولَين التنفيذيَّين السابقَين لـ"إف. تي. إكس."، نيشاد سينغ وغاري وانغ، المرتقب في خريف 2024، خطوة حاسمة نحو محاسبة المستثمرين الذين تكبدوا خسائر كبيرة.

العوامل الاقتصادية الكلية مثل ارتفاع معدل التضخم وزيادة معدلات الفائدة وعدم اليقين الاقتصادي العالمي دفعت المستثمرين إلى البحث عن أصول أكثر أماناً من العملات المشفرة

على الرغم من تراجعها، يعتقد العديد من الخبراء أن سوق العملات المشفرة ستستقر وستستعيد قوتها. ومع نضج السوق، من المتوقع أن يصار إلى التخلص من المشاريع الضعيفة، وإبقاء المشاريع ذات الأساسيات القوية.

مستقبل العملات المشفرة

يواصل التبني المؤسسي للعملات المشفرة النمو بحذر. تقدم المؤسسات المالية الكبرى مثل "جاي بي. مورغان" و"غولدمان ساكس" خدمات متعلقة بالعملات المشفرة، وتضخ شركات كبرى مثل "تيسلا" و"سكوير" استثمارات كبيرة في الـ"بيتكوين"، مما يشير إلى قبول متزايد للعملة المشفرة. 

يتميز مجال العملات المشفرة بالابتكار التكنولوجي السريع. من المتوقع أن تقود المشاريع التي تركز على التوسع وقابلية التشغيل المشترك والأمان، موجة النمو التالية. ويُعَد التكامل مع الأنظمة المالية التقليدية مجالاً رئيساً آخر، إذ يستكشف العديد من الدول إصدار المصارف المركزية عملات رقمية لدمج مزايا العملات المشفرة مع استقرار العملات التقليدية.

الجهود التنظيمية العالمية

تدرس الحكومات في أنحاء العالم وضع قواعد جديدة للعملات الرقمية. ويوضح تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، "مسارات تنظيم الأصول المشفرة"، التطورات التنظيمية الرئيسة.

تدرس الحكومات في كل أنحاء العالم وضع قواعد جديدة للعملات الرقمية

في الولايات المتحدة، صدر "قانون الابتكار المالي والتكنولوجيا للقرن الحادي والعشرين" والإطار القانوني لسلاسل الكتل (البلوك تشين) عام 2023 لتحديد متى تُحتَسَب العملة المشفرة ورقة مالية أو سلعة، وتوسيع الرقابة على القطاع. مع ذلك، توقفت الجهود التشريعية الفيديرالية بشكل عام.

ووضع الاتحاد الأوروبي التنظيم المسمى، "الأسواق في الأصول المشفرة"، في مايو/أيار 2023، ويتطلب من مزودي الخدمات جميعاً الحصول على تراخيص المرسلين والمستفيدين وأسمائهم بدءاً من يناير/كانون الثاني 2026.  وأكدت إليزابيث سفانتسون، وزيرة المالية السويدية، "الحاجة الملحة إلى فرض قواعد أفضل لحماية الأوروبيين الذين استثمروا في هذه الأصول ومنع إساءة استخدام قطاع العملات المشفرة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب".

اليابان والصين وبريطانيا

في آسيا، تختلف التنظيمات في شكل كبير. تعترف اليابان بالعملات المشفرة كملكية قانونية تديرها وكالة الخدمات المالية. وتتقدم كوريا الجنوبية في التنظيم من خلال "قانون حماية مستخدمي الأصول الافتراضية". وتفرض الصين حظراً صارماً على التداول والتعدين، في حين ألغت المحكمة العليا في الهند الحظر على العملات المشفرة عام 2020 وتنظر في تنظيمات جديدة.

وأصدرت البرازيل تنظيمات للعملات المشفرة في يونيو/حزيران 2023، مما جعل المصرف المركزي هو المشرف على الأصول المشفرة. وأشار روبرتو كامبوس نيتو، محافظ مصرف البرازيل المركزي، إلى تحول في الطلب المحلي نحو العملات المشفرة المستقرة، أي المرتبطة بأصول تقليدية تضمن استقرار أسعارها.

