هل "الجيل زد" من كوكب آخر؟

"المجلة" تحاور الأهل والأبناء وتحاول رسم صورة عن "صراع الأجيال" الجديد

Sara Gironi Carnevale
Sara Gironi Carnevale

هل "الجيل زد" من كوكب آخر؟

شكلهم غريب، أفكارهم غريبة، منزوون في غرفهم، يحبون (تيك توك)، ومدمنون على الهاتف، لا يهتمون بالمدرسة ولا بالدراسة، يحبون العلامات التجارية والترندات، سخيفون وغير مبالين"... كلها عبارات يوصم بها الجيل الذي يسمّى "الجيل زد" (GenZ)، وهو المكون من الأفراد الذين ولدوا بين عامي1997-2012 أي إن أعمارهم اليوم في عام 2024 تتراوح بين 12 و27 عاما.

يعاني أفراد هذا الجيل من سوء فهم وصعوبة تواصل بينه وبين الأجيال السابقة، ولا سيما جيل أهاليهم، ويتعرضون للكثير من التنميط أو التسخيف لأفكارهم الحديثة، ولنمط حياتهم واستهلاكهم، وطريقة تواصلهم، وغالبا ما يكونون الفئة الأكثر استهدافا من قبل العلامات التجارية العالمية، وذلك لأنهم يستسهلون الاستهلاك والشراء خاصة عبر الإنترنت، ولأنهم أيضا يشكلون جيل المستقبل، عدا عن أنهم أكثرية من حيث العدد، فنسبتهم تبلغ نحو 30 في المئة من سكان العالم.

لذلك تستهدف هذه الفئة العمرية بشتى الوسائل، وتنشأ تطبيقات خاصة تتناسب مع نمط أفكارهم ومزاجهم، أو يستقطبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يستعملونها بشكل مكثف، إن كان لشراء الخدمات والمنتجات أو للتعبير والتواصل وبناء الأصدقاء والمعارف.

تشير دراسة عن "الجيل زد" نشرها موقع "whatsthebigdata" المتخصص في الإحصاءات والدراسات، وتجميع البيانات، والتي شملت عينات من مختلف العالم، إلى أن 85 في المئة من هذا الجيل يبحثون عن المنتجات الجديدة والخدمات عبر منصات التواصل الاجتماعي، و80 في المئة منهم يعتبرون أن "يوتيوب" منصة أساسية تساعدهم على التعلم، واللافت أنهم يفضلون "إنستغرام" على "تيك توك" للأنشطة الاجتماعية، وأشارت الدراسة أيضا إلى الأرقام الديموغرافية لهذا الجيل، واعتمدت في أرقامها على دراسات أخرى من مواقع حكومية أو شركات كبرى ومراكز أبحاث، لتخرج باستنتاجات دقيقة، حول الصحة النفسية، وسوق العمل، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تخص هذا الجيل.

 85% من هذا الجيل يبحثون عن المنتجات الجديدة والخدمات عبر منصات التواصل الاجتماعي

ولكن بعيدا عن الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وبغض النظر عن التطور الحاصل لهذا الجيل، فلطالما اصطدم الأبناء بالأهل فكريا، بسبب فروقات التجربة والسن، وهذا يولد صراعات في ما بينهم، خاصة في الفترة الأصعب من العمر، أي فترة المراهقة، وجيل الألفية ليسوا استثناء في هذا الأمر.

ولكن هذه الفروقات عززت عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بسبب التطور الهائل الذي يحدث يوميا، مما يوسّع الفجوة بين العالم الذي يعيش فيه الأهل، والعالم الموازي الذي يعيش فيه أبناؤهم.

"المجلة" تحدثت إلى مجموعة من الأهل وأولادهم، من بلدان وطبقات اجتماعية مختلفة، لرصد أبرز المشاكل وطرق التواصل، والصعوبات التي يعيشونها يوميا.

