هل ستتخلى إيران عن سياسة "الخطاب الثوري" في مواجهة ترمب؟

تفاوض من أجل الاتفاق

د.ب.أ
د.ب.أ
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان

هل ستتخلى إيران عن سياسة "الخطاب الثوري" في مواجهة ترمب؟

السياسة الخارجية لحكومة مسعود بزشكيان كانت العنوان البارز لوسائل الإعلام الإيرانية، حيث تكهنت بملامحها، التي يبدو أنها ستكون مختلفة عن حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي وستحل سياسة "المفاوضات من أجل الاتفاق" محل "المفاوضات من أجل المفاوضات" كإحدى أولويات وزارة الخارجية الإيرانية.

وقال الموقع التحليلي الإخباري "فردا" إن عباس عراقجي (نائب وزير الخارجية في فترة رئاسة حسن روحاني اعتبارا من 2013 والوجه الأبرز في المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى الذي أفضى إلى الاتفاق النووي في 2015) حظوظه أوفر لتولي حقيبة الخارجية.

وسبق لعراقجي الانضمام إلى فريق وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف خلال المفاوضات النووية والتوقيع على الاتفاق النووي مما يعطي الإشارة بأن المشهد السياسي الإيراني سيشهد تحولا ما. ولكن علينا أن لا نغفل أن كل الشواهد تشير إلى أن ترمب سيحل محل بايدن في البيت الأبيض حيث إن احتمالية فوزه في الانتخابات مرتفعة.

ويقول الخبير في الشؤون السياسية حسن بهشتي بور في حوار مع "فردا" إنه يجب أن تكون السياسات التفاوضية الإيرانية مع إدارة ترمب مختلفة عن الإدارة الأميركية الراهنة.

ويعتقد أن إيران، في حال فوز ترمب، تمثل أكبر تحدٍ في السياسة الخارجية الأميركية. وأن المنافسة بين ترمب وبايدن في الانتخابات الرئاسية لا تعني أن المرشحين سيقدمان امتيازات لإيران خلال المنافسات الانتخابية.

وتابع: "يجب الاعتماد على خطط مدروسة بدقة ينظمها فريق من الخبراء بعيدا عن الإعلام. أعتقد أن الرئيس بزشكيان يحظى بفريق جيد ومجرب في الجهاز الدبلوماسي ويمكن الاستفادة من تجارب أعضاء الفريق خلال العقد الماضي والحلول التي يقدمونها مما يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع العقوبات".

من جهته، يرى نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني عباس مقتدايي في مقال بعنوان "أين ستتجه السياسة الخارجية في فترة بزشكيان؟"، بصحيفة "همشهري" في 14 يوليو/تموز أن "السياسات الإيرانية تستند إلى الهيكل السياسي والقواعد المستحكمة المندرجة في الدستور ولا تتحول جذريا في العهود الرئاسية المتتالية".

الانتخابات الرئاسية الأخيرة تمثل الفرصة الأخيرة لمراكز صنع القرار في البلاد لردم الهوة العميقة بين السلطة الحاكمة والشعب

وأضاف: "إن المواقف والتصريحات الأخيرة الصادرة عن الرئيس المنتخب حول استمرارية دعم إيران لمحور المقاومة والشعب الفلسطيني المظلوم تدل على الأهمية الاستراتيجية لمحور المقاومة في السياسة الخارجية الإيرانية".

وتابع عباس مقتدايي: "يأتي استياء المعسكر الغربي- العبري من المواقف الصادرة عن مسعود بزشكيان في الوقت الذي لا يشهد تحولا جذريا في السياسات الإيرانية بعد تغيير الحكومات ورؤساء الجمهورية. من الممكن أن نشهد تغييرا طفيفا في أسلوب الوصول إلى الأهداف المرسومة وسرعته غير أن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تم تنظميها في الدستور ورأس الهرم في البلاد، حيث على الحكومات المتتالية السير في طريق يؤدي إلى تلك الأهداف. وبالتالي يمكن القول إن الجمهورية الإسلامية تتمتع بهيكلية متطورة وقابلة للتطوير لا تخضع للتذبذبات المتتالية في سياساتها الخارجية بسبب تغيير الحكومات".

