لم تسترح إسرائيل، أو لم تشبع من الحروب، منذ إقامتها، إذ شهدت في تاريخها 12 حربا، عدا عن المعارك المتفرقة، 5 حروب منها مع جيوش عربية (1948، 1956، 1967، 1969/الاستنزاف، 1973)، و7 منها مع قوى لادولتية، أو مقاومة، ضمنها حربان في لبنان (1982، 2006)، و5 ضد قطاع غزة (2008، 2012، 2014، 2021، 2023)، بالإضافة إلى مواجهة انتفاضتين فلسطينيتين كبيرتين (1987-1993)، و(2000-2004)؛ لدولة عمرها 75 عاما فقط، ما يعني أنها دولة قامت واستمرت بواسطة الحروب.
على ذلك فإن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية والاقتصادية، واحتكارها السلاح النووي في الشرق الأوسط، وضمان الدول الكبرى لأمنها وتفوقها، تبدو في حالة حرب دائمة، لكأنها تعيش بين حرب وأخرى، أو كأن وجودها بات مرهونا بقوتها العسكرية، مع ما ينطوي عليه كل ذلك من مفارقات في وضع هذه الدولة.
مثلا، فإن إسرائيل دولة قوية عسكريا، لكن الهاجس الأمني ساكن في كل خياراتها وتجلياتها، وهي مستقرة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أنها تشكو من عقدة الخوف من الغياب الوجودي مستقبلا، وهي دولة استطاعت هزيمة جيوش عدة دول عربية إلا أنها لم تنجح في فرض ذاتها عربيا، سيما على الصعيد الشعبي، رغم تطبيع بعض الدول معها، كما لم تستطع وأد مقاومة الفلسطينيين أو فرض قبولهم لاحتلالها وهيمنتها.
الإشكالية هنا تتعين بكون إسرائيل محكومة بمحدودية الانتصار، أو بضعف قدرتها على فرض انتصارات كاملة (بالمعنى النسبي والتاريخي)، في حروبها المتعددة، بسبب التناقضات التي تكتنف طبيعتها، فهي دولة تفتقر لعمق تاريخي وبشري وجغرافي واقتصادي، في المنطقة، وهي محتارة بين كونها دولة لمواطنيها اليهود أو دولة ليهود العالم، وبين كونها دولة دينية تعيش في الأسطورة، أو دولة علمانية/حداثية، وفوق كل ذلك فهي دولة لم تعرّف حدودها الجغرافية بعد، وتفتقر لعلاقات طبيعية مع محيطها.
أيضا، فإن مشكلة إسرائيل أن انتصاراتها تولد نقيضها، بمعنى أنها تفضي بها إلى أزمة أخرى لها، وهذا ما سنأتي إليه، من دون التقليل من حجم ما استطاعته بقيامها واستمرارها ونجاحها في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، وفي مواجهتها لمحيطها العربي المعادي، رغم صغرها من حيث المساحة وعدد السكان وقلة مواردها الطبيعية.