تواصل وتنميط

جهاد (والد جاد) /أميركا: "لا شيء غريبا في هذا الجيل. بل إن هذا الجيل ينبغي أن تتخذه كل الأجيال التي سبقته قدوة. ابني يقضي معظم وقته في غرفته، إما يدرس أو يمارس ألعاب الفيديو. لديه أصدقاء كثر ويذهب الى الجيم بانتظام ويحافظ على لياقته، بل يتفاخر بها، وبجسده الرياضي... لا أراقبه أبدا، عمره الآن 18 سنة، نسيت كم كان عمره عندما قلت له إنني أثق بأنه لن يكذب علي يوما وهذا يكفيني، لذا هو صريح معي حد الفجاجة أحيانا لكنه شخص نبيل وهذا ما أحبه فيه... التواصل معه سهل إلى حد ما، لكنني أظن أن التنميط الذي في رأسه عن والده، أو الوالد بشكل عام، يمنعه أحيانا من التواصل معي كما ينبغي. ويقر أحيانا بين تعليق ساخر وآخر بأنني من زمن الديناصورات، بأنني في الواقع أب (cool)ومحاور ومتفهم، إضافة إلى ميولي اللاعنفية التي تجعله يقول عني إنني أرى الشطرنج لعبة عنيفة".

يواصل جهاد: "لا أعرف إن كان يمكن مقارنة فترة مراهقته في أميركا ضمن عائلة من الطبقة الوسطى بفترة مراهقتي خلال الحرب الأهلية في لبنان. لا يمكنني المقارنة، مع ذلك لا أتمنى له أن يعيش مراهقتي، كما أنني لا أحلم بأن أعيش مراهقته".

وعن العلاقة المالية، بابنه يقول جهاد: "بالنسبة إلى المصروف، لديه بطاقة اعتماد ينفق منها، ضمن المعقول لشاب في عمره، وحين يتهور نذكره بأن البطاقة ليست حقا مكتسبا ويمكننا أن نسحبها منه، فيرتدع. لكنه في الأجمال حريص... علاقته بالإنترنت عبارة عن موسيقى وبودكاست وفيديوهات قصيرة وغيرها مما لا أعرفه في الموسيقى والفن والثقافة هو ابن جيله الأميركي العادي.وأداؤه الدراسي كان يمكن أن يكون أفضل لولا تأجيل المشاريع المدرسية والإهمال وخلافه. هذه ضريبة الموبايل الكبرى على ما أظن. برأيي كل جيل أفضل حكما من الذي سبقه".

اختلاف الاهتمامات

بطبيعة الحال، سنلاحظ أهمية البلد الذي يسكن فيه الولد والأهل، في طريقة التواصل، والعلاقة بينهما بشكل عام، فالمجتمع بحدّ ذاته يفرض ثقافة محددة، فلا يشبه فرد جيل الألفية الذي يعيش في أميركا، ذلك الذي يعيش في لبنان أو مصر، ولكن هناك قصصا مشتركة كثيرة.

جاد ابن جهاد يقول: "أعتقد أن علاقتي بأهلي جيدة ولكنّ فيها نوعا من البعد، لأنه من الصعب إجراء محادثات صريحة أو قضاء الوقت معا بسبب اختلاف الاهتمامات بيننا، ولأنني في كل وقت أتحدث فيه مع أمي وأبي ينتهي الأمر بشجار حول المدرسة وواجباتي الدراسية، نعم هم يرونني من كوكب آخر لكنني أتفهم الأمر، وأعتقد أن هذا منطقي لأنني نشأت في عالم مختلف عن عالمهما وفي بلد مختلف تماما. ولكن في الوقت عينه، أشعر أنني مُنحت الكثير من الاستقلالية والمساحة لاتخاذ قراراتي بنفسي، وهذا أمر جيد في رأيي".

يوافق أبناء هذا الجيل على أنه ينظر إليهم بوصفهم من كوكب آخر، أو يعيشون في عالم منفصل عن الواقع

ويضيف جاد: "أغلب وقتي أمضيه في المدرسة، وأعود إلى المنزل من أجل أخي الصغير، وأقوم بواجباتي المنزلية إذا كان لدي أي شيء، وألعب (بلاي ستيشن) إلى حين عودة أمي إلى المــنـــزل، وأذهـــب إلى صــالــة الألــعــاب الريـــاضـــية، وأستحم، ثم أنام، هذا روتيني اليومي".

