"هجمات الشرق"... جبهة أم مناوشات لميليشيات عراقية ضد إسرائيل؟https://www.majalla.com/node/321316/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%B4%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D8%9F
وسط الصراع الدائر في غزة، صعدت الميليشيات العراقية المنضوية تحت راية "المقاومة الإسلامية"، المدعومة من إيران، موقفها الصدامي مع إسرائيل إلى حد كبير. ويدل إعلان هذه المقاومة مسؤوليتها عن أكثر من 120 هجوما منذ نوفمبر/تشرين الثاني، على تحول استراتيجي ومدروس في نهجها. وقد تكثفت هجماتها هذه في الأشهر الأخيرة، واستهدفت مواقع مهمة كمقر وزارة الدفاع في تل أبيب ومطار بن غوريون وميناء حيفا الحيوي.
وعلى الرغم من أن المسؤولين ووسائل الإعلام الإسرائيلية شككوا في ذلك منذ البداية، لغياب أدلة قاطعة على وقوع أضرار أو إصابات، فإن تزايد وتيرة الهجمات التي تحقق الجيش الإسرائيلي منها، يؤكد تهديد هذه الجماعة المتزايد. والتحول الأخير لـ"المقاومة الإسلامية" نحو عمليات مشتركة مع الحوثيين في اليمن يبرز إعادة رسم التوجه الاستراتيجي داخل "محور المقاومة"، مما يترجم خطاب هذا المحور عن تشكيل جبهة موحدة ضد إسرائيل إلى إجراءات مشتركة ملموسة.
وتبنى الحوثيون الهجوم الأخير الذي استهدف تل أبيب فجر الجمعة، بواسطة مُسيرة، وأدى إلى مقتل شخص وإصابة ثمانية آخرين بإصابات طفيفة.
ووسط تصاعد التوترات ومع تعهد "المقاومة الإسلامية" بالدعم الثابت لـ"حزب الله" في حال نشوب صراع شامل محتمل مع إسرائيل، فإن عواقب أنشطة الميليشيات هذه تتجاوز مجرد المناوشات مع تل أبيب، وهو ما يزيد من هشاشة المشهد الجيوسياسي. وفي مواجهة هذه التطورات المقلقة، فإن الحاجة الملحة للانخراط في عملية دبلوماسية حساسة دقيقة واتخاذ تدابير استراتيجية لخفض التصعيد، باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى لتجنب الانزلاق إلى صراع واسع النطاق وإلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة.
صعدت الميليشيات العراقية المنضوية تحت راية "المقاومة الإسلامية"، المدعومة من إيران، موقفها الصدامي مع إسرائيل إلى حد كبير
تشكلت "المقاومة الإسلامية" في العراق في أكتوبر/تشرين الأول من فصائل تشارك في هجمات متكررة على القواعد الأميركية في العراق وسوريا. وعلى الرغم من تأطير عملياتها كرد فعل على الصراع في غزة، ظلت المجموعة تركز إلى حد كبير على استهداف القوات الأميركية في العراق وسوريا. وأعلن عن أول هجوم مفترض لهذه المقاومة على إسرائيل في 2 نوفمبر/تشرين الثاني.
وفي اليوم التالي، أعلنت "المقاومة الإسلامية" عن بداية مرحلة جديدة في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، متوعدة بحملة أكثر قوة ضدهما. وفي وقت لاحق، عرضت على قناة "تلغرام" التابعة لها إعلانات منتظمة عن هجمات على أهداف إسرائيلية، وغالبا من دون تحديد الأضرار الفعلية التي تسببت فيها.
ومن المرجح أن عوامل عدة تكمن وراء هذا التحول في هجمات "المقاومة الإسلامية العراقية" نحو إسرائيل، هذه الهجمات التي بلغت ذروتها في الربع الثاني من هذه السنة. ويأتي في مقدمة هذه العوامل طول أمد العمليات العسكرية الإسرائيلية وتصاعدها في غزة، مما دفع هذه المقاومة إلى توجيه جهودها نحو إسرائيل لتصعيد الضغط عليها كي توقف أعمالها القتالية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تراجع هجماتها على أهداف أميركية منذ فبراير/شباط 2024 قد يفسر الارتفاع الكبير في مزاعمها بشن هجمات على مواقع إسرائيلية. إذ قد تكون هذه المزاعم مدفوعة بالحاجة إلى الحفاظ على أهميتها وعلى صورتها بأنها تواصل تنفيذ عملياتها وإن تغيرت الأهداف.
