عودة الجدل حول الاغتيالات السياسية في أميركاhttps://www.majalla.com/node/321321/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7
على مر التاريخ، من الأباطرة إلى الباباوات، ومن الملوك إلى الرؤساء، اكتشف أصحاب المناصب العليا الجانب المظلم لهذه المناصب، الذي يتجلى في التهديد الدائم بالاغتيال. ومن بين جميع القوى الغربية ربما تكون أميركا الدولة الأكثر عرضة لخطر الاغتيال السياسي، حيث يترسخ حق حمل السلاح بشكل يصل حد القداسة في دستورها.
يعتبر الرئيس السابق ترمب، الذي نجا بصعوبة من مثل هذا المصير، أن منح جميع الأميركيين الحق في حمل السلاح هو أحد أهدافه السياسية الرئيسة. في الواقع، وفي وقت سابق من هذا العام، تعهد ترمب بحماية حقوق حيازة الأسلحة بقوة إذا فاز بإعادة انتخابه للبيت الأبيض، قاطعا عهدا رسميا، في حال أعيد انتخابه، بالتراجع عن جميع القيود التي فرضها خليفته، الرئيس جو بايدن.
ومن المفارقات في دعم ترمب لقوانين حيازة الأسلحة أن تلك القوانين نفسها هي التي مكّنت توماس ماثيو كروكس، المسلح البالغ من العمر 20 عاما الذي حاول اغتيال الرئيس السابق خلال تجمع انتخابي حاشد يوم السبت، من شراء البندقية الأوتوماتيكية القوية من طراز "AR-15" التي استخدمت في الهجوم.
وحقيقة أن ترمب نجا بصعوبة من الهجوم، بعد أن أصابت إحدى رصاصات القاتل أذنه، تعني أن حملته الانتخابية ستتلقى بكل تأكيد دفعة كبيرة بعد أن جرى تصويره، في اللحظات التي تلت الهجوم مباشرة، وهو يرفع قبضته ويصرخ "فلنقاتل، فلنقاتل، فلنقاتل".
منذ وقوع حادث إطلاق النار يوم السبت، توحي جميع المؤشرات بشكل مؤكد أن ترمب سيحظى الآن بارتفاع كبير في معدلات شعبيته. بعد أن كان متقدما بالفعل على بايدن في الاستطلاعات قبل حادث الإطلاق، ويتوقع منظمو الاستطلاعات أن يسجل ترمب زيادة قياسية في تقييماته بعد أن قبل رسميا الترشيح ليكون المرشح الجمهوري الرسمي لانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري هذا الأسبوع في ميلووكي.
منذ وقوع حادث إطلاق النار يوم السبت، توحي جميع المؤشرات بشكل مؤكد أن ترمب سيحظى الآن بارتفاع كبير في معدلات شعبيته
هذا وتذكّر قدرة ترمب على تحويل محاولة الاغتيال الفاشلة لصالحه بالاستجابة التي لا تُنسى للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان عندما كان هدفا لمحاولة اغتيال فاشلة في مارس/آذار عام 1981، حيث كان آخر رئيس أميركي يتعرض لإصابة في محاولة اغتيال.
تعرض ريغان لإطلاق النار أثناء مغادرته أحد فنادق العاصمة واشنطن بعد وقت قصير من انتخابه رئيسا، من قبل جون هينكلي جونيور، الذي ادعى لاحقا أنه نفذ محاولة الاغتيال لإثارة إعجاب الممثلة السينمائية جودي فوستر.
جُرح ريغان عندما ارتدت واحدة من الرصاصات الكثيرة عن السيارة الليموزين المصفحة، وأصابته تحت إبطه الأيسر. وقبل أن يخضع لعملية جراحية لاستخراج رصاصة استقرت بالقرب من قلبه، أطلق ريغان نكتة، قائلا لزوجته نانسي: "عزيزتي، لقد نسيت أن أنحني".
وقد لاقى حس الفكاهة المميز الذي كان يتمتع به ريغان صدى واسعا لدى الجمهور الأميركي، وقفزت معدلات تأييده بعد ذلك الهجوم على الفور. وكان الهجوم أيضا مسؤولا في نهاية المطاف عن إقرار قانون برادي الذي وافق عليه الكونغرس أخيرا ووقعه بيل كلينتون ليصبح قانونا في عام 1993، وسمي هذا القانون تيمنا باسم السكرتير الصحافي للبيت الأبيض جيم برادي، الذي أصيب برصاصة في رأسه وتعرض للشلل أثناء الهجوم على ريغان.
قد لا ينعم ترمب بنفس الذكاء والكاريزما مثل ريغان، لكن من المرجح أنه سوف يحظى بوثبة مماثلة في معدلات تأييده عقب الصدمة التي عانى منها نهاية الأسبوع الماضي.
