بعد النصر الانتخابي الساحق الذي حققه حزب "العمال" في الرابع من يوليو/تموز، بات الحزب الآن في مواجهة مهام الحكم. وبالفعل، كان السير كير ستارمر وحكومته نشطين بشكل استثنائي خلال أيامهما الأولى في المنصب، وكانا حريصين على طمأنة الناخبين بأن "التغيير" الذي وعدا به ليس مجرد شعار فارغ.
ومن بين أنشط وزراء ستارمر يبرز وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي، الذي كان ديناميكياً بشكل خاص، حريصا على الانتقال من سنوات "الانغلاق على الذات" التي اتسم بها حكم "المحافظين" السابق، إلى "إعادة ربط بريطانيا بالمجتمع العالمي". ومع ذلك، فإن إعادة الاتصال بطريقة جوهرية قد يكون أمرا صعبا، فالنزعة المالية المحافظة التي يتبناها ستارمر وتركيزه على مشاكل بريطانيا الداخلية سيحدان من ميزانية الخارجية ومن اتساع نطاق الاهتمام بالشؤون الخارجية. إذن، ما هي الأولويات التي ستعطيها حكومة المملكة المتحدة الجديدة للخارج وما العقبات التي قد تواجهها؟
ستظل أهم علاقات بريطانيا التاريخية، وهي مع أوروبا والولايات المتحدة، تتبوأ رأس الأولويات. فإعادة ضبط العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من العداء التي تلت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحتل قلب استراتيجية حزب "العمال". وأكد لامي ذلك بالسفر إلى برلين في اليوم التالي لتعيينه. كما أراد بزيارته لبولندا والسويد أن "ندع سنوات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وراءنا"، كما قال لصحيفة "الغارديان".
وعلى الرغم من الحملة الداعية للبقاء في الاتحاد الأوروبي، أصر ستارمر (ولامي) على أن المملكة المتحدة لن تنضم مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي ولا إلى سوقه الموحدة أو اتحاده الجمركي، لكنهما حثا على تعاون أمني أوثق. واقترح لامي صفقة أمنية واسعة النطاق تشمل الدفاع والطاقة والتغير المناخي والهجرة. وبالمثل، تريد وزيرة المالية الجديدة راشيل ريفز تحالفا أوثق مع الاتحاد الأوروبي لتعزيز التجارة والاتفاقات "المصممة حسب الطلب" في قطاعات معينة.
وفي الوقت الذي قد تتقبل فيه حكومات يسار الوسط الأخرى في بولندا وألمانيا هذه الخطط، فإن حزب "العمال" قد يجد صعوبة في إقناع أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين. فصعود اليمين الشعبوي في جميع أنحاء أوروبا، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي في فرنسا، سيجعل الكتلة الأوروبية أكثر قومية وترددا في إسداء أي خدمة لبريطانيا. قد تتوفر بعض الرغبة في التعاون الأمني، خاصة في ظل المخاوف المستمرة بشأن أوكرانيا، لكن حزب "العمال" قد يصطدم بجدار عندما يتعلق الأمر بتحسين العلاقات الاقتصادية. فقد كان موقف بروكسل طوال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يؤكد على أن المملكة المتحدة لن تستطيع انتقاء واختيار جوانب من السوق الموحدة، وهذا لم يتغير. بل يزداد هذا الموقف ترجيحا بوجود المزيد من الحكومات القومية في العواصم الأوروبية التي قد ترغب في إعطاء الأولوية لصناعاتها الخاصة وحمايتها.
العلاقة مع الولايات المتحدة معقدة أيضا. حيث إن ستارمر وكذلك لامي ملتزمان بالحلف الأطلسي وهما قريبان أيديولوجياً من الديمقراطيين الذين ينتمي إليهم بايدن. ومع ذلك، فإن حظوظ بايدن الانتخابية لا تبدو جيدة مع تقدم ترمب في استطلاعات الرأي ومع الجدل الدائر في حزبه الديمقراطي لاستبداله. ولذا، فعلى ستارمر أن يخفف من تقاربه الطبيعي مع بايدن، لإدراكه أن ترمب قد يحل محله قريبا. وقد بنى لامي بالفعل علاقات مع فريق ترمب ومع إدارة بايدن أيضا، تحسبا للمستقبل.