تكشف بيانات مفتوحة المصدر أن "المقاومة الإسلامية" في العراق أعلنت مسؤوليتها عن 124 هجوما على إسرائيل بالحد الأدنى، من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى يونيو/حزيران 2024. وقد أظهرت هذه الادعاءات زيادة موثقة بشكل ملحوظ في الربع الثاني من هذا العام، حيث بلغت ذروة معتبرة في مايو/أيار مع ما يقرب من 40 هجوما مفترضا على أهداف مختلفة. وتؤكد هذه الإعلانات على استخدام مسيرات انتحارية وصواريخ كروز استهدفت منشآت عسكرية وبنى تحتية حيوية في جميع أنحاء إسرائيل. ووفقا لتقارير هذه المقاومة، فقد تركز أكثر من نصف هجماتها على أهداف في جنوب إسرائيل، تليها مباشرة أهداف الشمال بفارق هامشي (نحو 40 في المئة)، في حين أن أقل من 10 في المئة من الهجمات استهدفت الأجزاء الوسطى من إسرائيل.
تكشف بيانات مفتوحة المصدر أن "المقاومة الإسلامية" في العراق أعلنت مسؤوليتها عن 124 هجوما على إسرائيل بالحد الأدنى، من نوفمبر 2023 إلى يونيو 2024
ومع ذلك، فإن صحة الكثير من هذه الادعاءات أمر مشكوك فيه، إذ لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي. كما أن الكثير من هذه الادعاءات لم تؤكدها البيانات مفتوحة المصدر، بما فيها التقارير الواردة من وسائل الإعلام الإسرائيلية ووسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن هذا الاتجاه بدأ في التغير في أبريل/نيسان عندما بدأت مصادر إسرائيلية في الإبلاغ عن بعض الهجمات. وفي أبريل أبلغت إسرائيل عن هجوم على القاعدة البحرية في إيلات قادم "من الشرق". وفي شهر مايو، لاحظ الجيش الإسرائيلي زيادة في مثل هذه الحوادث، حيث اعترض الجيش 9 أهداف جوية مشبوهة كانت في طريقها إلى إسرائيل قادمة "من الشرق" في 8، و14، و15، و23، و24، و28، و30 مايو. كما اعترض الجيش الإسرائيلي خمسة أهداف جوية مشبوهة في 3، و11، و15، و16، و23 يونيو. بالإضافة إلى ذلك، أفادت التقارير بأن مسيرة سقطت في المنطقة البحرية بالقرب من إيلات يوم 26 يونيو. وعادة ما يصف الجيش الإسرائيلي هجمات "المقاومة الإسلامية العراقية" بأنها قادمة "من الشرق".
توحيد الجهود
في يونيو، كثفت "المقاومة الإسلامية العراقية" هجماتها على إسرائيل بالشراكة مع الحوثيين، مما يدل على زيادة التعاون داخل "محور المقاومة" لتحويل شعارهم المتمثل في وحدة الساحات ضد إسرائيل إلى حقيقة واقعة. حدث أول هجوم مشترك مفترض لهما في 6 يونيو، واستهدف ثلاث سفن، إما في ميناء حيفا وإما وهي في طريقها إليه. واستمرت هذه العمليات المشتركة طيلة شهر يونيو، وبلغت ذروتها في خمسة ادعاءات تشمل تسع هجمات. واستهدفت جميع هذه الهجمات حيفا، باستثناء حادثة واحدة استهدفت أشدود.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن الحوثيون تعاونهم مع "المقاومة الإسلامية العراقية" لشن هجمات ضد إسرائيل من مرتفعات الجولان، مع عدم تقديم مزيد من التفاصيل. وجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي لم يرد على هذه الادعاءات المشتركة، لكنه أكد إسقاط مسيرة كانت تقترب من الشرق في 23 يونيو. وباستثناء هذا الحادث، لم تكن هناك مؤشرات أو تأكيدات أخرى على هذه الهجمات، باستثناء إعلان الجماعات مسؤوليتها.