وفي بلد كان فيه التهديد بالاغتيال موضوعا ثابتا في السياسة الأميركية لما يقرب من القرنين، يمكن لكل من ريغان وترمب أن يعتبرا نفسيهما محظوظين لأنهما تمكنا من النجاة. حيث لم يحالف الحظ عددا آخر من الزعماء الأميركيين البارزين إلى هذه الدرجة. ففي التاريخ الطويل والدموي من عمليات القتل السياسي في السياسة الأميركية، تعرض أربعة رؤساء أميركيين للقتل، هم: أبراهام لينكولن، وجيمس جارفيلد، وويليام ماكينلي، وجون إف كينيدي. بينما أصيب ثلاثة آخرون أثناء تعرضهم لهجمات، بمن فيهم ترمب. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك حالات جديرة بالملاحظة، عندما تعرض مرشحون للرئاسة للقتل وهم في ذروة مسيرتهم، مثل مقتل روبرت كينيدي في لوس أنجليس عام 1968.
كان الرئيس السادس عشر أبراهام لينكولن، أول رئيس يتعرض للاغتيال، رميا بالرصاص على يد جون ويلكس بوث في 14 أبريل/نيسان 1865، بينما كان هو وزوجته يحضران عرضا مسرحيا في واشنطن. وقد توفي في صباح اليوم التالي. واستشهد المحللون بدعمه لحقوق السود كدافع وراء مقتله. وقبل عامين من الاغتيال، أثناء الحرب الأهلية، أصدر لينكولن إعلان تحرير العبيد الذي منحهم الحرية داخل الكونفدرالية.
هناك أيضا حالات عديدة استهدف فيها رؤساء الولايات المتحدة أثناء شغلهم لمنصب الرئيس، لكنهم تمكنوا من النجاة
وكان جيمس جارفيلد، الرئيس العشرون للولايات المتحدة، هو الرئيس الثاني الذي يتعرض للاغتيال، بعد مرور ستة أشهر لا غير على توليه منصبه. كان يسير عبر محطة قطار في واشنطن يوم 2 يوليو/تموز 1881، عندما أطلق تشارلز غيتو النار عليه. وبقي الرئيس المصاب بجروح قاتلة في البيت الأبيض لعدة أسابيع لكنه توفي في سبتمبر/أيلول. وكان قد شغل المنصب لمدة ستة أشهر. نذكر أن غيتو أُدين وأُعدم في يونيو/حزيران 1882.
أما ويليام ماكينلي، الرئيس الخامس والعشرون، فقد تعرض لإطلاق النار من مسافة قريبة برصاصتين بعد إلقائه خطابا في بوفالو، نيويورك، يوم 6 سبتمبر/أيلول من عام 1901. وتوقع الأطباء أن يتعافى، إلا أنه أصيب بالغرغرينا فيما بعد، وتوفي في غضون بضعة أيام، بعد ستة أشهر من استلام ولايته الثانية. واعترف ليون إف كولغوش، العاطل عن العمل والبالغ من العمر 28 عاما والمقيم في ديترويت، بإطلاق النار. وأدين أثناء المحاكمة وأعدم بالكرسي الكهربائي في 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1901.
كذلك فقد أصيب جون إف كينيدي، وهو الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة، برصاصة قاتلة من قبل قناص متخفٍ مسلح ببندقية عالية القوة أثناء زيارته لدالاس برفقة زوجته في نوفمبر 1963، أثناء مرور موكبه عبر ديلي بلازا في وسط مدينة دالاس. أسعف الرئيس بسرعة إلى مستشفى باركلاند التذكاري، لكنه توفي بعد فترة وجيزة. وبعد ساعات من الاغتيال، ألقت الشرطة القبض على لي هارفي أوزوالد بعد العثور على مخبأ قناص في مبنى مجاور، وهو مبنى مستودع الكتب المدرسية في تكساس. بعد يومين، وأثناء نقل أوزوالد من مقر الشرطة إلى سجن المقاطعة هرع جاك روبي وهو مالك ملهى ليلي في دالاس، مندفعا إلى الأمام وأطلق النار على أوزوالد الذي لقي مصرعه في الحال.
وكانت هناك أيضا حالات عديدة استهدف فيها رؤساء الولايات المتحدة أثناء شغلهم لمنصب الرئيس، لكنهم تمكنوا من النجاة. ففي فبراير 1933، كان فرانكلين روزفلت، وهو الرئيس الثاني والثلاثون، الذي كان في ذلك الوقت الرئيس المنتخب الذي ينتظر تنصيبه الرسمي، قد ألقى للتو خطابا في ميامي من المقعد الخلفي لسيارة الجولات المفتوحة خاصته عندما دوَّت أصوات أعيرة نارية. لم يصب الرئيس بأي أذى في إطلاق النار الذي أودى بحياة عمدة شيكاغو أنطون سيرماك. أُدين جوزيبي زانغارا بتهمة إطلاق النار وحُكم عليه بالإعدام.