وعن علاقته بالإنترنت يقول جاد: "تطبيقي المفضل هو (تيك توك) أقضي حوالي 5 ساعات على الهاتف، في الأيام التي أستخدم فيها هاتفي كثيرا، وحوالي ساعتين في الأيام التي لا أستخدم فيها الهاتف بشكل كبير. أوافق على أننا مختلفون بشكل كبير عن الأجيال السابقة، ولكننا أيضا جيل متنوع جدا، لذلك لن أختصر الأمر في كوننا غريبي الأطوار... مثلا، لقد كونت 3 أصدقاء في المدرسة الابتدائية من خلال إعطائهم اسم مستخدم (البلاي ستيشن) الخاص بي، هكذا تتكوّن الصداقات في جيلنا".

ويتابع: "أعتقد أن الصورة النمطية عن جيلنا هي أنه يُنظر إلينا على أننا نسعى إلى جذب الانتباه، ونفتقر إلى الذكاء، وإلى القوة، ونتأثر بسهولة، خاصة عبر الإنترنت، وهذا صحيح بالنسبة إلى بعضنا، ولكن هذه أقلية بيننا، وإن كان صوتها مرتفعا، أو كانت مرئية أكثر من غيرها، معظم الأشخاص الذين أعرفهم أذكياء جدا. على سبيل المثال، أنا وأحد أصدقائي في صالة الألعاب الرياضية نتناقش بشكل متكرر حول العلوم الصحية. نتجادل ونجري أبحاثا حول ممارسات التمارين وتناول الطعام الأكثر فعالية لتحقيق أهداف مختلفة".

يوافق أبناء هذا الجيل على أنه ينظر إليهم بوصفهم من كوكب آخر، أو يعيشون في عالم منفصل عن الواقع، وأن الأكثرية الساحقة من المجتمع المحيط بهم تعتبرهم غريبي الأطوار، أو فارغين.

بين الأب والأم

ليلى/ باريس: "هناك فترة كان أبي يراني فيها من كوكب آخر، عندما كنت في السادسة عشرة، ولم أكن أعيش معه، بل كان يسافر طوال الوقت منذ أن كان عمري خمس سنوات، ولم تكن تعجبه طريقة لبسي وحياتي، حتى عندما توقفت عن أكل اللحوم، كان مقتنعا أن هذا بسبب دراستي للفلسفة، وكان يرى أن الطريق الذي أسلكه غير جيد لي، ولست مثل إخوتي الباقين... أمي لم تكن هكذا، وكانت تحترم أن لدي أفكاري الخاصة، وتحترم طريقة حياتي وتسمعني".

وتضيف ليلى: "أعتقد أن أبي يبالغ في مراقبتي، ويخاف من الأشخاص الذين أتسكع معهم، ويعتبرهم غريبين، ولكن الغريب بالنسبة إليه، هو عادي وطبيعي بالنسبة لي، فكان ينظر إلي بغرابة، عندما كنت أحلق شعري، أو أضع الخواتم، وكل هذه الأمور، وكان يخاف من الطريق الذي أسلكه، ويتوتر كثيرا، ويذهب بعيدا في أفكاره، خاصة عندما يكتشف أنني أكذب عليه".

بحسب إحدى الإحصائيات، فإن ثلث المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي هم من "الجيل زد"

وتتابع ليلى: "أكبر مشكلة أواجهها مع أهلي، وأبي تحديدا، أن هناك مواضيع لا أستطيع مناقشتها معه، لها علاقة بالكتب والموسيقى والأفلام، مثلا والد صديقي الفرنسي أستطيع خوض هذه النقاشات معه، أما أبي فلا، وهذا الأمر كان يزعجني سابقا، لكنني تأقلمت مع الأمر أكثر الآن... لذلك أستصعب الصراحة معه، على الرغم من أنني في الرابعة والعشرين، أظل متوترة من أن يحزن لأني رسمت وشما على جسدي، أو وضعت الأقراط في أنفي، وغيرها من أمور عادية، لذلك أخاف أن أشاركه أفكاري أو نظرتي عن الحياة... لدي صعوبة كذلك في التعبير عن مشاعري الحزينة أو البكاء أمامه، بعكس أمي التي لدي معها علاقة جيدة، على الرغم من أنني لا أتفق معها في كثير من الأحيان".

وتؤكد ليلى أنها تحب الدراسة، وأن لا مشكلة لديها في الجامعة، بل إنها تحب أن تظل طالبة إلى الأبد، ولديها شهادة ماجستير من جامعة السوربون في باريس، فالعلم "أمر مهم جدا بالنسبة إليّ".