على الرغم من التصعيد الواضح في عدد الهجمات الفعلية التي شنتها "المقاومة الإسلامية العراقية" على إسرائيل خلال الشهرين الماضيين، واصلت إسرائيل تجاهل هذه الهجمات المفترضة. وحتى عندما أكدت تل أبيب وقوعها، استمر الجيش الإسرائيلي في تجنب تحديد هوية الجماعات المسؤولة عنها، بخلاف سياستها مع هجمات "حزب الله".
وقد يُعزى عدم اعتراف إسرائيل بالهجمات أو الرد عليها، إلى تأثيرها المحدود الذي يقتصر على أضرار طفيفة عرضية دون وقوع ضحايا أو إصابات. ويبدو أن إسرائيل، المأسورة في حرب على جبهتين- في غزة وعلى طول الحدود مع "حزب الله"- تعتقد أن تجاهل الأنشطة الرمزية لـ"المقاومة الإسلامية العراقية" هو الخيار الأفضل لتجنب فتح جبهة ثالثة في سوريا أو العراق.
غير أن هذا الموقف المتزن دفع بعض الأصوات الإسرائيلية إلى التحذير من أن هذه الميليشيا وإن فشلت حتى الآن في شن هجوم كبير على إسرائيل، فإنه لا ينبغي التقليل من شأن التهديد الذي تشكله. ويقولون إن مزاعم هذه "المقاومة الإسلامية" بشنها هجمات على إسرائيل تشير إلى نية واضحة لاستهداف البلاد. وإذا كانت المحاولات السابقة قد باءت بالفشل أو اعترضها الإسرائيليون، فإن قدرة هذه الجماعة الأساسية ونواياها واضحة. ويؤكدون أن إهمال هذه الأعمال يحمل خطر التعايش معها، وهو ما قد يشكل تحديات أكبر حتى بعد انتهاء الصراع في غزة.
عادة ما يصف الجيش الإسرائيلي هجمات المقاومة الإسلامية العراقية بأنها قادمة "من الشرق"
لقد حافظت "المقاومة الإسلامية" في العراق منذ إنشائها على التزامها بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل حتى التوصل إلى حل للصراع في غزة. ولكن بغياب نهاية متوقعة للصراع في غزة، فإن احتمالات تصاعد الهجمات التي تشنها "المقاومة الإسلامية" على إسرائيل تظل مرتفعة، وعلى الأخص إذا شنت إسرائيل هجوما شاملا على "حزب الله". وقد أوضحت هذه المقاومة تعهدها الثابت بالوقوف إلى جانب "حزب الله" وتقديم أي دعم يتطلبه الوضع، بما في ذلك المشاركة النشطة في القتال على الخطوط الأمامية. علاوة على ذلك، أطلقت الجماعة تهديدات باستهداف المصالح الأميركية في العراق والمنطقة، وهو ما يشكل مزيدا من المخاطر على الاستقرار الإقليمي.
وفي وسط هذه التوترات المتزايدة، تصبح الحاجة إلى الانخراط في عملية دبلوماسية حساسة ودقيقة، تضمن تهدئة استراتيجية أكثر أهمية من أي وقت مضى لتجنب الانزلاق إلى صراع واسع النطاق وحالة من عدم الاستقرار في المنطقة. وفي غياب خطوات استباقية كهذه، يواجه العراقيون والسوريون واللبنانيون، كحال الفلسطينيين في الوضع الحالي، يواجهون احتمالا قاتما بالوقوع في مرمى النيران المتبادلة. وبينما يلوح شبح الحرب بقوة في الأفق، يتهدد هؤلاء خطر أن يصبحوا أضرارا جانبية في صراع ليس من صنعهم، وأن يتحملوا وطأة قرارات اتخذت خارج حدودهم.