استخدامات سياسية
مع التقدم السريع لتطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يوما بعد يوم، أصبحت عملية الانتخابات هدفا كبيرا لاستخدامات غير قانونية وأصبحت الانتخابات بعد اكتشاف الذكاء الاصطناعي عملية مختلفة تماما عن مثيلاتها في الأعوام الماضية.
ويتم استخدام تكنولوجيا التزييف العميق لاختلاق مقاطع صوتية تشبه الى حد كبير صوت أحد المرشحين في الانتخابات لتشويه صورته ونشر اخبار مغلوطة عن برنامجه الانتخابي.
وبعد حادث تزييف مكالمة بايدن الهاتفية، أصدرت هيئة الاتصالات الفيديرالية الاميركية بيانا أفاد بأن استخدام الذكاء الاصطناعي في تزييف مقاطع صوتية او مرئية امر غير قانوني وخرق واضح لقانون الاتصالات الفيديرالي.
فتح ذلك البيان بابا أمام فرض غرامات مالية كبيرة على المخالفين؛ وهذا ما حدث ضد من قام بنشر المكالمات الآلية للرئيس بايدن، حيث قدمت هيئة الاتصالات الاميركية مقترحا لفرض غرامة مالية قدرها 6 ملايين دولار على مرتكب هذا الفعل.
بررت هيئة الاتصالات الغرامة الكبيرة بأنها تمثل رادعا قويا لكل شخص يقوم بهذا الفعل غير القانوني، وخصوصا بعد انتشار الأدوات التي تمكن من تزييف الأصوات بسهولة.
تكرر الامر نفسه في ولاية كارولينا الجنوبية حيث نشرت مكالمة آلية للسناتور لينزي غراهام يسأل فيها المقترعين عمن هو المرشح الذين سيصوتون له في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في الولاية.
تطور الامر سريعا ليصبح الذكاء الاصطناعي حلبة اخرى للصراع بين المرشح الديمقراطي جو بايدن ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب في السباق الرئاسي.
حرب التزييف
اتهمت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار حملة ترمب والحزب الجمهوري بتعمد استخدام تكنولوجيا التزييف الرخيص وقص المقاطع المصورة للرئيس بايدن لإظهار ضعفه العقلي والبدني في كثير من المناسبات.
وقالت إن حملة ترمب قامت بتعديل فيديو لبايدن اثناء حضوره قمة مجموعة السبع في إيطاليا، بحيث بدا أنه لا يدري إلى اين يذهب، مما اضطر رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني الى ارشاده الى مكان الحضور؛ فيما أظهر الفيديو الأصلي بايدن بأنه ترك اللقاء مع الزعماء لتحية أحد المظليين.
تكنولوجيا التزييف الرخيص هي نسخة أسهل وأقل تكلفة وتعقيدا من تكنولوجيا التزييف العميق؛ إذ يحرر القائمون عليها المقاطع المصورة الأصلية يدويا، باستخدام أدوات تكنولوجية متاحة وسهلة بحيث يبدو الفيديو مختلفا عن الحقيقة عبر تبطيئ سرعته او قص أجزاء منه او تسريعه او حذف مدة زمنية كاملة لنشر معلومات غير صحيحة.
ولأن تلك التقنية منخفضة التكلفة ويسهل الحصول على أدواتها؛ تنشر موادها بصورة أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي لبث الأخبار المضللة وغير الصحيحة في شتى المجالات.
كان لترمب أيضا نصيب من استخدام التزييف العميق وتوظيفه في مسار الانتخابات لصالحه، حيث نشرت على الأنترنت في مارس/آذار الماضي صور تجمع الرئيس ترمب مع اشخاص من أصول أفريقية في محاولة لإظهار ترمب محبوبا من هذه المجموعة، ولتشجيعها على التصويت لصالحه.
وظهر الرئيس الأميركي السابق معانقا مجموعة من السود الذين ظهروا سعداء جدا في الصورة التي اتضح في ما بعد بأنها قد زُيِّفت باستخدام التزييف العميق.
يُعدّ الفوز بثقة السود في الولايات المتحدة أمرا مهما للغاية بالنسبة الى ترمب، في طريقه المحتمل للفوز بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لذلك تم توظيف التكنولوجيا سياسيا لصالح حملته الانتخابية.
وصرح ترمب لدى لقائه مع اليوتيوبر، لوجان بول، الأسبوع الماضي، بأنه سعيد بما توصلت اليه تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأعلن انه استخدم خطابا كُتب خلال ثوان بواسطة الذكاء الاصطناعي، حيث أعرب عن اندهاشه من الدقة الرهيبة في هذا الخطاب ومن قدرته الحماسية.
لذلك أعلن ترمب مازحا بأنه سيفصل كاتب الخطابات الخاص بحملته لأنه لا يحتاجه. في الوقت نفسه، أعرب عن قلقه من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وخصوصا التزييف العميق، لقدرتها على نشر مقاطع منسوبة اليه يمكن ان تؤدي الى اندلاع حرب نووية، حيث قال انه من الممكن تركيب مقطع فيديو له يقول فيه إن الولايات المتحدة الاميركية أطلقت رؤوسا نووية ستصل الى أهدافها في خلال دقائق. هذا السيناريو وغيره من السيناريوهات يؤكد التطور الكبير في قدرات الحواسيب في تزييف الحقائق؛ الامر الذي يلقي الضوء على خطورتها الكبيرة وقد تنتج منه تحالفات او تصعيدات عسكرية على الصعيد الدولي المتأزم أصلا.
وتشير الاتهامات المتبادلة بين حملتي بايدن وترمب إلى استخدام تقنيات التزييف الرخيص والتزييف العميق للتلاعب بالصور والمقاطع المصورة بهدف التأثير على الرأي العام وإظهار المنافس بشكل سلبي. تبرز هذه التقنيات خطورة انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الوصول إليها، مما يعزز الحاجة إلى تنظيم استخدام هذه التكنولوجيا في السياقات السياسية ومراقبتها. من جهة أخرى، تبرز تصريحات ترمب حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي مخاوف جديدة تتعلق بالأمن القومي والإمكانات الهائلة لتزييف الحقائق، مما يتطلب تطوير سياسات وإجراءات فعالة للتعامل مع هذه التحديات في المستقبل القريب.