وعن علاقتها بوسائل التواصل، تقول: "أكثر ما أحبه بين التطبيقات هو (يوتيوب)، أجد فيه محتوى رائعا، أما باقي التطبيقات فيمكنني العيش من دونها، وأمضي حوالي 4 ساعات يوميا على الهاتف".

وتختم ليلى: "من المؤكد أن جيلنا يتعرض للكثير من السخرية والتسخيف، هنالك حركة هنا في فرنسا وأيضا في البلدان العربية، لتسخيف هذا الجيل، أو اعتباره مستهترا، وأننا لا ننفع لشيء، وأن استعمالنا الهاتف مضيعة للوقت، بينما نحن نتعلم في أغلب الوقت، حين نستعمل هاتفنا. أهلنا لا يتقبلون طريقة عيشنا، ولا يتقبلون التطور، وأعتقد هذه معاناة كل جيل مع الذي يسبقه".

الحدود

تختلف علاقة هذا الجيل مع أهليهم بين الأب والأم، فليست المشاكل مع الأب هي نفسها مع الأم، وتختلف درجاتها، بحسب طبيعة الأهل الاجتماعية وخلفيتهم، وهذا ما يحدد قربهم من الأب أو الأم.

تقول والدة ليلى: "الفارق بين هذا الجيل وجيلنا، هو أن الحدود التي كانت مرسومة لنا في عمرهم، كانت صعبة ومن الممنوع تخطيها، أما هذا الجيل فيرسم حدوده بنفسه، ويقدم تفسيرات علمية لهذا الأمر، ونحن كأهل نصبح ضائعين بين المنطقي والأخلاقي... في المنزل، يمضون أغلب أوقاتهم في غرفهم، وأنا أفهم هذا الأمر، فهم بحاجة إلى الخصوصية دائما، وأحترم ذلك. كنت بحاجة إلى أن أراقبهم طوال الوقت، إلى أن شعروا بأني أتدخل في خصوصياتهم، لكنني بطبيعة الحال كنت خائفة من أن يقعوا في إدمان المخدرات أو غيرها من العادات السيئة، لكنهم وضعوا حدودا لي، كما أن أولادي شخصيتهم قوية، وإلى حد ما كانوا يتغلبون عليّ".

وتتذكر والدة ليلى: "في أيامنا نحن، كانت المراهقة أكثر براءة، كان همنا الرقص ولبس آخر صرعات الجينز وسماع الأغاني الجديدة، وكان نجاحنا في المدرسة يستهلك الكثير من وقتنا، بعكس هذا الجيل الذي يعتبر المدرسة مجرد ممر إلزامي إلى الجامعة لا أكثر".

وتضيف: "ذوقهم الموسيقي متنوع جدا، يسمعون كافة أنواع الموسيقى العربية والأجنبية، والتكنو والموسيقى الإلكترونية، وأعتقد أن تربيتي لهم على حب الموسيقى عززت لهم هذا التنوع".

وتتابع والدة ليلى: "لكي أعطي رأيي في هذا الجيل، يجب أن أعطي رأيي في جيلنا، كان لدى أهلنا سلطة قوية علينا، وقد احتجنا إلى سنوات طويلة حتى نتخطى مفاهيمهم، فيما تخطى أبناؤنا مفاهيمنا بسرعة هائلة، فالعلم اليوم أصبح أسرع وصولا، وهذا ساعدهم بطبيعة الحال على تجاوزنا بسرعة، وأصبحنا نسألهم عما يحدث في التكنولوجيا والأحداث، وطبعا هذا جعل منطقهم في الحياة مخالفا لمنطقنا".

حقوق وواجبات

أيضا بحسب إحدى الإحصائيات، فإن ثلث المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي هم من "الجيل زد" وهذا ما يفسر عدة أمور مثل التعلق بهذه الوسائل، والشهرة في عمر صغير، والإهمال الدراسي، وجني الأموال في عمر مبكر، أي الاستقلالية المبكرة من سيطرة الأهل وما ينتج عنها.

