أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي الثلاثاء حصول اتفاق بين 14 فصيلا فلسطينيا لتشكيل "حكومة مصالحة وطنية موقتة" لإدارة غزة بعد الحرب. ما أسباب تدخل بكين وحدود دورها في الشرق الأوسط؟ علاقتها مع إسرائيل؟
هذا نظرة معمقة الى العلاقة بين الصين وإسرائيل وخلفية وساطة بكين بين الفصائل الفلسطينية:
يحق لنا أن نستنتج أن تدهور العلاقات الصينية- الإسرائيلية هو الضرر الجانبي الذي ينبغي أن تتحمله بكين، بسبب تعبيرها الصريح عن دعمها المطلق للقضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ما يعني أن وقوف بكين مع العالم العربي يأتي بتكلفة كبيرة على مصالحها الاقتصادية الخاصة.
صحيح أن الصين دافعت بعد هجوم "حماس" على إسرائيل عن "الحق غير القابل للتصرف" للفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، ولم ترَ في الهجمات الإسرائيلية على غزة دفاعا عن النفس، بل نزعت عنها شرعيتها، وانتقدت الجيش الإسرائيلي لممارسته "عقابا جماعيا" على أهل غزة. وصحيح أن كل هذه الأمور ستلقي بظلالها حتما على علاقتها مع إسرائيل. غير أن الشراكة الاقتصادية الصينية- الإسرائيلية ما انفكت تتراجع منذ عام 2018، أي قبل 7 أكتوبر والحرب اللاحقة في غزة.
وبينما يعتقد جمهرة من المحللين أن الصين ضحت بعلاقتها مع إسرائيل لصالح العالم العربي، فإن الحدثين أقل ترابطا بكثير مما يبدو على السطح. إن العلاقات بين الصين وإسرائيل مهيأة لأن تشهد إعادة تقييم وإعادة تنظيم لتفاعلاتها الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية. وإليك الأسباب.
اتسمت علاقات الصين مع إسرائيل- على قصرها- بالبرغماتية والتعقيد في آن معا. والصين بطبيعتها ليست عدوا لليهود. ومتحف شنغهاي للاجئين اليهود يستعيد ذكرى اليهود الذين لجأوا إلى شنغهاي في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين عندما لم يكن يستقبلهم سوى قلة في العالم. وبينما تواصل مجتمعات عديدة محاربة العداء للسامية، على المستويين الإثني والتاريخي، فالصينيون ليسوا بالأساس في حالة عداء للسامية.
والصين ليست تهديدا وجوديا لإسرائيل. كما أن إسرائيل، التي تعيش في ظل تهديدات وجودية من محيطها، لا ترى في الصين معتديا عسكريا ولا مصدرا لتقويض الأمن، وذلك انطلاقا من نوايا الصين ومن وجودها. وترى إسرائيل في الصين بلدا ذا "وزن ثقيل اقتصاديا ووزن خفيف سياسيا وبوزن الريشة عسكريا". والعلاقة بين الصين والدولة اليهودية، التي وصفها رئيس الوزراء نتنياهو ذات مرة بأنها "زواج عقدته السماء"، أصبحت الآن متجمدة بسبب التحديات التي تتجلى في بعض الانقسامات المبدئية والأساسية التي تواجه العالم في هذا القرن: كالقضية الفلسطينية وأمن إسرائيل والعلاقات الأميركية- الصينية والقدرات النووية الإيرانية ودورها المستقبلي في الشرق الأوسط.
لم تُقم الصين وإسرائيل علاقة دبلوماسية رسمية إلا في عام 1992، وكانت بكين قد اعترفت، قبل ذلك بثلاثة عقود تقريبا، بمنظمة التحرير الفلسطينية رسميا واحتفت بتمثيلها الدبلوماسي في بكين. وقد سبق دعم الصين للقضية الفلسطينية انضمام الصين نفسها إلى الأمم المتحدة.