مع نضج السوق، من المتوقع أن يصار إلى التخلص من المشاريع الضعيفة، وإبقاء المشاريع ذات الأساسيات القوية

وتفرض المملكة المتحدة على أي شركة تقدم العملات الرقمية أن تكون معتمدة من هيئة السلوك المالي. واقترح بنك إنكلترا وهيئة السلوك المالي تنظيمات للعملات المشفرة المستقرة لاستغلال مزاياها المحتملة بالتوازي مع حماية المستهلكين.

ووضعت المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية 18 توصية لقواعد عالمية لإدارة العملات المشفرة والأصول الرقمية. ويؤكد المنتدى الاقتصادي العالمي ضرورة اتباع نهج عالمي لتعزيز فوائد تكنولوجيا سلاسل الكتل وإدارة الأخطار المرتبطة بها.

لماذا يواصل الناس الاستثمار في العملات المشفرة؟

تتميز العملات المشفرة باللامركزية، مما يجذب من يبحثون عن سيادة مالية أكبر. ووفرت هذه العملات تاريخياً عوائد كبيرة على الاستثمار، مما يستقطب المستثمرين الذين لديهم القدرة على تحمل الأخطار. والعملات المشفرة في نظر مؤيديها، سواء كان ذلك صحيحاً أم خطأ، وسيلة للتحوط ضد تدهور العملة الورقية. ويُشبّهون الـ"بيتكوين" في شكل خاص بالذهب الرقمي بسبب محدودية عرضه وطبيعته الانكماشية (عكس التضخمية).

ويُعَد مجال العملات المشفرة مجالاً للابتكار، يجذب باستمرار المتحمسين للتكنولوجيا والمستثمرين المؤمنين إيماناً إيجابياً بما يحمله المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، توفر العملات المشفرة إمكان التوسع في الانتشار الجغرافي،  وهو ما تفتقر إليه الأنظمة المالية التقليدية، مما يجذب بشكل خاص المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات المصرفية.

العملات المشفرة في نظر مؤيديها، سواء كان ذلك صحيحاً أم خطأ، وسيلة للتحوط ضد تدهور العملة الورقية

على الرغم من الانخفاضات الأخيرة، تظل الـ"بيتكوين" الأصل المشفر الأكثر قيمة، إذ تبلغ قيمتها السوقية نحو 589 مليار دولار. ويجادل المستثمرون فيها بأنها لا تزال رهاناً أكثر أماناً من الأسهم خلال الاضطرابات الاقتصادية.

لكن ما هي بالضبط العملات المشفرة ولماذا يجب أن نهتم بها؟

اتخذت الـ"بيتكوين" أولى الخطوات الكبيرة نحو نظام نقدي إلكتروني حقيقي عام 2008 خلال الانهيار المالي. وأنقذت الحكومات المؤسسات المالية التي اعتبرتها "أكبر من أن تُترَك لتنهار"، مما فاقم انعدام الثقة في المصارف. وقدمت الـ"بيتكوين" وسيلة لتسهيل المعاملات من دون وسيط مركزي. 

تُمكّن تكنولوجيا سلاسل الكتل مجموعة تعاونية من الأعضاء من تشغيل سجل مالي عام في شبكة مشتركة. وتبسّط هذه التكنولوجيا العمليات في المصارف، وسلاسل الإمداد، والرعاية الصحية، وحتى التصويت. وقفز التمويل السنوي العالمي لمشاريع سلاسل الكتل من عدة مليارات إلى نحو 30 مليار دولار بين عامي 2020 و2021. وتدمج شركات كبيرة مثل "آي بي إم" و"أمازون" و"بنك أوف أميركا" تكنولوجيا سلاسل الكتل في عملياتها.

ومنذ دخول الـ"بيتكوين" على الخط، تطور الجيل الثاني من العملات المشفرة، وجاءت الـ"إيثيريوم" في مقدمته. وتسمح لغة البرمجة الخاصة بالـ"إيثيريوم" بإنشاء عقود ذكية تُنفَّذ تلقائياً، مما يشغّل الآلاف من التطبيقات اللامركزية.

وتستمر المخاوف في شأن استهلاك التعدين للطاقة وتقلب أسعار التداول. وتسعى العملات المشفرة الأحدث إلى إيجاد طرق للتحقق من التعاملات باستخدام طاقة أقل. وتعالج العملات المشفرة المستقرة مخاوف التقلب وتعمل كمدخل للانتقال إلى العملات المشفرة من التمويل التقليدي.

font change

مقالات ذات صلة