كان هاري إس ترومان، الرئيس الثالث والثلاثون، يقيم في بلير هاوس، المعروف باسم بيت ضيافة الرئيس والواقع على الجانب الآخر من البيت الأبيض، في نوفمبر 1950 عندما اقتحم مسلحان المكان. لم يصب ترومان بأي أذى، لكن أحد أفراد قوة شرطة البيت الأبيض وأحد المهاجمين قُتلا في تبادل لإطلاق النار. وأصيب عنصران آخران من شرطة البيت الأبيض. ألقي القبض على منفذ الهجوم أوسكار كالازو وحكم عليه بالإعدام. وفي عام 1952، خفف ترومان الحكم إلى السجن مدى الحياة، ولاحقا أطلق الرئيس جيمي كارتر سراحه من السجن عام 1979.
واجه جيرالد فورد، الرئيس الثامن والثلاثون، محاولتي اغتيال خلال بضعة أسابيع في عام 1975 ولم يصب بأذى في أي من الحادثتين. في المحاولة الأولى، كان فورد في طريقه للقاء حاكم ولاية كاليفورنيا في سكرامنتو عندما وجهت لينيت فروم، تلميذة تشارلز مانسون، مسدسا نصف آلي نحو فورد. لم تطلق لينيت النار. ولكن حُكم عليها بالسجن وأُطلق سراحها في عام 2009. وبعد سبعة عشر يوما، واجهت امرأة أخرى، وهي سارة جين مور، فورد خارج فندق في سان فرانسيسكو. أطلقت مور رصاصة واحدة أخطأت الرئيس وألقي القبض عليها عند محاولتها إطلاق النار مرة ثانية. أرسلت مور إلى السجن وأطلق سراحها في عام 2007.
يعتبر الرئيس السابق ترمب، الذي نجا من محاولة اغتيال، أن منح جميع الأميركيين الحق في حمل السلاح هو أحد أهدافه السياسية الرئيسة
كان جورج دبليو بوش، الرئيس الثالث والأربعون، يحضر اجتماعا حاشدا في تبليسي عام 2005 مع الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي عندما ألقيت قنبلة يدوية تجاهه. كان الرجلان يقفان خلف حاجز مضاد للرصاص عندما سقطت القنبلة على بعد حوالي 100 قدم. إلا أن القنبلة لم تنفجر، ولم يصب أحد بأذى. وقد أدين فلاديمير أروتيونيان وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
كذلك لم يكن المرشحون الرئاسيون محصنين ضد محاولات الاغتيال، سواء الناجحة منها أو تلك التي أُحبطت، كما حدث مع ترمب. حيث تعرض الرئيس السابق، ثيودور روزفلت، لإطلاق نار في ميلووكي في عام 1912 أثناء حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض. سبق لروزفلت أن خدم لفترتين رئاسيتين وكان يترشح مرة أخرى كمرشح الطرف الثالث (أو الحزب الصغير، وهو مصطلح يستخدم في نظام الحزبين في الولايات المتحدة للأحزاب السياسية الأخرى غير الحزبين الرئيسين الجمهوري والديمقراطي). ويبدو أن الأوراق المطوية وعلبة النظارات المعدنية في جيبه خففت من تأثير الرصاصة ولم يصب بأذى خطير. ألقي القبض على جون شرانك وقضى بقية حياته في مصحات الأمراض العقلية.
كان روبرت شقيق جون إف. كينيدي يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عندما قُتل بعد لحظات فقط من إلقائه خطاب فوزه في الانتخابات التمهيدية في كاليفورنيا عام 1968. أدين سرحان سرحان بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى وحكم عليه بالإعدام. وخُفف ذلك الحكم إلى السجن المؤبد، وما زال سرحان يقبع في السجن بعد رفض التماسه الأخير للإفراج عنه العام الماضي.
وكان جورج سي والاس يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عندما أصيب بالرصاص خلال إحدى الحملات الانتخابية في ولاية ماريلاند عام 1972، ما أدى إلى إصابته بالشلل من الخصر وإلى الأسفل. أُدين آرثر بريمر بإطلاق النار وحُكم عليه بالسجن. وأطلق سراحه في عام 2007.
يبدو جليا أن الاغتيال ليس حكرا على زعماء الولايات المتحدة. فقد نجا الجنرال الفرنسي شارل ديغول من ثلاثين محاولة اغتيال، بمساعدة ذلك النوع من الحظ السعيد الذي يتحدى كل الاحتمالات. وليس القادة البارزون وحدهم من يحظوون بفرصة النجاة من مثل هذه المحاولات، مثل ذاك الفرنسي الأسطوري. حتى أدولف هتلر نجا من تفجير قنبلة كان يهدف إلى قتله عام 1944.
وبكل تأكيد ينبغي لمحاولة اغتيال الرئيس السابق ترمب في عطلة نهاية الأسبوع أن تسلط الضوء على هذه المخاوف بشكل حاد لمن يوجدون على المسرح العالمي، ولعائلاتهم أيضا. ففي كثير من الأحيان، تقع أيضا أضرار جانبية جسيمة عندما يجد الموظفون وضباط الأمن، وحتى عامة الناس، أنفسهم في مرمى النيران. قد تكون آخر محاولة لاغتيال الرئيس هي الأحدث في سلسلة متتالية مريعة من الاغتيالات، لكن ليس من المتوقع أن تكون الأخيرة.