تردد مؤخرا اسم أمين عابد، المدون والناشط الشاب من مخيم جباليا في غزة. وهو واحد من آلاف الغزيين الذي يعيشون إبادة إسرائيلية لا يعرفها ولا يدفع ثمنها سواهم، وواحد من الأصوات المعارضة الذي دوى خبر تعرضه لاعتداء دام بالسلاح الأبيض من خمسة ملثمين قالوا إنهم تابعون لحركة "حماس".
لا تلقى القصة اهتماما وسط ممارسات آلة الإجرام الإسرائيلية، غير أنها امتداد لحالة قائمة قبل الحرب. تجسد حالة أمين عابد ألما فرديا ولا تنحصر فيه، مع كل ما يحمل الألم الفردي من قيمة، ومع كل ما يحمل الألم الفردي من مشروعية في الوجود والصوت والاعتراف، والذي تقمعه "حماس" في وقت يرى فيه العالم الغزيين، إن رآهم، مجرد أرقام تلغي الشعور بمعاناتهم الفردية التي تتجمع على شكل إبادة، وفي وسطها يفتقر فلسطينيون لحقهم في التعبير عن التعب، ويفتقرون للإقرار بحقهم في الحياة دون تبرير هذا الحق تحت طائلة التخوين وتبعاته التي قد تؤدي إلى الموت.
يتحدث الناشط أمين عابد إلى "المجلة"، ومن قصته ننتقل إلى أسئلة ذات صلة: مَن يقرر مَن المقاوم ومن الخائن؟ وكيف تتفاعل سياسة الكيل بمكيالين للغزيين وصمودهم في الحرب؟ وفي مقابل قمعها لأصوات منتقدة ومتعبة، هل التزمت "حماس" واجبها بحماية الغزيين من تداعيات 7 أكتوبر/تشرين الأول؟
"لن أرحمهم"
في مستشفى "العودة" بشمال غزة، وحيث القطاع الاستشفائي خارج الخدمة، يحاول أمين عابد استعادة القدرة على الحركة والتعافي من تداعيات جسدية قاسية جراء تعرضه للاعتداء بالعصي والمناجل من ملثمين تابعين لـ"حماس"، بعدما اختطفوه بالقرب من بيته. وتتطلب حالته نقلا إلى المستشفى الأميركي في المنطقة الوسطى، الأمر الذي يعيقه الجيش الإسرائيلي.
وبعد محاولات صعبة للتواصل بسبب سوء الاتصالات، يقول أمين عابد لـ"المجلة": "المؤكد أنني سأواصل ما بدأته منذ 17 عاما، سوف أنتقد بكل قسوة ولن أرحم هؤلاء الذين يختطفوننا منذ 17 عاما، وهم جلابو الخراب، وما حدث معي سوف أعمل على أن لا يتكرر مع غيري".
وبحسب ما يردنا من صديقه خالد الملفوح الذي يلازمه في المستشفى، فقد أصيب أمين بجرح في الكلى، وضربة في الرأس، وضربة في العين، وكسور في الرجلين، والأسنان، واليدين. وهذه الأخيرة، كانت مهمة بالنسبة لأحد الملثمين الذي سمعه أمين يقول: "اكسروا إصبعه كي لا يعود قادرا على كتابة انتقادات ضد (حماس) مرة أخرى".
الناشط المعروف في القطاع، اعتقلته "حماس" مرارا بسبب انتقاده لحكمها، كما نظم في 2019 مظاهرات تعبر عن التردي الاقتصادي في غزة. وقبل الاعتداء الأخير، انتقد أمين عابد حركة "حماس" على "فيسبوك"، وكتب: "لقد تعبنا أيها العالم".
ويضيف لنا أمين عابد: "إن التخوين وتكسير العظام لا يخدم فلسطين ولا يخدم أجيال فلسطين. لقد تعرضت لمحاولة قتل موصوفة، وهذا أسلوب العصابات في ما بينها لترهيب بعضها بعضا، وهو أسلوب تنتهجه إسرائيل ضد شعبنا المحتل، لا يجوز أن يستخدمه أحد يدعي المقاومة. ثم هناك إشكالية في طرح مفهوم المقاومة. مَن المقاوم؟ المقاوم هو أنا مَن صمد على أرض شمال قطاع غزة، وواجه مشروع الاحتلال بالتهجير، وواجه مخططات الاحتلال".
احتكار المقاومة
يضيق غزيون ذرعا بمزايدات في المقاومة، منهم المدون محمد عيسى، الذي نشر: "مثلما تريد أن تصدق رواية صمودك، عليك أن تحترم وتصدق رواية معاناة الناس وتعبهم وفقرهم وقلة حيلتهم". وينتقد عبر "المجلة" ما يصفه بـ"احتكار حماس مفهوم المقاومة لنفسها"، مضيفا: "كل الغزيين مع المقاومة. كل الغزيين صامدون ومقاومون ومتعبون من هذه الإبادة، ولسنا خائنين لمجرد التعبير عن تعبنا. لقد أمضيت 200 يوم في الخيمة، وانتقلت إلى مصر للعلاج ثم أعيد إغلاق معبر رفح. قلبي وروحي في غزة. لا أزال بعيدا عن زوجتي وبناتي، والمساعدات الإنسانية شحيحة وكذلك المياه، وتبلغ المعاناة أشدها في هذا الحر".