سامية/مصر (والدة منى): "أكثر ما أستغربه في أبناء هذا الجيل أنهم واعون جدا لحقوقهم، لكنهم ليسوا واعين أو لا يبالون بواجباتهم تجاه الآخرين أو تجاه الأهل، فابنتي في أحد النقاشات تقول لي ممكن أن أتقدم ببلاغ لشرطة الطفل، وحقوقي يكفلها القانون، وهي تعرفها لأنها جزء من المنهج الدراسي، هنا الفرق بيننا وبينهم، فنحن بعكسهم تربينا فقط على الواجبات، لا الحقوق، وهذا بطبيعة الحال ليس جيدا، ولكن أيضا أن تطالب بحقوقك فقط هو أمر خاطئ أيضا".

وتضيف سامية: "عندما تكون في الغرفة وحدها تسمع الأغاني، أو تشاهد مقاطع الفيديو في الوقت القليل الذي أسمح لها به، وأحيانا تقرأ القرآن، أو تتكلم مع صديقاتها، حوالي ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم، والتطبيق الوحيد المسموح لها به هو "واتساب"، بسبب خطورة باقي التطبيقات، كما يمكن أن تتعرض للتنمر الإلكتروني أو القرصنة... أصحابها هم في الغالب زملاؤها في المدرسة، وأبناء أصدقائي، ونعم أنا أراقبها بالقدر الممكن، أسألها إلى أين تذهب وماذا فعلت، لكنني لا أفتش هاتفها، وأحيانا تخبرني، وأحيانا لا تخبرني من باب أن هذه خصوصيتها ومساحتها... لا أعتقد أنه من الصعب التعامل معها، ولا أشعر بصعوبة في التواصل، وعندما أشعر بذلك أفكر بأن الخلل مني وليس منها".

الخصوصية والتفاهم والحرية، هي أهم ما ينادي به "الجيل زد"، وهو ما يطلبه من أهله والمجتمع، في المدرسة والشارع والمنزل

وتتابع سامية: "مراهقتهم مرعبة، وعصرهم أيضا، نحن مراهقتنا لا شيء قياسا بهم، هم يأخذون حقهم في الاكتئاب والنكد وعلامات المراهقة...  نحن كنا في حالة من السذاجة وغير متطلبين، هم متطلبون وصعبو الإرضاء، لو اشتريت لابنتي المتجر كله، يمكن أن تفكر في شيء ما لا يزال ينقصها، وهم يقارنون بعضهم ببعض: أين سافروا وماذا لديهم ويتكلمون في الحب والعلاقات، أمور لم نكن نجرؤ على الكلام عنها أو التفكير بها، وهم يهتمون بالموسيقى الغربية أكثر بينما نحن كنا نحب الموسيقى الشرقية... ذوقها الموسيقي بالنسبة لي رديء فهي تحب أغاني المهرجانات، والأغاني الكورية، والمسلسلات التركية، كل الأمور السخيفة بالنسبة لي، ولكن هذا ما يهتم به جيلها، ومستواها الدراسي جيد".

وبخصوص المصروف، تقول سامية إن ابنتها "تتعامل معي على أنني أسرق مصرفا كل 3 أيام، ولدي ثراء فاحش، ولا تفكر إذا كنت أملك النقود أو لا، وعندما أرفض لها طلبا، تغضب وتحزن، فهي دائما تظن أن النقود متاحة ومتوفرة".

وتؤكد سامية: "هذا الجيل له ما له وعليه ما عليه، أنا كنسوية أحب أن أربيها على الحرية، ولكن للأسف المجتمع لا يساعد وهو غير آمن، وأخاف عليها من أن تصبح هذه الحرية خطرا عليها، لذا أمارس مستوى من التنبيه وليس المراقبة، فهي شديدة التأثر، وتظن أن الجميع لديهم نوايا حسنة، وأبسط المشاكل تؤثر فيها نفسيا، فنحن لم نكن ننهار إذا قال أحد أصدقائنا كلاما سيئا بحقنا، كانت لدينا مناعة أقوى".

موسيقى "الراب" و"الأندرغراوند" والموسيقى الإلكترونية وأغاني المهرجانات وغيرها، غريبة بطبيعة الحال بالنسبة إلى جيل الأهل، أو سيئة من الناحية الموسيقية، وأم كلثوم وفيروز وغيرهما يراهم الكثير من "الجيل زد" مملين.

