لا يزال النظام الدولي، منذ نهاية الحرب الباردة، يمر بعملية انتقالية مضطربة، لا تزال نتيجتها النهائية غير واضحة المعالم. ويمكن الحديث عن جملة من السيناريوهات الممكنة، بما في ذلك احتمال العودة إلى نظام ثنائي القطب، تتصدره هذه المرة الصين والولايات المتحدة كقوى مهيمنة، أو نظام متعدد الأقطاب، الذي يبدو أكثر احتمالا. ولكن السمة البارزة لهذه الفترة الانتقالية الفوضوية، على أي حال، هي "صراع القوى العظمى".
وتتنافس الولايات المتحدة والصين وروسيا فيما بينها على التأثير في عملية الانتقال إلى نظام دولي جديد. وفي هذا السياق، تحتل أفريقيا مكانة مهمة. علاوة على ذلك، تتعزز أهمية أفريقيا من خلال المكانة البارزة التي اكتسبتها لدى كل من مجموعة "البريكس" ومجموعة "الدول السبع"، كما يتجلى في إعلان القمة الأخير والذي أعطى أهمية لـ"التعامل مع الدول الأفريقية، بروح الشراكة العادلة والاستراتيجية".
وليس صراع القوى العظمى في أفريقيا بالظاهرة الجديدة، بل كان موجودا لقرون، مع اختلاف الفاعلين والأدوات المستخدمة عبر الزمن. ولقرون عديدة، اقتصر التنافس إلى حد كبير على القوى الاستعمارية الأوروبية، سوى أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين دخلت هذا السباق منذ القرن الفائت. وفي القرن الحادي والعشرين، يبدو أن هذا التنافس قد اشتد.
واليوم، لا يقتصر التنافس على الولايات المتحدة والصين وروسيا التي تتنافس لتعزيز مصالحها في القارة الغنية بالموارد، بل إن هناك الكثير من القوى المتوسطة الأخرى التي تعمل على توسيع مصالحها في أفريقيا أيضا.
ويتجلى الاهتمام المتزايد بأفريقيا من قبل القوى العظمى بشكل واضح في استراتيجيات الأمن القومي الخاصة بكل منها. ونرى ذلك في أحدث استراتيجية للأمن القومي الأميركي الصادرة في سبتمبر/أيلول 2022 والتي أقرت بأن تطور أفريقيا سيكون عاملا رئيسا في تحديد مستقبل العالم والولايات المتحدة في هذا القرن، وأنها أصبحت بشكل متزايد ساحة مهمة لصراع القوى العظمى، الذي يشكل النظام الدولي المتطور.