وأشارت صحيفة "همشهري" إلى أن "تصريحات الرئيس المنتخب بشأن استمرار الدعم الإيراني لمحور المقاومة تؤكد مرة أخرى أن السياسة الخارجية لحكومة "بزشكيان" تابعة لمبادئ استراتيجية رسمت من قبل رأس الهرم السياسي.

وتقول الصحيفة إن الجمهورية الإسلامية تتمتع بمكانة استراتيجية في المنطقة من خلال الاستفادة من أدواتها الفاعلة على غرار "الدبلوماسية العامة"، و"مناهضة الظلم". وتقوم العلاقات بين إيران وبقية دول المنطقة بناء على تلك الأسس.

ونشرت صحيفة "اعتماد" حوارا مع أستاذ الفلسفة بيجن عبد الكريمي، بعنوان "الفرصة الأخيرة"، في عددها الصادر يوم 13 يوليو حول الانتخابات وفوز بزشكيان.

رويترز
مسعود بيزشكيان يحضر تجمعاً مع أنصاره في مرقد الزعيم الإيراني الراحل آية الله روح الله الخميني في جنوب طهران

ويقول عبد الكريمي: "إن الانتخابات الرئاسية الأخيرة تمثل الفرصة الأخيرة لمراكز صنع القرار في البلاد لردم الهوة العميقة بين السلطة الحاكمة والشعب. لقد أدركت السلطة أنه يجب أن تسمح بولادة هذه الفرصة الأخيرة وذلك رغم استياء المعسكر المتشدد ولذلك قامت السلطة بتأييد بزشكيان ليتنافس في الانتخابات، غير أن هذا لا يكفي في المرحلة المقبلة. يجب على السلطة الحاكمة احتواء الجماعات التي تنشط في الظل والمتشددين لأنهم يسعون لعرقلة الحكومة في تنفيذ برامجها".

وأضاف عبد الكريمي: "لقد كانت الرسالة الرئيسة لنتائج الانتخابات واضحة وهي ابتعاد الجزء الأكبر من الإيرانيين عن الخطاب المتشدد والفكر السطحي المهيمن خلال السنوات الأخيرة على مراكز صنع القرار. ترغب الفئات التي أدلت بصوتها في الانتخابات لصالح بزشكيان والـ60 في المئة التي لم تشارك في الانتخابات ترغب في التغيير والإصلاحات. وعلى السلطة الحاكمة التقاط هذه الإشارة والتمهيد لتحقيق المطالبات الشعبية بشكل تدريجي".

السياسات الإيرانية تستند إلى الهيكل السياسي والقواعد المستحكمة المندرجة في الدستور ولا تتحول جذريا في العهود الرئاسية المتتالية

ويرى الباحث الإيراني أن الانتخابات الأخيرة شهدت تحولا مهماً وهو أن السلطة السياسة الحاكمة تبنت موقفا ذكيا وعقلانيا من خلال السماح لمسعود بزشكيان بخوض المنافسة الانتخابية، وبالتالي أعطت السلطة إشارة هامة للمجتمع على أنها سمعت أصوات الذين تم إقصاؤهم وتهميشهم.

ويضيف عبد الكريمي: "يمكن القول إن السلطة الحاكمة أبدت استعدادا للتغيير والتحول بسبب الضغوط من قبل النظام السلطوي والتهديدات العالمية. لقد حصل نوع من الإجماع بين كافة أركان السلطة حول ضرورة هذا التغيير".

وتابع: "إن هناك شيئا مهماً وهو أن مناصري الخطاب الثوري يجب أن يتقبلوا هذا الواقع الأساسي وذلك بغض النظر عن صحته أو سقمه، وهو رفض جزء كبير من المجتمع للطموحات التي يعتمدها الخطاب الثوري المتشدد. ويجب على القوى الثورية التفكير حول أسباب هذا الرفض الاجتماعي لهم. كما أن الخطابين المعتمدين من قبل التيار المحافظ والتيار الإصلاحي لم يعودا يلبيان المطالب الشعبية وبالتالي يجب العمل على تطوير الخطابين والعمل على إنشاء خطاب يعيد السكينة والهدوء للمجتمع ويتجنب التشدد ويرسم آفاقا مشرقة للمجتمع ويعزز الوحدة الوطنية ويعيد الكفاءات الوطنية. وما نشهده حاليا أن الخطاب الثوري نجح بالفعل في إنزال كل القوى والأحزاب من قطار الثورة والسير بمفرده".

font change

مقالات ذات صلة