في المقابل تقول الشابة منى من مصر: "علاقتي بأمي علاقة صداقة أكثر مما هي علاقة عائلية، ونعم أعتقد أن أهلي يرونني من كوكب ثان، وأنا أيضا أراهم من كوكب آخر أو من عصور قديمة جدا. لا أحب أن يراقبني أحد، ولو بشكل طفيف جدا، هذه خصوصيتي ولا يحق لأحد مراقبتي، حتى لو كانت أمي، أرى أني لم أرتكب أي خطأ، ولا يستطيع أحد مراقبتي لكي يعرف عني أمرا لا أريد البوح به له، عليهم أن يسألوني، وأنا أقرر إن كنت سأخبره أم لا... أعتقد أن أمي ترى أني أحب أشياء غريبة و(عبيطة) مثل حبي للمسلسلات التركية، فهي تعتقد أن المسلسلات التركية غير واقعية، ومستحيلة الحدوث، وأنا أرى أن المسلسلات التي تشاهدها قديمة جدا وغير مسلية على الإطلاق... أبرز المشاكل بيننا أنها تشغل الأصوات على هاتفها بشكل مرتفع وأنا لا أحب هذا الأمر، كما أنها تمنعني من الدخول إلى (تيك توك)، و(إنستغرام)، وأنا أرى نفسي قد كبرت وأستطيع التعرف أخيرا إلى هذه التطبيقات".

وتضيف منى: "أجلس في غرفتي أغلب الوقت، أستعمل الموبايل أو أشاهد التلفزيون، أدرس، وأفكر في الغد أو أسرح في أفكاري، أما بالنسبة إلى المدرسة والتعليم، فأعتقد أنها أمور علينا القيام بها فقط كي نعيش، وليست مهمة، فأنا أنسى كل شيء بعد الامتحان، ولكن نعم هنالك بعض العلوم المهمة وتبقى معي وهذه أظل أتذكرها، أما الأمور الأخرى فأرميها من رأسي بمجرد أن أنتهي منها".

وتتابع: "نتعرض كثيرا للتنميط والتسخيف، من قبل من هم أكبر منا، وأعتقد أنهم يروننا جميعا سخيفين، أنا لا أرى هذا، فأن أكون تافهة أفضل من أن أدعي القيام بأمور مهمة، وأعتقد أن الجيل الأكبر منا الذي يعتبرنا تافهين، هم أناس معقدون وطوال الوقت يقومون بأشياء رسمية جدا مثل الوظيفة، أنا لا أستطيع أن أكون هكذا حتى لو كبرت... أحب أن أكوّن صداقات كثيرة وجديدة، وغالبا ما أبدأ أنا بالتعارف، ولكن إن شعرت بأن الشخص لا يشبهني، لا أكمل بالصداقة، ونبقى مجرد زملاء... نحن لسنا غريبي الأطوار، بالعكس أشعر أن من ينتقدوننا هم الغرباء، هم يشعرون أننا نحب أن نلعب أو نسخر، ولا نحب أن نأخذ الأمور بجدية مثلهم، وأنا أرى أنهم إن كانوا يرون الجيل الجديد غريبا، فالأفضل أن لا ينجبوا الأطفال ويعذبونا معهم، وبعدها يبدأوا بالتململ بشأن الجيل الجديد وأنهم غريبون، ولا يتقبلون الاختلاف... فلو كنا جميعا نشبه بعضنا بعض، لأصبحنا مجتمعا فاشلا، ولم يكن لأحد أن يخترع الإنترنت وغيرها من التكنولوجيا، ولم نكن لنتطور، في رأيي كل جيل أفضل من الذي سبقه بالتأكيد، فنحن نعرف أشياء هم لم يعرفوها إلا عندما كبروا، وأنا أرى أن الذي يعتقد غير ذلك يكون غريب الأطوار".

يبدو أن الخصوصية والتفاهم والحرية، هي أهم ما ينادي به "الجيل زد"، وهو ما يطلبه من أهله والمجتمع، في المدرسة والشارع والمنزل.فالمشكلة الأساسية مع الأهل هي مفهوم الحرية وحدودها، أو سوء الفهم بين الجيلين، فالحرية اليوم، تختلف عما كانت عليه قبل ثلاثين عاما وأكثر.

font change

مقالات ذات صلة